صِّنَاعَةُ المُحتَوَى الإعلاميّ و قَضَايا المُجْتَمَع

بِقلم الأستاذ : علاء العيلى المحامى بالنقض والدستورية العـُـليا

    الْحَمْدُ للهِ الّذيْ أَبـرَزَ مِـن مَكنُوْنِ عِلمِـهِ خَيْرَ البَرِيَّة ، فهوَ نُـورٌ مِـنْ نُـورِهِ اخَتارَهُ واصطَفَاه ، وَلَـمْ يَـكُنْ قَبْـلَهُ شَـيء فَـقَـد حَـازَ القِــدَمَ والْأَسبَقِيَّــةِ ،وَأَشْهَــدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تَوحِيداً بِخَالِصِ النِّيَّـةِ ، وَأَشْهَـدُ أَنَّ سَيِّدنا مُحَمَّـداً رَسُولُهُ وَمُجتَبَاه مَظْهرُ الْحَقِّ فِىْ عَالَمِ الْخلقِ نُقْطَـةُ دَائِرِةِ الْوجُوْدِ ظَاهِرُ الْبَشَرِيَّة ، الْطَودُ الْأَشَمُ لِتَجَلِّيَاتِ الله فَهُـوَ وَاحِـدُ اَلْخَلْقِ مِـرآةُ الْأَحَدِيَّـةِ وَصَـلِّ اللَّهُمَّ عَلَيهِ وَسلِّمِ صَلاةً مِنَ اللهِ سَـرمَـدِيَّـة وَآَلِــهِ ووالديهِ صَحبِــهِ ومَــنْ اتَّبَـعَ هُــدَاهُ وأستَمنِـحُ الله تَعَـالَـى رِضْـوَانَـهُ وَصِـدقَ الْطَّــوِيَّــة وَأَرجُـو مِنْـهُ الْتَـوْفِيْـقَ لِمَا يُـحِبُّــهُ وَيَـرضَـاهُ

     يقول الله تعالى في محكم التنزل: {أَنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثلْهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } _ الآيتان ١٧_١٨ سورة الرعد .

     أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هذا مثل ضربه الله احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها، فأما الزبد فيذهب جفاء، وهو الشك، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وهو اليقين، كما يجعل الحـُلي في النار فيؤخذ خالصهُ ويترك خَـبثهُ في النار كذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك .

     ما أحوج الإنسانية اليوم إلى خطاب عقلاني مُتزن ينهض بهذا البناء العظيم الذي هو { الإنسان} تحت هذه القُبة العتيقة ، فالإنسان هو بناء الخالق العظيم ما أحوج الناس إلى المعرفة بمعناها الدقيق الذي يستبصر بها غير المُتعلم ويتعرف على ما هو لازم وما هو مطلوب وعلى ما هو مشتبه فيه وذلك فى أمور دينهم ، والوصول بذلك إلى الناس هو عين المعرفة، ثُم تأتي بعد ذلك معرفة العلوم النظرية ، ثم في نفس الوقت الأخلاق والحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة وحُسن المعاملة مع الناس .

ما أحوجنا اليوم إلى خطاب يتضمن مراجعة المجتمعات في علاقتهم بخالقهم وعلاقتهم بالنفس وعلاقتهم بتحمل مسؤلياتهم تجاه الوقت وتجاه أولادهم وأُسرهم وأوطانهم ومجتمعاتِهم .

     ما أحوجنا إلى خطاب إعلامي يأخذ بأزمة العقول والقلوب والأرواح ليعرفها بسر الأخذ والتلقي والمكافحة بالروح ، خطاب فِكر وتثقيف وتحمل مسؤليات ، فهذا الخِطاب هو الذي يؤثر على حقائق الروح من الداخل ويصل بالإنسان الذي هو قِوام المُجتمعات إلى أوج الرقي والتقدم وينقذها من الوقوع في براثن الفِكر المُشتت ، ما أحوجنا اليوم إلى بث العِلم والمعرفة وعلوم العِرفان التي حوتها صدور العلماء الربانيين أهل الله الذين لا يخلو منهم زمان والذين وُجدوا بكل مكان ، فالكُـتب حافظة للعِلم وحاوية الميراث ولكن صدور العلماء هي النبع النابع الذي منه تجرى روافد المعرفة ، فما أحوجنا وأحوج الإنسانية إلى هذه الأنفاس المُباركة وإلى هذا العطاء المعرفي الذي يربطهم بخالقهم وأسرهم وأوطانهم ومجتمعاتهم .

     والإعلام له أثر كبير على حياة الأمم والشعوب وعلى البيوت ، فقد أصبح الإعلام يملك القرار الذي هو التأثير على النفس وعلى تكوين الوعي لدى النشأ وتوجهات الأُسر ، وهذا ينسحب على الإعلام بكل صوره مسموع ومقروء ومرئىي وشبكات التواصل الاجتماعي ، فلا بد من منهجية إلى إعادة نظر أمام هذا السيل الجارف وضبط وتنظيم عمل هذه الآلة الجبارة بما يتناغم مع النشاط الإنساني الذي يحقق النفع والخير وينشر النور والبركات على حياة الناس .

يُعد الإعلام في الوقت الحالي من أهم القوى والآليات التي تستخدم في بناء وعي المجتمعات وتشكيل الصور الذهنية في عقول الجمهور ، وبحسب الخطاب والمحتوى الإعلامي تتكون معتقدات وانتماءات وهوية الشعوب ، وبحسب مضمون هذه القوة الضاربه للآلة الإعلامية تكون توجهات الأفراد فالإعلام بات أحد أقوى القوى الناعمة المؤثرة في وجدان وعقول الشعوب وتعاطيهم مع مختلف قضايا بلدانهم وذلك من خلال تغذية هذه الآله الإعلامية بالمعلومات والحقائق ومن خلال هذه الروافد تستطيع الدوله شحذ الهِمم والإرتقاء ثقافيًا وروحيًا بالمواطن بما يخدم قضايا دولته وفي ذات السياق حماية المواطن نفسة في ظل التطور الرهيب للآلة الإعلامية وما تشهدة الساحة الإعلامية من تنوع مصادر تقديم المادة الإعلامية عبر الفضاء التكنولوجي بمنصاته المختلفة والمحطات الإعلامية عبر إشارات البث المسموع والمرئي .

أضحى الإعلام هو الدرع الواقي لكل دولة كأحد أسلحتها المعنوية في ردع أعدائها وتعريتهم وفضح الأكاذيب والتـُراهات والخطاب التضليلى والمـُعادى ، ومن هذه الوجهة بات الإعلام والمحتوى الإعلامي هو الحصن القومي والدرع المنيع لكل دولة وهو بهذه المثابة لا نبالغ إن قُلنا أنه قوة ضاربه ويد طـُولى تستطيع به الدوله دحر أعدائها في عقر دارهم .

    ومن منطلق هذه الأهمية الخطيرة لدور الإعلام ومايقدم من محتوى إعلامي يجب التأكيد على أن هذه المهمة هي رسالة عظيمة تتطلب من القائمين على مراقبة وضبط المشهد الإعلامي أن ينظروا فيمن يرتقى سُلَم هذه المِـنبر الخطير العابر لحدود المسافة والزمن فينبغى التدقيق في المُحتوى الذي يتم طرحه وطبيعة القضايا التي يتم تناولها ومدى تأثيرها على فكر ووجدان المواطنين .

    ومن هذا المُنطلق لم يَـعد الإعلام ساحة لكل راغبي الظهور أو الشهرة دون أن يقدم محتوى هادف ، ومن هذا المنطلق لم يعد الإعلام منبرًا لكل من يريد التحدث بما يروق له مع من يروق له ، فالإعلام الآن بهذة الصبغة أصبح صناعة ولابد لهذة الصناعة من عناصر و مقومات تقوم عليها والتى هي الثقافة والعلم والدراسة الأكاديمية والإلتزام بالمهنية في طرح القضايا ومناقشتها مع المُـتخصصين وليس المُـنتسبين أو مُـدعي التخصص .

تقديم المحتوى الإعلامي مسئولية و أمانة كبيرة أمام الله والضمير الإنساني في كل المجتمعات ، وهذه المسئولية لا تنفك عـُراها مهما طال الزمن ، فالخطاب الإعلامي بما لازمه من تطور التقنيات التابعه عبر المنصات المختلفه أصبح كسرعة البرق في التأثير والوصول .

كل هذه المفردات تلقي بمسئولياتها على القائمين على هذه الآلة الجبارة في تفعيل الرقابة القانونية على المحتوى الإعلامي والوسيلة الإعلامية من قَـبله ، فلا ينبغى أن يكون الإعلام وسيلة لتحقيق الشهرة لمن يقدمون محتوى يفتقد لأي مضمون نافع أو مفيد للمواطن ، كما لا ينبغى السماح لمُـدعى الإنتماء إلى مهنة الإعلام بالولوج إلى البيوت والأُسر والتأثير في عقول ووجدان الأفراد والشباب والأطفال والسيدات بمحتوى غير مفيد وغير هادف أو يناقض قِيم وأعراف الأفراد وثوابت مجتمعهم ، لا ينبغى أن يقدم محتوى مُضلل أو يثير الفتن أو يهدد السِلم والأمن المجتمعي، لا ينبغى أن يُطلق العنان لكل من يعتلى منبر إعلامى ليتحدث بخاطرة عابرة أو فكرة من عندياته .

   الخطاب الإعلامى له مفردات يجب أن يقوم عليها كما ذكرت سلفًا باعتبار الإعلام صناعة وليس قضاء نزه من الوقت عبر شاشة أحد الفضائيات .

   كما أن أمانة تقديم المحتوى الإعلامي تلقي بمسئولية كبيرة على مُقدم المحتوى ، وتُحتم عليه قبل أن يناقش قضية ما أن يضع نُصب عينية ويُحكم ضميرة فى التدقيق والبحث ومراجعة المصادر كلها قبل طرح محتواه ، تُحتم عليه بذل الجهد والوقت والمعرفة في كل مايسطره لمناقشتها ، هذه الأمانة توجب على الإعلامى مناقشة وإستضافة أهل التخصص وأهل المعرفة وأهل التخصص لا ينبغى أن تـُطلق على عواهنها بل هو مصطلح أعمق بكثير من مجرد محاورة شخص يطلق على نفسة متخصص في كذا أو باحث في كذا .

   وقبل كل هذا يجب أن يُحكِّـم مُقدم المحتوى ضميره ويسأل نفسة : هل القضية التي يتناولها أو يناقشها ستعود بالنفع على مجتمعه وهل تخدم قضايا بلده ؟ …. أما أن يتخذ مقدم المحتوى من المنصة الإعلامية نزهة لعرض وجهات نظره فهذا من قبيل عدم الإلمام برسالة الإعلام وقيمتها في النهوض بالمجتمعات .

   الإعلام رسالة توجب على صانع المحتوى ومقدمة أن يظل دائمًا وأبدًا قائمًا على الأخذ بواجباتها من خلال الإطلاع والقراءة الدائمين في مختلف صنوف الفكر الإنساني ، وشتى العلوم ، والغوص عميقًا في فهم وتحليل كل الموضوعات ، وعقد المقارنات بقراءة جميع الآراء .

   الإعلام كرسالة ينشد في من يعمل بها أن يكون مُـتوقد الفِـكر ، ماهر في أطروحاته ، ذكي في التناول بمهنية قائمة على العلم والثقافة التي تمكنه من الإبحار والتنقل بين الحدث وربطه تاريخيًا بروافده وجذوره ، والوصول بالمحتوى الذي يقدمه للمواطن بأن يصله بما ينفعه ويُـثرى فكره وعقله ووجدانه ، وليس العكس .

هذه هي أمانة الإعلام كرسالة وصناعة وهذه هي الأُسس التىي يقوم عليها صناعة المحتوى الإعلامي الهادف والراقي .

   ولقد أرست الدولة المصرية المعايير والضوابط اللازمة لضبط صناعة المحتوى الإعلامي ورصد المشهد الإعلامي ، فقد وضع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لائحة للضوابط والمعايير الإعلامية الصادرة بالقرار رقم ٦٢ لسنة ٢٠١٩ والتي نشرت بالجريدة الرسمية فى يوم الخميس الموافق ٥ سبتمبر ٢٠١٩ ، ليبدأ تطبيقها على جميع المؤسسات الخاضعة الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الصحافة والإعلام ، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الصادر بالقانون رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ ، وهي المؤسسات الصحفية القومية ، والمؤسسات الإعلامية ، والمؤسسات الإعلامية العامة ، ووسائل الإعلام ، والوسائل الإعلامية العامة ، والمواقع الإلكترونية والصحفية ، وتهدف لضمان التزام المؤسسات الصحفية والإعلامية بأصول المهنة وأخلاقياتها والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بمحتواها ، والقواعد والمعايير الضابطة للأداء الصحفي والإعلامي والإعلاني والأعراف المكتوبة .

   وتنص اللائحة على التزام المؤسسات الصحفية والإعلامية ووسائل الإعلام والصحف والمواقع الإلكترونية بعدم تقديم أي معلومات إلا بعد التأكد من دقتها مراعية في ذلك التزام الصحفي أو الإعلامي بعدم إخفاء جزء منها أو تشويهها، كما تلتزم بألا يقيم الصحفي أو الإعلامي تقارير على معلومات منقولة من مؤسسة صحفية أو وسيلة إعلامية أو موقع إلكتروني آخر أو مواقع التواصل الاجتماعي قبل التأكد من صحة هذه المعلومات بنفسه ، وبشرط أن يقوم بإسناد هذه المعلومات إلى الجهات الصادرة عنها .

   كما تنص اللائحة على الالتزام بالتوازن عند عرض الآراء المختلفة ، ومراعاة الاستقلالية عن جماعات المصالح وجماعات الضغط ، وعدم تقديم محتوى من شأنه الإضرار بالمصلحة العامة للمجتمع أو مؤسساته ، أو من شأنه الإساءة للمعتقدات الدينية للمجتمع أو التحريض على العنف أو التمييز أو الكراهية أو التعصب ، أو من شأنه الإضرار بالنسيج الوطني أو إحباط المتلقي أو إشاعة الذعر .

   وتلزم اللائحة المؤسسات الصحفية والإعلامية ووسائل الإعلام والصحف والمواقع الإلكترونية بين الصحافة والإعلام وبين الإعلان، واحترام المحتوى للغة العربية الفصحى ، وعدم بث مواد إعلانية تسيء لأخلاقيات المجتمع أو تستغل الطفل أو المرأة بصورة تسيء إليهم أو تسيء المنافسين ، وعدم انتهاج أسلوب الإيحاءات المسيئة أو الألفاظ المتدنية ، وعدم إهانة الأشخاص ذوي الإعاقة .

   كما تنص على الالتزام بعدم البث أو إعادة البث من خارج المناطق الإعلامية المعتمدة إلا بتصريح كتابي من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ، وكذلك عدم تأجير أو نقل ملكية أو التنازل أو الإنتاج المشترك أو الإهداء لأي مساحة للبث داخل الوسيلة الإعلامية الرخصة إلى الغير إلا بتصريح كتابي من الأعلى للإعلام .

وفيما يتعلق بالأعراف المكتوبة أو الأكواد فقد جاءت على النحو الآتي: ـ

١ـ فقد تضمن كود حماية القيم والأخلاق والإلتزام بمبادئ وتقاليد المجتمع ويضم ٧ معايير وهي إلتزام القائمين بالعمل الصحفي والإعلامي بالحفاظ على قِـيم ومبادىء وتقاليد المجتمع، وعدم الخوض في الأعراض، وعدم الإساءة إلى الآخرين وإحترام الرأي الآخر، وعدم التحقير من الأشخاص أو المؤسسات، والحفاظ على النظام العام والآداب العامة، وتجنب ما يدعو إلى الإباحية أو يحض على الفسق أو الفجور، وإبراز أهمية القِـيم والأخلاق ودورهما في حماية المجتمع .

٢ـ وقد جاء كود المحتوى الديني ليؤكد على ضرورة إحترام الأديان السماوية وتعاليمها، وإبراز القيم الإنسانية وسماحة الأديان، وأن يكون النقاش الديني جاداً وهادفاً وينبذ العنف والتطرف وإثارة الفتن، وكذلك عدم استضافة شخصيات غير مؤهلة للحديث في الأمور الدينية أو الإفتاء فيها .

٣ـ كما تضمن كود تغطية الحوادث الإرهابية والعمليات الحربية ٥ معايير وهي عدم بث أو نشر أو إذاعة خطوط سير العمليات أو التمركزات أو الخطط الأمنية أو العسكرية، والتقيد بالبيانات الرسمية فيما يتعلق بأعداد الشهداء والمصابين والنتائج الخاصة بالعمليات، وعدم نشر المواد الدعائية للتنظيمات الإرهابية أو بياناتها، وعدم إبداء أية آراء أو معلومات تؤدي إلى النيل من تماسك الشعب المصري أو روحه المعنوية، أو تنال من الروح المعنوية للقوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية المصرية، على أن يستوي في هذا الالتزام الإعلاميون أنفسهم أو الضيوف بالوسيلة الإعلامية .

٤ـ وتضمن كود التعامل مع قضايا المرأة على ١٣ معيار وهي تقديم تغطية متنوعة لأخبار المرأة وقضاياها ومناقشاتها بطريقة مُنصفة وعادلة، والتغطية المتوازنة لجرائم العنف ضد المرأة من أجل تجنب التضليل والمبالغة، والحرص على إدراج آراء المرأة وتعليقاتها في القضايا والأحداث المختلفة، وعدم بث ما من شأنه الكشف عن هوية النساء أو الفتيات المتضررات من وقائع الإعتداء دون موافقة كتابية واضحة من الضحية ذاتها أو من أحد أفراد أسرتها، وتشجيع إنتاج مسلسلات عن الدور الوطني والإجتماعي والتاريخي للمرأة المصرية، والإهتمام بتقديم الإنجازات الإيجابية وقصص النجاح للمرأة بدلا من تقديمها كسلعة سلبية ضعيفة إستغلالية تنقصها الخبرة، وتغيير الصورة النمطية لربة المنزل وغير المتزوجة والمُطلقة، وعدم إختزال المرأة في استخدامها كأداة جنسية جاذبة للمشاهدين في الإعلانات .

٥ـ فيما جاء كود ضمان حماية مقتضيات الأمن القومي والاقتصاد القومي ليؤكد على عدم إثارة المواطنين أو تحريضهم على ما يهدد الأمن القومي للبلاد، وعدم التحريض على مخالفة الدستور والقانون، وعدم نشر أية بيانات أو إحصائيات مجهولة المصدر تتناول الوضع الاقتصادي بصورة تضر بالإقتصاد القومي، وكذلك عدم الإضرار بالمصالح الخارجية للوطن وعدم التحريض على التدخل في شئونه أو الإساءة للعلاقات الخارجية له .

٦ـ وأورد كود الأعمال الدرامية والإعلانية ويضم ١٩ معياراً وهي الإلتزام بالأخلاق والآداب العامة، وعدم اللجوء إلى الألفاظ البذيئة وفحش القول والحوارات المتدنية والسوقية التي تشوه الميراث القِـيَّمي والأخلاقي والسلوكي، والتوقف عن تمجيد الجريمة بإصطناع أبطال وهميين يجسدون أسوأ ما في الظواهر الاجتماعية السلبية، وضرورة خلو الأعمال الدرامية والإعلانية من العنف غير المُـبرر والحض على الكراهية والتمييز وتحقير الإنسان، وتجنب مشاهد التدخين وتعاطي المخدرات التي تحمل إغراءات للنشء وصغار السن والمراهقين، وإفساح المجال لمعالجة الموضوعات المرتبطة بالدور المجيد والشجاعه الذي يقوم به رجال المؤسسة العسكرية ورجال الشرطة في الدفاع عن الوطن، وكذلك إفساح المجال للدراما التاريخية والدينية والسير الشعبية للأبطال الوطنيين وذلك بهدف تعميق مشاعر الإنتماء وتنمية الوعي القومي .

٧_ وفيما يخص تربية النشأ فقد جاء الكود الخاص بالمحتوى المقدم للطفل ليضم ٦ معايير فتضمن الحرص على تقديم القِـيم والفضائل التي يجب تمنيتها في الأطفال، وأن تكون البرامج المقدمة للأطفال قائمة على أساس المساعدة على تحقيق انتمائهم لوطنهم وحضارتهم، والتوازن بين موضوعات الخيال المقدمة وموضوعات الواقع، وعدم الإعتماد بصورة أساسية على البرامج الأجنبية لما تحتويه من ثقافات وسلوكيات تخالف العادات والتقاليد المصرية .

٨_ كما نص كود الصحافة والإعلام الرياضي على ١٧ معياراً وهي الحفاظ على حيوية الأحداث الرياضية وإثارتها ومتعتها التي تحفظ للرياضة مكانتها، ونشر وتدعيم القيم الرياضية الإيجابية التي تضع روح المنافسة في خدمة التنمية الصحيحة للعلاقات الإنسانية، وعدم الإساءة إلى الفـِرق والمنتخبات الرياضية المحلية أو تلك التي تنتمي إلى دول أخرى من حيث الشكل أو اللون أو نوع الجنس أو الثقافة، وعدم استخدام المنافسات الرياضية في ما من شأنه التأثير السلبي على الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو تحقيق الاستقرار في المجتمع، وعدم إفتعال المشاكل والتراشق اللفظي مع أطراف أخرى، وعدم التعرض للحياة الشخصية للرموز الرياضية، واحترام مشاعر الأطراف المنافسة من اللاعبين والجماهير والإداريين والعمل على تهدئة المشاعر الغاضبة لديهم .

   ولائحة الضوابط والمعايير بهذه المثابة تُـرسى القواعد المهنية المُلزمة للوسائل الإعلامية والقائمين على تقديم المحتوي الإعلامى من الإعلاميين .

  كما أن المُشرع نص على المسؤولية القانونية فى القانون رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ الخاص بالمجلس فقد أورد فى مادته رقم ٥٦ على أن تُعين الوسيلة الإعلامية مديرًا لبرامج القناة المرئية أو المسموعة أو الإلكترونية يكون مسؤولًا عن المحتوى، ويشترط فيه أن يكون مصريًّا مقيدًا في جدول المشتغلين بنقابة الإعلاميين أو الصحفيين، وألا يكون قد صدر ضده حكم في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رُد إليه اعتباره، وألا يكون ممنوعًا من مباشرة حقوقه السياسية، كما نصت المادة ٥٧ على أن تُعين الوسيلة الإعلامية مسؤولًا عن البث يشترط أن يكون متفرغًا لعمله، وأن يتمتع بالأهلية القانونية .

   كما نص المُشرع على مسئولية الوسيلة الإعلامية والمواقع الإلكترونية، وفقا للمادة ٥٨ من القانون بالوسيلة الإعلامية مسئولة عن أي خطأ في ممارسة نشاطها، وكذا عن مخالفة القِـيم أو المعايير المهنية التي يضعها المجلس الأعلى .

   ويحق للمجلس إحالة المخالفة للنائب العام أو التحقيق فيها أو الاكتفاء بالجزاءات الواردة فى لائحة الجزاءات،

   كما أن المُشرع فى قانون تنظيم الإعلام أناط بالمجلس أنه يحق له في حالة ارتكاب أي صفحة شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي جريمة التحريض على العنف أو الحض على الكراهية أو العنصرية أو مناهضة متطلبات الأمن القومي أو نشر الأخبار الكاذبة ، اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية المجتمع ، وأنه يجوز له أن يحيل الأمر إلى النيابة العامة بحيث يخضع مرتكب الجريمة لقانون العقوبات والذي يتضمن الحبس الوجوبىي في مثل هذه الجرائم .

   كما يحق للمجلس الأعلى للإعلام بعد إجراء التحقيق اللازم اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في لائحة الجزاءات، ومن بينها أن يأمر بحجب الصفحة أو توقيع غرامات مالية على أصحابها قد تصل إلى نصف مليون جنيه ، و الحجب قد يكون جزئيًا أو نهائيًا ، كما أن المجلس وطبقًا لسلطاته قد يلزم المخطئ بالاعتذار لمن أساء إليه وإذا كان شخصية عامة يجوز للمجلس أن يمنع نشر اسمه وصورته في أي وسيلة إعلامية .

أضف إلى ذلك أن هناك قوانين وقرارات نافذه في مصر تُنظم عمل الإعلام الخاص والفضائيات منها قانون ضمانات وحوافز الإستثمار رقم ٨ لسنة ١٩٩٧ وتعديلاته اللاحقة ، وكذلك قرار وزير الإقتصاد رقم ٤٥٦ لسنة ١٩٩٦ بشأن إنشاء الشركه المصريه للأقمار الصناعيه “نايل سات” وقرار السيد رئيس مجلس الوزراء عام ٢٠٠٠ بإنشاء المنطقه الحره الإعلامية وقانون نقابة الإعلاميين رقم ٩٣ لسنة ٢٠١٦ .

   وكذلك ميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني، الذي أعدته نقابة الإعلاميين وفقا لأحكام القانون ٩٣ لسنة ٢٠١٦ وهذه القوانين ومن قبلها قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ جميعهم يُلزم جميع الإعلاميين، والوسائل الإعلامية بالعمل وفقاً ما حوته نصوص هذه القوانين والقرارات واللوائح …. وبموجب هذه القوانين يحق لوزارة الدولة للإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الاعلام ولنقابة الإعلاميين بوصفهم المسئولين عن ضبط المشهد الإعلامى اتخاذ ما يلزم من اجراءات لوقف أي تجاوز يُلحق ضرر بالمجتمع سواء كانت المادة الإعلامية تبث من الداخل أو من الخارج .

   كما أن مجلس إدارة المنطقة الإعلامية الحرة له ضوابط أيضًا تحكم نشاط القنوات الفضائية و سير العملية الإعلامية فيما يخص بث المحتوى ، حيث تقرر تلك الضوابط وجوب الإلتزام بالموضوعيه ، إحترام خصوصية الأفراد ، عدم نشر أو إذاعة الوقائع مشوهه أو مبتورة … أما فيما يخص الفضائيات التي تبث من الدول العربيه فيحكم عملها ميثاق الشرف الإعلامى العربى ووثيقة مبادىء تنظيم البث والإستقبال الفضائى والإذاعى والتلفزيونى في المنطقه العربيه المعتمدان من مجلس وزراء الإعلام العرب بموجب قراره رقم ( ق / ٢٩٤_ د .ع /٤٠ _ ٢٠٧٢٠٩٧ ) واللذان يتم تطبيقهما على المنطقة الحرة الإعلامية حيث ينص الميثاق فى مادته الثامنة على وجوب الإلتزام بالموضوعية والأمانة وفى المادة السادسة على الصدق وتحرى الدقه وفى المادة الحادية العشرون بالإلتزام بالقيم الدينية والأخلاقية بالمجتمع العربى …كما تنص البنود من الرابع وحتى التاسع من الوثيقة على أمور عده تكفـُل حماية المُـشاهد من الإسفاف وعدم التأثير سلباً على السِلم الإجتماعى والوحدةِ الوطنية والنظام العام والآداب العامة والإلتزام بأخلاقيات مهنة الإعلام واحترام كرامة الإنسان وحقوق الآخر فى كل الأشكال فى محتويات البرامج والخدمات المعروضه ومراعاة أسلوب الحوار وآدابه وقد تضمن البند الثانى عشر من الوثيقة انه متى رصدت السلطات المُختصة بالدولة العضو التى مُـنحت الترخيص أو تم إبلاغها بأية مخالفه لأحكام القانون الداخلى أو الأحكام الوارده بالوثيقة فإنه يحق لها سحب ترخيص المُخالف أو عدم تجديده او إيقافه للمدة التى تراها مناسبة

   كمان أن هناك نقابة الإعلاميين وهي كيان و شريك فاعل فى مراقبة المحتوى الإعلامي ورصد المشهد الإعلامى وعمل الإعلاميين والتى منوط إليها التحقق من تطبيق المعايير المهنية المنصوص عليها في ميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني اللذين يوضحان الحقوق والواجبات للإعلاميين أعضائها ولها حق التحقيق فى كافة الشكاوى التى ترد إليها فيما يخص أي محتوى مخالف لميثاق الشرف المهنى ومدونة السلوك بل ولها حق سحب ترخيص مباشرة المهنة للإعلامى أو وقفه متى نُـسبت إليها مخالفات تـُوجب إتخاذ مثل هذه القرار بعد إجراء التحقيقات طبقاً للائحة النقابة كما لها أن تحيل ما يرد إليها من شكاوي إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لإتخاذ القرارات اللازمه وفقا للقانون .

   وبمطالعة هذه اللائحة وكل هذه القوانين والقرارات المنظمة لعمل ودور الإعلام وواجبات الإعلاميين وما حوته من معايير لضبط المشهد الإعلامي فإنه تُلقي بمسئولية كبيرة على القائمين على الرقابة والمتابعة للقيام بدورهم وتفعيل القانون حال الخروج عن المعايير والضوابط اللازمة لضبط صناعة المُحتوى الإعلامي لدى كافة المؤسسات الصحفية القومية والمؤسسات الإعلامية والمؤسسات الإعلامية العامة ووسائل الإعلام والوسائل الإعلامية العامة والمواقع الإلكترونية والصحفية .

   ومن ناحية أخرى فما حوته هذه اللائحة فإنها تضع القائمين على صناعة وتقديم المحتوي الإعلامي أمام مسئولية كبيرة أمام الله وأمام وطنهم ومجتمعهم ، وأقول لهم يقول الحق سبحانه وتعالي : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ، ويقول الله تعالى { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } أي : تختبر سرائر الصدور، ويظهر ما كان في القلوب من خير و شر على صفحات الوجوه ، قال تعالى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } .

إلى السادة الإعلاميين في مصر أنتم في بلد اختصه الله بمواهب ومِنن كثيرة من بين كل المعمورة ، وأهل مصر الذين تحدث عنهم الحبيب الأعظم سَيًِد الأكوان ﷺ في حديثه : “إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندًا كثيفًا فذلك الجند خير أجناد الأرض، قال أبو بكر لمَ يا رسول الله؟ قال لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة ” .

أيها السادة الإعلاميين أنتم تحملون أمانة أمام الله وأمام وطنكم وأمام مجتمعكم ، أمانة الخطاب والمحتوى الذي تقدمونه لأهلكم في مصر ، واعلموا إننا جميعًا راجعون إلى الله ، واقفون بين يدية سبحانه وتعالى وسيسألنا عما قدمت أيدينا … نحن نضع بين يديكم وفي عقولكم وقلوبكم ونحتكم إلى ضمائركم في المحافظة على مصر التى هي البقعة المباركة من فازت بدعاء الأنبياء لها وزيارتهم لها ومنهم من عاش على أرضها حينًا من الدهر ، مصر التى هي قُران يُتعبد به وذكرها جالب للحسنات ومن على أرضها وتحت سمائها وفوق بحرها آمن بوعد الله { ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} .

نريد منكم أيها السادة الإعلاميين خطابً تثقيفي خطابًا ينهض بالمجتمع والدولة لا خطابًا يثير المشاحنات والفُرقة .

   على السادة الإعلاميين أن يدركوا أن العمل الإعلامي هو ثقافة وعِلم ، وهو رسالة ثقافية ودينية وروحية ووجدانية وتعليمية واقتصادية وسياسية هدفها الأسمى وغايتها الرقي بالمجتمعات ، نريد من الإعلاميين خطاب ومحتوى إعلامى هادف يكون حصن منيع لبيوتنا وأولادنا في التصدي لهجمات الغزو الفكري الغريب عن تقافتنا وثوابتنا ومعتقداتنا .

وفي نهاية حديثى أذكركم بقول الله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى