عاشور والمحاكمة

حسام داغر المحامي بالنقض

حينما تكون محاكمة المسئول المعني بالحفاظ على كيان نقابي، لا نبالغ إن زعمنا أنه من أكبر الكيانات النقابية والمؤسسية المؤثرة في منظومة الدولة، وبالأخص منظومة العدالة والقضاء، فإن العبث بمنظومة نقابة المحامين له تأثير مباشر ووثيق الصلة بالتأثير السلبي أو الأيجابي في أهم مؤسسات الدولة المعنية بالقضاء وإرساء قواعد العدل والعدالة.
حينما أرادت الدولة في أحد قطاعاتها التعليمية أن تفتح مجالا استثماريا، أفسحت المجال لنظام تعليمي اُطلق عليه التعليم المفتوح، ولكن لم تكن ضوابط التعليم ومفهومه، والأثر المترتب على هذا التعليم في الحسبان أن يحدث أرمة في ظل عزوف الدولة، وبعض مؤسساتها السيادية أن تتقبل ما وضعت اسسه في قبول من سبق أن أتاحت لهم التعليم الموجه مقابل جعل من المال في مؤسساتها، ونجدها ترفض اتاحة إنشاء مراكز قانونية جديدة لهم من خلال التقدم بمثل هذه الشهادات التي حصلوا عليها الى بعض تلك الجهات. وعلي سبيل المثال لا الحصر، التقدم إلى النيابة العامة أو الهيئات الشرطية، أو المؤسسات العسكرية، واكتفت بتعديل الكادر الوظيفي لمن هم معينون بالفعل من أصحاب المؤهلات المتوسطة – الدبلومات بأنواعها، كل في مجال وظيفته، وفي ضوء ما حصل عليه من مؤهل نراه مؤهلا مهنيا، لا مؤهلا دراسياً .
ثم ما لبثت الدولة ذاتها أن ألغت هذا النظام من التعليم بعد أن تيقنت من فشله، وعدم جدواه مما سبب أرمة لمن حصلوا سابقا علي تلك المؤهلات .
وبدأ الصدام حال قيام الخريجين من غير أصحاب الوظائف العمومية الالتحاق بكيانات نقابية مثل الصحفيين، والاعلاميين والمحامين، حيث رأت كل نقابة من تلك النقابات أن في قبولهم افتئاتا على من حصلوا على مؤهلاتهم العلمية بالطريق الطبيعي والقنوات الطبيعية والشرعية المؤهلة لهم، كل في مجاله، مرورا بمراحل التعليم، ومكاتب تنسيق دخول الجامعات انتهاء بحصولهم على مؤهل دراسي معتمد دراسيا ومهنيا بنظام دراسي جامعي، هو بالفعل المعبر الحقيقي عن طبيعة المؤهل الحاصل عليه الدارس نافذا في حق مؤسسات الدولة دون حاجة الى تفسير أو تأويل .

وعودة إلى نقابة المحامين بالخصوص، وهي ما صدر بحق نقيبها حكم معيب مطعون عليه استئنافيا لخطأ في تطبيق القانون، ودون التطرق إلى طبيعة ومفهوم الخطأ القانوني، ومسلك الدفاع إلى المحكمة في هذا الشأن بإيضاح مواطن العوار في الحكم الطعين، والصادر بحق نقيب المحامين، مؤسسا على مادة من المواد المتعلقة بالبلطجة.
وبالرغم من كون جلسة الاستئناف المحددة لنظر الطعن على الحكم الصادر بحق النقيب هي مما يجوز الحضور فيها بتوكيل، فقد آثر النقيب أن يحضر بشخصه تلك الجلسة. وهذا إن دل، فإنما يدل على إيمان عاشور بسلامه موقفه، وأنه في موقفه من عدم قيد أصحاب المؤهلات المتوسطة والدبلومات مما حصلوا على مؤهل مهني تحت مسمى ليسانس الحقوق، فهو لا يدافع عن نقابة المحامين فحسب، بل يدافع عن كيان العدالة والقضاء الذي يمثل جناحا من تلك الاجنحة، والشريك، بل والقاسم المشترك في تلك المنظومة مع نقابة المحامين.
فرؤيه النقيب والمجلس كانت رؤية واضحة للعيان، وللقاصي والداني، أن في قيد أصحاب تلك المؤهلات إهدارا لحقوق اولى بالرعاية والحماية بصفة عامة، وهو من حصل على الليسانس بالشكل والنهج الطبيعي، والمتعارف عليه، والذي ليس فيه جدال أو لبس، أو لغط، وبصفة خاصة شركاء منظومة العدالة الذين يشرفون بالمثول دفاعا عن الحقوق والمظالم على تباين مواقفها أمام الهيئات القضائية، والتعامل مع الجهات التنفيذية للدولة، وضمانة ذلك تكمن في الاستيثاق من شرعية ومشروعية المؤهل الذي بمقتضاه يحصل الخريج على الحق في القيد ضمن تلك الجداول، وهي جداول نقابة المحامين .
من أجل هذا، فإن تحمل النقيب سامح عاشور لمثل هذا الأمر وحده وعلى عاتقه في معركة قانونية، وإيمانا منه بصحة ومشروعية موقفه، فقد أعلن أنه سيتولى الدفاع بنفسه، وليس عن نفسه، ولكنه الدفاع عن منظومة العدالة كاملة بشقيها، القضاء الذي نجله ونحترمه ونوقره، ونقابة المحامين، الشقيق التوأم لتلك المنظومة .
من أجل هذا، وحينما أعلن المحامون عن احتشادهم وتضامنهم مع نقيب المحامين، على اختلاف التوجهات وتباينها، كان الدافع هو الحفاظ على الكيان وشرعيته ومشروعيته، وضمان استقرار منظومة العداله بجناحيها .
لم يتبق سوى أيام تفصلنا عن هذه المحاكمة التي ستكتب في سجلات وتاريخ منظومة العدالة، وليس نقابة المحامين فحسب، هي قضية القرن النقابية، فلم يسبقها حدث مماثل في سابقة أولى، ونامل في أن تنتهي إلى تحقيق الاستقرار الكامل لتلك المنظومة ترسيخا لمبدأين، اولهما استقرار العدالة والقضاء مع شريكتها الدستورية والشرعية، نقابة المحامين، وثانيهما أن النقابة هي سيدة جدولها من أجل الحفاظ على الكيان القانوني .
كلمه أخيرة :
سامح عاشور قد كُتب عليك قدرا أن تتحمل ما تتحمله الآن، وتواجه ما تواجهه، وعهدنا بك المواجهة، وهأنت تواجه بشرف وقدمين ثابتتين مصيرا لا يعلمه إلا الله من أجل الدفاع عما آمنت به، منذ كنت طالبا، وحتى أصبحت نقيبا للمحامين، أعانك الله على أن تتحمل ما كُلفت به، ودافعت عنه، واعلم أننا معك وعلى قلب رجل واحد، نواجه ما تواجهه من أقدار كتبت عليك وعلينا.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى