أزمة الحكم والزعامة السياسية (17)

من تراب الطريق ( 1287 )

نشر بجريدة المال الخميس 24/3/2022

ـــــــــــــــــ

بقلم: الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين

       بدأت بولاية « بايزيد خان الأول » ـ خلفًا لمراد الأول ، بدأت سنة قتل الإخوة اتقاء منافستهم على السلطة ، فتوجس وحاشيته من شقيقه الأصغر « يعقوب » لا لبادرةٍ سيئةٍ منه ، وإنما لشجاعته وإقدامه وعلو همّته ، فخيف أن ينافس أخاه ، ولذلك تم « قتله » باتفاق مع الأمراء وقواد الجيش ، وقيل إن قتله كان بناءً على « فتوى شرعية » اتقاءً لحصول الفتنة !!!

     ولم تدم السلطة لبايزيد ، فأغار عليه المغول بقيادة تيمور لنك ، وانتهت المعارك الدامية بأسره ، وبقى أسيرًا إلى أن توفى فى الأسر ، وتجزأت الدولة من بعده إلى إمارات صغيرة دخلت فى صراعات وحروب حتى استقـرت السلطـة إلـى « محمد بن بايزيد» الذى أعلن نفسه خليفة حين بلغه خبر وفاة أبيه ، وليبدأ القتال بين الأخوة ، فقد نازعة أخوه « عيسى » ودخل معه فى عدة معارك تمكّن مـن قتله فى الأخيرة منها ، فانتدب أخاه « موسى » إلى أوروبا لمحاربة أخيهما « سليمان » ، حيث تمكن فى حملته الأخيرة من قتله سنة 1410م ، ولكن موسى لم يلبث أن طمع فى الحكم لنفسه ، ولكنه أخفق فى النهاية ،  ولم يرحمه أخوه « محمد بن بايزيد » ، وأمر بقتله سنة 1413م لينفرد بالملك بغير منازع !

      وامتدت أنهار الدماء التركية العثمانية إلى مصر ، مع غزو السلطان سليم الأول ، المسمى بالرهيب والقاطع ، والعابس ، تاسع سلاطين الدولة العثمانية ، للشام ثم مصر سنة 1517 م / 923 هـ .. حيث امتد حكمها فى مصر ـ تحت عنوان الخلافة ـ نيفًا وخمسة قرون سالت فيها الدماء أنهارًا فى مصر وباقى الأقاليم التى احتلها العثمانيون الأتراك ، مثلما أُريقت الدماء فى تركيا حيث رئاسة ورأس الدولة .

      ولم تكن الدماء التى أراقها سليم الأول فى مصر ، وشنقه لطومان باى انتقامًا لدوره الوطنى ، على باب زويلة .. لم تكن هذه الدماء هى بداية عهد سليم الأول الذى راق له لقب  « أمير المؤمنين » ـ لم تكن بداية عهده بالدماء ، فقد صاحبته هذه النزعة الدموية لإزاحة والده  « بايزيد الثانى » فقام ضده بانقلاب أوصله إلى عرش السلطة بدعم من الإنكشارية وخاقان القرم ، وترددت بين الروايات فى تفسير موت الأب ـ أن الابن ـ سليم الأول ـ قتله بالسم ، وهى رواية يحلو للإسلاميين طلاب الحكم بالخلافة ، أن يصفوها بأنها رواية مرجوحة ، بيد أن أحدًا لم يستطع إنكار أن سليم الأول « أمير المؤمنين » ـ قد بلغت به نزعته الدموية مطاردة إخوته وأبنائهم ، والقضاء عليهم واحدًا تلو الآخر ، حتى لم يبق له منازع فى الحكم  .

     إثر انقلاب سليم على أبيه ، أعلن أخوه « أحمد » العصيان ، ورفض الخضوع له ، وتولى حكم أنقره ـ فجرد سليم جيشًا لتعقبه وأرسل ابنه « علاء الدين » فاحتل مدينة بورصة فى يونيو 1512 م ، ولكن « علاء الدين » بعث إلى « مصطفى باشا » يخبره بعزمه على توطيد نفوذه وخلع أخيـه ، واعـدًا إياه بمنصب كبير إذ نقل إليه تحركـات سليـم ونواياه .

     وكان السلطان سليم وقد عقد العزم على القضاء على إخوته وأبنائهم ليصفو له الحكم ،  قد عين ابنه « سليمان » المسمى بالقانونى فيما بعد ، حاكمًا للقسطنطينية ، وخرج سليم بنفسه على رأس جيش إلى آسيا الصغرى ، فاقتفى أثر أخيه أحمد إلى أنقره ، الذى تمكن من الفرار منه إلى الجبال ، فقام سليم بقتل مصطفى باشا شر قتلة ، متهمًا إيّاه بأنه الذى نقل إلى أخيه خبر مقدمه ، ثم استدار على باقى إخوته وأبنائهم ، فقبض فى بورصة على خمسة من أولاد إخوته قتلهم جميعًا بما فيهم علاء الدين الذى كان قد أرسله إلى مدينة بورصة .

      ثم توجه سليم بسرعة إلى « صاروخان » مقر أخيه « قرقود » ، الذى فرّ منه إلى الجبال ، ولكنه تمكن من القبض عليه وقتله !

        استمر سليم الأول فى سياسة سابقيه فى إراقة الدماء ، بما فى ذلك قتل الإخوة الأطفال ، احترازًا من طلبهم السلطة .

عبدالعال فتحي

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى