مواجهة حرب الشائعات بالقانون (٢-٣)

أسماء دياب
في ظل تصاعد حدة الشائعات والأخبار المفبركة، التي تعمل على إطلاقها جهات معادية للدولة المصرية، تستهدف تقويض أركان الدولة، كيف تواجه الدولة مروجي تلك الشائعات بتفعيل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، المعروف إعلامياً بقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، الذي من المنتظر إقرار اللائحة التنفيذية له خلال الأيام القليلة القادمة؟.
الجدير بالذكر أن القانون يتضمن نصوص مواد من شأنها ملاحقة مرتكبي هذه النوعية من الجرائم، وتوقيع العقاب الرادع بحقهم. فقد حددت المادتان الخامسة والسادسة جهة الضبط القضائي المختصة، وجهة التحقيق المختصة بالتحقيق في مثل هذه الجرائم. ونصت المادة السابعة من القانون نفسه على الإجراءات والقرارات الصادرة بشأن حجب المواقع، حيث تنص على: “لجهة التحقيق المختصة، متى قامت أدلة على قيام موقع يبث داخل الدولة أو خارجها بوضع أي عبارات، أو أرقام، أو صور، أو أفلام، أو أية مواد دعائية، أو ما في حكمها، مما يعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها بالقانون، وتشكل تهديداً للأمن القومي، أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر، أن تأمر بحجب الموقع أو المواقع محل البث، كلما أمكن تحقيق ذلك فنياً..”.
وبقراءة هذه المادة، نجد أن المشرع كان موفقاً في ورود عبارة “داخل الدولة أو خارجها”، حيث إن معظم الشائعات يتم إطلاقها من جهات خارجية، وبشكل ممنهج، ويتم إعادة تدويرها والترويج لها من قبل كتائب، تعمل على مدار اليوم، لبث الشعور بالإحباط العام، وزعزعة الثقة بين المواطن والدولة، وحث المواطنين على التخريب بزرع الشك في نفوس المواطنين تجاه المؤسسات السيادية في الدولة.
بالإضافة إلى ما سبق، نصت المادة (11) على: ” يكون للأدلة المستمدة أو المستخرجة من الأجهزة، أو المعدات، أو الوسائط، أو النظام المعلوماتي، أو برامج الحاسب، أو من أي وسيلة لتقنية المعلومات نفس قيمة وحجية الأدلة الجنائية المادية في الإثبات الجنائي، متى توافرت بها الشروط الفنية الواردة باللائحة التنفيذية”. ونلاحظ في نص المادة أنها لم توضح ما هي الشروط الفنية، ونحن ننتظر اللائحة التنفيذية للتوضيح، حتى تتم توعية المواطن بأهم نصوص هذا القانون، لكيلا يقع المواطن، عن جهل منه بالقانون، في ارتكاب أحد الأفعال، التي تشكل جريمة، وفقاً لهذا القانون.
كما تحدثت المواد من (34) إلى (37 ) عن الظروف المشددة للعقوبة، وتحدثت المادتان ( 38) و (39) عن العقوبات التبعية. فالمادة (38) تقضى بمصادرة الأدوات والأجهزة، التي استخدمت في ارتكاب الجريمة. وقصت المادة( 39) بعزل الموظف العام من وظيفته، إذا قضت المحكمة بإدانته لارتكابه جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون. كما قضت المادة ( 4٠) بعقوبة الشروع في ارتكاب الجريمة، ونصت المادة (٤١) على: ” يعفى من العقوبات، المقررة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، كل من بادر من الجناة أو الشركاء إلى إبلاغ السلطات القضائية، أو السلطات العامة، بما يعلمه عنها، قبل البدء في تنفيذ الجريمة، وقبل كشفها، ويجوز للمحكمة الإعفاء من العقوبة أو التخفيف منها، إذا حصل البلاغ بعد كشف الجريمة، وقبل التصرف في التحقيق فيها”. وهذه مادة تشجع من انزلق إلى الاشتراك في ارتكاب هذه الجرائم، أو غرر به أو خدع، على أن يبادر ويسرع في الإبلاغ، لكي يضمن أن يعفي من العقوبة.
وأقرت المادة (٤٢) جواز التصالح في جرائم تقنية المعلومات، والمجرمة في المواد من ١٥ إلى ٢٠، والمواد: ٢٤، و٢٧، و٢٩، و٣١، و٣٢ أمام النيابة العامة أو المحكمة. بذلك، يكون قد أخرجت المواد الخاصة بإثارة الشائعات، والتحريض على الفوضى، والعبث بأمن واستقرار الوطن من نطاق الجرائم التي يجوز التصالح فيها.
من جانب آخر، على كل الجهات تضافر الجهود وشحن الطاقات لمجابهة هذه الحرب الشرسة، عن طريق إعادة تشكيل وعى المواطن. فلا شك في أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع اللجوء إلى وسائل التثقيف التقليدية خلقا نوعا من السطحية الفكرية، والعجز عن القدرة على التحليل المنطقي للأقوال والمواقف لدى شريحة من المجتمع. من هنا، يأتي دور الإعلام الوطني الشريف، على الرغم من قلة القنوات الإخبارية المتخصصة، وضيق الوقت الذي يخصص للبرامج للرد على هذه الشائعات. في المقابل، تعمل الأبواق الإعلامية المعادية على مدار اليوم لاستهداف مؤسسات الدولة.
فعلى الإعلام الوطني ليس فقط الرد السريع على الشائعات، والقضاء عليها في مهدها، ولكن التسويق والدعم المستمر، والدائم، والتفصيلي لمشروعات وإنجازات الدولة، وعرض التحسن الذي حدث في جميع القطاعات الخدمية التي تقدم للمواطن، وتذكير المواطن الدائم بالحال الذي كنا عليه، وما وصلنا إليه الآن في كل المجالات، من بنية تحتية في قطاعي الكهرباء والغاز، بالإضافة إلى القضاء شبه الكامل على العشوائيات، وغيره الكثير. فلماذا لا نجيد تسويق الحق، بينما يجيد غيرنا التسويق للباطل؟.
ولا يفوتني هنا أن أشير إلي دور محامى مصر الشرفاء، فهذا دوركم لتكونوا حائط صد للدفاع عن أمن واستقرار الدولة المصرية بسرعة الإبلاغ عن الصفحات والمواقع التي تثير الفتن، وتبث سمومها بين المواطنين، فأنتم دائماً حصن مصر المنيع، عبر التاريخ، بالإضافة إلى توعية المواطنين، عبر صفحاتكم على وسائل التواصل، بالحفاظ على استقرار الدولة، وعدم المشاركة في إعادة تدوير الشائعات، والبعد عن مواطن الفتن.
أخيراً، أود أن أشير إلى جهود الجهات التنفيذية في رصد وتتبع الصفحات والمواقع التي تبث سموم الفتنة، وتوعية المواطن بآلية الإبلاغ عن هذه الصفحات. فالدولة لا تستطيع السيطرة على الفضاء السيبراني بشكل تام إلا بتعاون المواطنين. لذلك، يفضل الأخذ بمقترح أن بكون إنشاء الصفحات بالرقم القومي لضمان جدية المواقع، وإمكانية رصد النشاط الإجرامي من قبل بعض الصفحات بشكل أفضل. فهذه الحرب الشرسة، التي تديرها جهات معادية للدولة، سننجح بإذن الله في القضاء عليها بتضافر الجهود كافة.. حفظ الله بلادنا من كل سوء.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى