في رحاب لغة القرآن.. السنة والعام

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

مقدمة

يُقاس الزمن باستخدام وحدات قياس مختلفة. وتعتبر الثانية هي الوحدة الأساسية المستخدمة لقياس الزمن في النظام العالمي للوحدات، وقد تم تعريفها على أنها الزمن اللازم للانتقال الإشعاعي عدداً من المرات يساوي 9.192.631.770 مرة بين مستويين فائقي الدقة من الطاقة في الحالة الأرضية (Ground state) لذرة السيزيوم.

وقد كان الاعتقاد سائداً حتى وقت قريب أن الثانية هي أصغر وحدات قياس الزمن، ولكن بدأ الحديث مؤخراً عن ميلي ثانية (كل واحد ثانية تساوي 1000 ميلي ثانية)، والنانو ثانية (كل واحد ثانية تساوي بليون نانو ثانية). ثم جاء الإنجاز الكبير والاكتشاف الهائل الذي نجح في الوصول إليه العالم المصري الكبير الدكتور أحمد زويل، والذي نجح في اكتشاف وحدة قياس زمن جديدة، وهي الفيمتو ثانية.

ووحدات الزمن قد تكون قصيرة، مثل الثانية والدقيقة والساعة واليوم. وقد تكون وحدات الزمن طويلة، مثل الأسبوع والشهر والفصل والسنة والعقد والقرن والألفية. وإذا كانت كل وحدات الزمن لها اسم واحد، فإن وحدة الزمن الطويلة المعروفة بلفظ «السنة»، يستخدم بعض الناطقين بلغة الضاد مرادفاً لها لفظ «العام». ومن ثم، يثور التساؤل عما إذا كان اللفظان مترادفين فعلاً، أم أن ثمة فارق في المدلول اللغوي بينهما، وهو ما نحاول الإجابة عنه في هذا المقال، وذلك على النحو التالي:

المطلب الأول

استخدامات السنة والعام في خطة التشريعات العربية

تنص المادة 140 الفقرة الأولى من الدستور المصري لعام 2014م على أن «ينتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، …». وفيما يتعلق بشروط الترشح لهذا المنصب، ووفقاً للمادة 141 من الدستور ذاته، يشترط فيمن يترشح رئيساً للجمهورية «… ألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن أربعين سنة ميلادية، …». كذلك، يستخدم المشرع الدستوري المصري تعبير «السنة المالية» في المادتين 124 و125 من الدستور.

في المقابل، ووفقاً للمادة 289 من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي الملغي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (35) لسنة 1992م، «يؤجل تنفيذ عقوبة الإعدام على المرأة الحامل إلى أن تضع حملها وتتم رضاعه في عامين هجريين…». وقد ورد النص على الحكم ذاته في المادة 291 من قانون الإجراءات الجزائية الجديد لدولة الإمارات العربية المتحدة، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (42) لسنة 2022م، بنصها على أن «يؤجل تنفيذ عقوبة الإعدام على المرأة الحامل إلى أن تضع حملها وتتم رضاعه في عامين …».

ويرى البعض أن لفظ «السنة» من الألفاظ التي تتعدد معانيها، وأنها ولفظ «العام» بمعنى واحد في مقاييس الزمن (د. عليوة فتح الباب، صياغة التشريعات، دراسة مقارنة، مصر – الإمارات، مطبوعات دائرة القضاء، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 2014م، ص 123). ويبدو أن قسم التشريع بمجلس الدولة المصري يشاطر هذا الرأي. إذ تلاحظ للقسم من مطالعة قرار رئيس الجمهورية رقم 433 لسنة 2001 في شأن العفو عن باقي العقوبة بالنسبة إلى بعض المحكوم عليهم بمناسبة الاحتفال بعيد الفطر المبارك لعام 1422 هجرية، والمنشور في عدد الجريدة الرسمية (48 مكرراً) في ديسمبر 2001م، أن القرار المشار إليه في صيغته التي نشر بها يغاير ما ورد من وزارة العدل، والصيغة التي أقرها القسم، وأن ما جرى من تعديلات على المشروع بالصيغة التي صدر بها سواء بالحذف أو الإضافة إنما جاءت على خلاف ما أقره القسم وارتآه صحيحاً يتبدى في الآتي: عنوان القرار: استبدل بعبارة (لسنة) (لعام) على خلاف ما ارتآه القسم توحيداً للألفاظ الواردة بالمشروع على نحو يتحقق به الغرض من استعمال اللفظ حتى وإن كان يتفق مع مدلول عبارة (لسنة) اصطلاحاً (راجع: الملف رقم 2 لسنة 2002م، المبادئ القانونية المستخلصة من المراجعة التشريعية لقسم التشريع بمجلس الدولة خلال العام القضائي 2001/ 2002، الجزء الثاني، المكتب الفني لقسم التشريع، المبدأ رقم 16، ص 46).

المطلب الثاني

النسبة إلى وحدة الزمن الطويلة (سنة)

إذا كانت اللغة العربية تعرف لفظين للدلالة على وحدة الزمن الطويلة المقدرة باثني عشر شهراً، وهما السنة والعام، فإن النسبة إلى هذه الوحدة الزمنية تكون دائماً بالنعت أو الوصف «سنوي». فعلى سبيل المثال، وطبقاً للمادة (117) من الدستور المصري الحالي لعام 2014م، «ينتخب مجلس النواب رئيساً ووكيلين من بين أعضائه في أول اجتماع لدور الانعقاد السنوي العادي لمدة فصل تشريعي، …».

وفي الإطار ذاته، ووفقاً للمادة الثمانين من دستور الإمارات العربية المتحدة لعام 1971م، «يفتتح رئيس الاتحاد الدور العادي السنوي للمجلس، …». كذلك، تنص المادة التسعون من الدستور ذاته على أن «ينظر المجلس في دورته العادية في مشروع قانون الميزانية العامة السنوية للاتحاد، …».

المطلب الثالث

مدى الترادف بين لفظي السنة والعام

الواقع أن كلمتي «عام» و«سنة» متماثلتان من حيث عدد الأيام وعدد الشّهور. ومع ذلك، فإن القاعدة اللغوية تقول إنه «لا ترادف في اللغة العربية»، وإن لكل كلمة مدلولها الذي يختلف عن الأخرى. ومؤدى هذه القاعدة أن ثمة فارق في المعنى والمدلول بين لفظ «العام» وكلمة «السنة». بيان ذلك أن «سنة» هي كلمة مفردة وجمعها سنين وسنوات، وهي وحدة زمن تدل على الأيام التي فيها قحط وشدة ومعاناة وشر. أما «العام»، فهي كلمة مفردة وجمعها أعوام، وهي الأيام التي فيها رخاء وخير وراحة. ولزيادة الأمر إيضاحاً، وللتدليل على الفارق بين لفظي «العام» و«السنة»، يمكن الاستدلال ببعض الآيات من القرآن الكريم باعتبار أن لغة القرآن الكريم هي اللغة العربيّة الفصيحة والدّقيقة للكلمات. فقد استخدمت كلمة «سنة» في القرآن الكريم تسع عشرة مرة؛ حيث وردت مفردة في سبع آيات، ووردت اثنتا عشرة مرة في صيغة الجمع. أمّا كلمة «عام»، فقد استخدمت مفردة في سبع آيات، ولم تذكر في صيغة الجمع في القرآن الكريم. وتستخدم كلمة «سنة» في الأيام التي فيها خير وشر وجهد وحزن، وأمّا كلمة «عام» فتطلق على الأيام التي فيها خير؛ فالعام يحمل الخير الكثير والسرور، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى )تزرعون سبع سنين دأباً(؛ فالزرع يحتاج إلى جهد وتعب ومعاناة، وقوله تعالى )ثمّ يأتي عام فيه يُغاث الناس(؛ فالعام فيه فرج وإغاثة من المعاناة التي مرّت في سبع سنين صعبة. استخدمت كلمة عام مع فعل الرضاعة )وفصاله في عامين(؛ حيث تشعر المرأة بسعادة وسرور عند رضاعة الطفل، وكذلك يرضع الطفل في عامين حتى يستفيد من حليب أمه، واستخدمت كلمة سنة في قوله تعالى )حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة( فذكرت كلمة «سنة» دون «عام» وفي هذا دليل على أنّ «السنة» يتعلّم فيها الإنسان ويعاني، وأما في هذه الآية )فأماته الله مئة عام ثم بعثه(، جاءت كلمة «عام» مع الموت، ولم تذكر كلمة «سنة» لأنّ الموت في الواقعة التي تتعلق بها هذه الآية كان فيه راحة ورخاء وليست فيه معاناة.

وقد اعترض البعض على الرأي آنف الذكر، مستدلاً على وجهة نظره بأمرين، سنقوم فيما يلي ببيانهما ووجه الرد عليهما، وذلك على النحو التالي:

إطلاق عام الرمادة وعام الحزن

قد يشير البعض إلى أن فقهاء الأمة ومؤرخيها يستخدمون عبارة «عام الرمادة» للدلالة على فترة زمنية طويلة امتدت لعدة أشهر كانت عبارة قحط وجدب وجوع أصابت المدينة المنورة وما حولها زمن خلافة عمر بن الخطاب، وتؤرخ هذه الفترة برجوع النّاس من الحج سنة 18هـ وحتى تسعة أشهر، فيه صارت الأرض كلّها سوداء، فشبّهت بالرماد، وفي ذلك تعليل التسمية بعام الرمادة. ووجه الاستدلال بهذا الاستخدام أن الأمر تعلق بفترة قحط وجدب وجوع، ومع ذلك استخدم الفقهاء والمؤرخون لفظ العام للدلالة على هذه الفترة.

وفي الإطار ذاته، قد يشير البعض إلى تسمية «عام الحزن»، وهو العام الذي توفي فيه عم الرسول أبو طالب الذي كان يدفع عنه أذى قريش ثم زوجته خديجة بنت خويلد التي كانت تسانده في الدعوة. وهو ما يقارب العام العاشر للبعثة (الثالث قبل الهجرة). ووجه الاستدلال بهذا الاستخدام أن لفظ «العام» قد اقترن بفترة حزن.

وللإجابة عن ذلك، ينبغي أن نلاحظ ابتداءً أن الاستخدامات سالفة الذكر قد اقتصرت على استخدام لفظ العام مع فترات حزن أو قحط وجدب وجوع. ويمكن تبرير ذلك بأن المسلم ينظر دائماً إلى فترات الابتلاء على أنها خير من الله عز وجل. ويمكن تفسير ذلك بأنه من باب الرضاء بالقضاء والقدر، والإيمان بأن أمر المؤمن كله خير. فإن أصابه بلاء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته نعماء شكر فكان خيراً له.

الحديث النبوي: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض

عن أَبي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بنِ الحارثِ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: )إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السَّماواتِ والأَرْضَ: السَّنةُ اثْنَا عَشَر شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم: ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقعْدة، وَذو الْحجَّةِ، والْمُحرَّمُ، وَرجُب مُضَر الَّذِي بَيْنَ جُمادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قلْنَا: اللَّه ورسُولُهُ أَعْلَم، فَسكَتَ حَتَّى ظنَنَّا أَنَّهُ سَيُسمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَليْس ذَا الْحِجَّةِ؟» قُلْنَا: بلَى، قَالَ: فأَيُّ بلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّه وَرسُولُهُ أَعلمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سيُسمِّيهِ بغَيْر اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ الْبَلْدةَ؟ قُلْنا: بلَى، قَالَ: فَأَيُّ يَومٍ هذَا؟ قُلْنَا: اللَّه ورسُولُهُ أَعْلمُ، فَسكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّه سيُسمِّيهِ بِغيْر اسمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْر؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فإِنَّ دِماءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأَعْراضَكُمْ عَلَيْكُمْ حرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذا، في شَهْرِكم هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ ربَّكُم فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلا فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فلَعلَّ بعْضَ مَنْ يَبْلغُه أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَه مِن بَعْضِ مَنْ سَمِعه، ثُمَّ قال: أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ أَلا هَلْ بلَّغْتُ؟ قُلْنا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ متفقٌ عَلَيهِ(.

وقد يستدل البعض بهذا الحديث بأن النبي المعصوم قد استخدم لفظ «السنة». والواقع أن الأمر يتعلق بضرورة استخدام لفظ واحد للدلالة على الزمان. وعند الاختيار بين لفظي «العام» و«السنة» في هذا المقام، يبدو مبرراً استخدام لفظ «السنة»، منظوراً في ذلك إلى أن الدنيا دار شقاء في مقابل الآخرة التي هي دار النعيم بالنسبة للمؤمن. والدليل من القرآن الكريم على أن الدنيا دار شقاء نجده في قوله تعالى في الآية الرابعة من سورة البلد: )لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ(. وفي تفسير هذه الآية، اختلف العلماء إلى رأيين. إذ يرى أكثرهم أن المقصود بلفظ كبد هو الشقاء والشدة، بينما يرى بعضهم أن المقصود هو اعتدال القامة. ففي تفسير الطبري، ورد ما يلي:

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: لقد خلقنا ابن آدم في شدّة وعناء ونصب.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) يقول: في نَصَب.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا سعيد، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، أنه قال في هذه الآية: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) يقول: في شدّة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) حين خُلِق في مشقة لا يُلَقى ابن آدم إلا مكابد أمر الدنيا والآخرة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (فِي كَبَدٍ) قال: يكابد أمر الدنيا والآخرة.

وقال بعضهم: خُلِق خَلْقا لم نَخْلق خلقه شيئا.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن عليّ بن رفاعة، قال: سمعت الحسن يقول: لم يخلق الله خلقا يكابد ما يُكابد ابن آدم.

قال: ثنا وكيع، عن عليّ بن رفاعة، قال: سمعت سعيد بن أبي الحسن يقول: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: يكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة.

قال: ثنا وكيع، عن النضر، عن عكرِمة قال: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: في شدّة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: في شدّة.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: في شدّة معيشته، وحمله وحياته، ونبات أسنانه.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال مجاهد (الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: شدة خروج أسنانه.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: شدّة.

وقال آخرون: معنى ذلك أنه خُلِق منتصبا معتدل القامة.