قراءة في المشهد الحالي

ماهر الحريري
في جو ملتهب مشحون، أشبه بأيام صيف تشتد حرارته، بين كتابات لمؤيد ومعارض، ووسط دعوات لاجتماعات ووقفات، أقرأ وأتابع كل ما يكتب عن تعديلات لقانون المحاماة. ففي مفاجأة للبعض غير متوقعة، يتم الإعلان عن مناقشة هذه التعديلات من قبل مجلس النواب. وبمجرد الإعلان، فقد البعض توازنه، واختل فيهم التفكير. ولا عجب، فمنهم من أكد سلفا الإرجاء للدور التشريعي2020، ومنهم من راهن على عدم صدوره، فأتت رياحهم بما لا تشتهي السفن، وراح كل منهم يعبر عن صدمته، واصفا ما يجول بخاطره. فمنهم من كتب، وكانت كتاباته معبرة عن فقر أدب، وأخرى كانت نتيجتها الجهل بمواد الدستور، وربما بنصوص قانون المحاماة، ولم يكن ذلك على الكثير منهم بغريب. وعلى صفحات التواصل، كثرت الشائعات، واختلطت الحقيقة بالوهم. وبغير أدب، تطاول البعض حتى وصلت به الحال لانتهاك حرمة الحياة الخاصة لرموز تعتلي قمة الهرم التمثيلي لنقابة المحامين، وكل عن بيئته يعبر. وراح الجميع بكل الطرق يعرقل، وتعلن اللجنة التشريعية بمجلس النواب عن تأجيل المناقشة لأجل معلوم، فهلل بعضهم فرحا، ظنا منهم أنهم بذلك حققوا نجاحات وانتصارات، لكنها ضوابط تحكمها اللائحة الداخلية لمجلس النواب، كما أعلن رئيس اللجنة التشريعية، ولا دخل للمحامين بها.
ويزداد الأمر سوءا، فبدأت دعوات المعرقلين لاجتماعات ووقفات، ونحن لذلك نترقب ونتابع. فللوقفات مغزى ومعان، وظننت وبحق أن شارعي عبدالخالق ثروت، و26 يوليو بهما الحركة ستشل.
وكانت وبحق المفاجأة، أفراد معدودون لا يكاد على أصابع اليد يعدون، يجمعون بين صفوفهم من هو بالفعل للمهنة يزاول، وحملة التعليم المفضوح، وقلة من غير المشتغلين التي ربما طالتهم ضوابط التقنية.
وجاء المشهد في مجمله مخزيا مفرحا. فلأصحاب الدعوة كانت الأولى، وللأغلبية من المحامين كانت الثانية، في رسالة واضحة تؤكد لهم “واقعكم مر”.
فكان الواقع لهم أشبه بأوان فارغة على صفحات التواصل، لا تحدث إلا ضجيجا. وما كان وجود حملة التعليم المفضوح، وكلهم فاقدون لصفة المحامى، إلا ذريعة للاحتكاك، وزرع الفتن، لولا أن تدارك عاشور هذا الأمر، وكأنه يقول لهم ولمن وراءهم غير مبال: “افعلوا ماتشاءون، ستبقى إرادة الأغلبية هي الأقوى”. وما يثار على صفحات التواصل ما كان لكم إلا خداعا، وهكذا ستكون صناديق الانتخابات. وعجبت لكل من نصّب نفسه على زملائه وصيا، وحمدت الله على أنه ليس من بينهم من أعلن نفسه لنا وليا طبيعيا.
فلو أتعبوا أنفسهم بمراجعة مواد الدستور، أو نصوص قانون المحاماة، لأراحوا أنفسهم وغيرهم. فما جاء بنص المادة 77 من الدستور بات واضحا جليا بشأن النقابات المهنية، وبالطبع منها نقابة المحامين في جملتها الأخيرة “ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المتعلقة بها”، وهذا الأمر يقصد به، تشريعا وتفسيرا، مجلس إدارتها، بحسبانه الممثل القانوني لنقابة المحامين، وليس جمعيتها العمومية. فمنه وحده، تقدم مشروعات القوانين. ونسوا، طبقا لنصوص قانون المحاماة، أن نقابة المحامين يمثلها نقيب، هو متحدثها الرسمي.. هذا هو واقعنا، وتلك هي قراءتنا.
وبالأخير دمتم. وتابعونا في مقالنا القادم.. فقراء الأدب.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى