الأمر الضمني بألا وجه لإقامة الدعوي وما تواترت عليه أحكام النقض

كتب: عبدالله رماح

 

من المعلوم أن القانون أعطي لسلطة التحقيق إصدار الأمر بألا وجه، لإقامة الدعوي إذا كانت الواقعة لا يعاقب عليها القانون، أو كانت الواقعة لم يكتمل لها العناصر القانونية الواجب توافرها في الجريمة؛ كانعدام الركن المعنوي، وانعدام رابطة السببية عن السلوك والنتيجة، أو انعدام القصد الجنائي مع عدم العقاب علي الفعل بوصف الخطأ غير العمدي، ففي جميع الأحوال التي لا يمكن العقاب علي الفعل فيها إما لانعدام النص أو لانعدام أحد أركان الجريمة تصدر سلطه التحقيق قرارها بعدم وجود وجه لإقامة الدعوي الجنائية.

كما أنه من المقرر أن الأمر بألاوجه لإقامة الدعوي  كسائر الأوامر القضائية والأحكام لا يؤخذ فيه بالاستنتاج أو الظن بل يجب بحسب الأصل أن يكون مدونًا بالكتابة وصريحاً بذات ألفاظه في أن من أصدره لم يجد من أوراق الدعوي وجها للسير فيها، ومن خلال ما سبق يتضح أنه إلزام سلطة التحقيق أن تصدر الأمر بالأوجه لإقامة الدعوي مكتوبا وصريحًا مدللاً بأسبابه سواء كانت موضوعية أو قانونية.

إلا أنه في السنوات الأخيرة ظهر يطفو علي الساحة وبشدة الأمر الضمني بألا وجه لإقامة الدعوي من خلال سلطات التحقيق والتي كثيرًا ما تري في بعض القضايا التي تقوم بالتحقيق فيها مع المتهم أن يتم استبعاده بعد التحقيق معه ورفع الدعوي الجنائية علي آخر ولا تبت صراحة في أمر المتهم سواء كان محبوسا علي ذمة القضية أو ممنوعا من السفر والتصرف في أمواله علي الرغم من استبعاده فيها.

وكثيرًا ما تقوم بتحرير مذكرة بالرأي تري فيها استبعاد من سبق حبسه مع إحالة غيره إلي محكمة الجنايات ومع تكرار ذلك الأمر كثيرًا أصبح مثار استياء قضاة النقض إذ مقتضاه بقاء المتهم رهن الحبس أو منعه من السفر أو التصرف في أمواله رغم عدم اتهامه أو عدم رفع الدعوي عليه، ولهذا درجوا علي أن مسلك النيابة العامة أو بالأحرى سلطه التحقيق برفع الدعوي علي متهم آخر غير من حقق معه ينطوي علي أمر ضمني بعدم إقامتها ضده ولو لم يصدر أمر صريح ومكتوب بذلك لأن ذلك يدل بحكم اللزوم العقلي والمنطقي واستبعاده من الاتهام مما يوجب إخلاء سبيله إن كان محبوسًا ورفع التحفظ علي الأموال وإلغاء المنع من السفر وبوجه العموم عدم جواز رفع الدعوي الجنائية ضده لما للأمر بالأوجه لإقامة الدعوي من حجية مانعة من اتهامه مرة أخري.

(طعن رقم 51387لسنه74جلسه 5 / 7 / 2012  )

( طعن رقم 42630لسنه4جلسه 7 / 6 / 2005 )

(طعن رقم 23607لسنه67جلسه 1 / 6 / 1999)

وبناء عليه تواتر قضاء النقض علي الأمر الضمني بالأوجه لإقامة الدعوي والذي يستنتج ضمنا من إجراء يفيد غض المحقق عن رفع الدعوي، وهذا ما قضت به محكمة جنايات القاهرة في محاكمة القرن بالنسبة للرئيس مبارك إذ رأت المحكمة أن سبق توجيه تهمة قتل المتظاهرين لمبارك ثم رفع الدعوي علي الضباط فقط ينطوي علي أمر ضمني بالأوجه لا يسوغ معه إعادة رفع الدعوي علي الرئيس الأسبق مبارك عن ذات التهمة أمام محكمة القرن.

غير أن محكمة النقض في بعض أحكامها الحديثة لم تراع هذا النظر بل نبذت ذلك الأمر ورأت أن هذا الأمر يجب أن يكون مكتوبا وصريحًا وفقاً لما نص عليه القانون وأوجبه حتي يمكن الاعتداد به وأن مجرد اتهام النيابة العامة لمتهم بعينه بارتكاب الجريمة لا يفيد حفظ الدعوي الجنائية للمتهم الآخر مادام النيابة لم تصدر أمرًا كتابيًا صريحًا بحفظها بالنسبة للآخر.

وقالت النقض في ذلك أنه لما كان الحكم قد عرض لدفع الطاعن الأول بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها لسبق صدور قرار ضمني من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوي الجنائية واطرحه في قوله.

فذلك أمر غير صحيح، فإن استبعاد الاتهام بالنسبة لبعض من تم التحقيق معه وتبين عدم وجود الأدلة الكافية لإحالته إلى محكمة الجنايات ليس مؤداه أنه صدر بذلك أمر من النيابة العامة بالأوجه ضمني بعدم إحالة من ثبت ضده الاتهام المسند إليه أو توافرت الأدلة الكافية لتقديمه للمحاكمة، ومن ثم لا مجال لإعمال هذا الدفع، وهذا الذي أورده الحكم يتفق وصحيح القانون وكاف وسائغ، ذلك أنه من المقرر أن الأمر بألا وجه_ كسائر الأوامر القضائية والأحكام لا يؤخذ فيه بالاستنتاج أو الظن بل يجب _بحسب الأصل _أن يكون مدونا بالكتابة وصريحًا بذات ألفاظه في أن من أصدره لم يجد من أوراق الدعوي وجها للسير فيها وإذن فمتى كانت النيابة العامة لم تصدر أمرًا كتابيًا صريحًا بحفظ الدعوي الجنائية بالنسبة الي متهم بل كان ما صدر عنها هو اتهام غيره بارتكاب الجريمة، فإن ذلك لا يفيد علي وجه القطع واللزوم حفظ الدعوي بالنسبة له بالمعني المفهوم في القانون

(طعن رقم 48600لسنه85 جلسة 21 / 12/ 2016 ).

إلا أن صدور مثل هذا الحكم يجعلنا في حيرة منه، وتضارب في الأحكام يجعل الأمر رغم أنه منصوص عليه بنصوص واضحة وصريحة إلا أنه يضع القرار بين يدي محكمة الموضوع تصدر فيه حكمها كما تري مما يكون فيه المتهم في حل من أمره لا يعرف ما سيلاقيه.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى