لقاح كورونا بين قيود الملكية الفكرية ومبدأ المنفعة العامة وصحة الشعوب

بقلم: سامح عبدالعال المحامي

في ظل أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد – كوفيد 19 – وإعلان منظمة الصحة العالمية عن تصنيفه وباء عالمي أو جائحة تحاول جميع الدول جاهدة إتخاذ كافة التدابير الإحترازية والوقائية التي يمكنها كبح جماح هذا الفيروس والحد من إنتشاره إلا أنه ومع تفاقم أعداد الإصابات والوفيات حول العالم بل وحدوث إخفاقات وإنهيارات في المنظومة الصحية لدى بعض الدول المتقدمة أصبح التركيز يدور حول سرعة الإنتهاء من التوصل الي لقاح معتمد يمكنه القضاء تماماً على هذا الفيروس، فهناك 7.5 مليار شخص في العالم ربما تحتاج غالبيتهم الي هذا اللقاح كما تستميت الحكومات من أجل إعادة فتح أسواقها وتحريك عجلة الاقتصاد ، لكن مع كل ذلك يطرح الوضع الحالي عدة تساؤلات هامة ومن بينها : هل سيكون للجميع حق تملك هذا اللقاح وإستخدامه بما في ذلك الدول النامية التي ليس لديها المال لشرائه وهل يمكن أن تحتكر الشركة المنتجة للقاح توزيعه وتسويقه وفرض سعر له وفق ما يناسبها وترفض إنتاجه في أي دول أو جهات إخرى ؟! .

في البداية نوضح أن الدور الرئيسي الذي تؤديه قواعد وأنظمة الملكية الفكرية وبراءة الإختراع هو توفير إطار محفز يتم فيه تشجيع الإبتكار وتزويده بمسار آمن عبر المراحل العديدة التي يمر بها بدءاً من مرحلة فكرة الاختراع ووصولا ًإلى المنتج التجاري أو الخدمة التجارية حيث تسعى أنظمة الملكية الفكرية إلى تحقيق التوازن بين مختلف المصالح المتنافسة التي تحيط بالإبتكار في مختلف المجالات والصناعات.

لا يخفى على الجميع إحتدام السباق بين شركات الأدوية والمعامل والمختبرات في محاولة إعتماد لقاح أمن لفيروس كوفيد 19 وتطور الأمر حسب التقارير الي وجود تجارب عملية تجرى الأن على بعض المرضى والمتطوعين ، وفي الوضع الإعتيادي تستثمر شركات الأدوية في بحوث العلاجات والأدوية الجديدة وتعمل على تطويرها وتضخ مبالغ ضخمة من أجل تحقيق ذلك ويمنح القانون الشركات عموماً، في حال نجاح أحد مشاريعها تلك، حق احتكار إنتاج الدواء الذي توصلت إليه عبر براءة اختراعٍ محدودة زمنياً كي تتمكن الشركات نظرياً من استرداد المال الذي أنفقته في البحث والتطوير، إضافة إلى تحقيق أرباح، ومثال ذلك ما أوردته وسائل الإعلام عن إنفاق الولايات المتحدة الأمريكية مئات الملايين من الدولارات منذ فبراير الماضي في تجارب لقاحات تجريبية تطورها مجموعات “جونسون أند جونسون” و”موديرنا” و”سانوفي” و”أكسفورد/أسترازينيكا”، أملاً في أن تثمر إحداها ويصنع بالتالي اللقاح في الولايات المتحدة.

  • القانون الدولي وإتفاقية الـ “تربس”:

في الحقيقة وفي ظل تلك الجائحة فإن ما نحياه اليوم ليس زمناً عادياً ولا يحتاج أحدٌ منا للتذكير بذلك، وعليه فإن المشرع الدولي أدرك سابقاً خطورة هذا الأمر وأورد إستثناءات على إمكانية التمسك بحقوق الملكية الفكرية وبراءة الإختراع في حال وجود وباء عالمي يهدد خطورة العالم ، فعند النظر الي إتفاقية الـ” تربس ” – وهي إتفاقية تتعلق  بالجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية  (TRIPS) اختصارا لـ(Agreement on Trade Related Aspects of Intellectual Property Rights)  تديرها منظمة التجارة العالمية (WTO) وتحدد المعايير الدنيا للقوانين المتعلقة بالعديد من أشكال الملكية الفكرية (IP) كما تنطبق على أعضاء منظمة التجارة العالمية – نجد أنها وبالرغم من كفالتها وحماية حقوق الملكية الفكرية وبراءة الإختراع لمدة عشرون عام إلا أنها وفي ذات الوقت نصت في المادة (31) منها على إمكانية السماح بإستخدام حقوق براءة الإختراع دون الحاجة الي موافقة صاحبها في حال وجود حالة طوارئ قومية أو أوضاع ملحة تستدعى هذا الإستخدام وبشرط أن يكون هذا الإستخدام لغير أغراض تجارية  وبشروط أخرى خاصة، وقال فرنسيس جورى، المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، إنه خلال حالات الطوارئ فإن الصحة والسلامة “تسبق كل شىء” ، وعليه فإن هذا الاتفاق يسمح بشكل أساسي خلال حالات الطوارئ بمنح الشركات “تراخيص إلزامية” لإنتاج منتج حاصل على براءة اختراع، فضلاً عن الحقوق الصحية المقررة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية .

  • المسؤولية الأخلاقية:

إن كانت منظمة الصحة العالمية قد تمكنت من فرض سلطتها كمرجع للصّحة حول العالم من خلال إدراج معظم دول العالم، الغنيّة والفقيرة، في اتفاقية عضويتها وفرضت سلطتها الأخلاقية بالإستناد على المعرفة والقدرة على استخدام الأدلة العلمية وعلى التفويض السياسي المعترف به في القانون الدولي إلا أن الواقع هو تغير هذا النظام بشكل كبير اليوم حيث تراجعت القوة الماليّة لمنظمة الصّحة العالميّة بعد تهديد البعض لها بوقف الدعم المالي، وتم تقويض سلطتها الأخلاقية وتحديداً من قِبَل الشركات الصحية العالمية وهيئات البحث والجامعات التي تتنافس على الموارد الماليّة للإستثمار في البحث والتطوير في مجال الصحة العالمية.

لذلك فإن الوسيلة الوحيدة لضمان العرض الكافي والتوزيع العادل للقاح تكمن في إزالة بعض الحواجز التي أوجدتها حقوق الملكية الفكرية وقوانين نقل التقنيات، فضلاً عن تشجيع المصنعين ومجموعات الأبحاث على العمل معاً لتحقيق الهدف المشترك، وبالفعل، أظهرت بعض شركات الأدوية شيئاً من الاستعداد لهذا الأمر، كشركة معهد سيروم في الهند، التي أعلنت أنها لن تحتفظ بحقوق الملكية الفكرية على ترشيحها للقاح كورونا، وشركتي GSK وسانوفي اللتين شكلتا شراكة غير مسبوقة لتوحيد مواردهما، فضلاً عن موافقة عدد من منتجي الأدوية لعدم تحقيق أرباح من لقاحات كوفيد-19. وهذا يؤذن بالخير بالنسبة إلى مبادرة الوصول إلى أدوات كورونا التي أطلقها زعماء دوليون ومنظمة الصحة العالمية لتسريع إنتاج لقاحات وعلاجات وتشخيصات جديدة لفيروس كوفيد-19، مع توزيعها بشكل عادل.

وعلى الصعيد الأخر من اللقاح فمن مبشرات جائحة كورونا على قضايا الملكية الفكرية هي قيام بعض الشركات التي تمتلك حقوق الملكية الفكرية لأجهزة التنفس الصناعي بالمبادرة من تلقاء نفسها والتنازل عنها طواعية للغير حيث سمحت للشركات الأخرى في العالم بإنتاجها بعد أن أظهرت أزمة كورونا ضعف الإمكانيات الصحية في الدول مهما كانت متقدمة، لذا يجب على الدول التي لا تتوفر لديها تلك التقنيات سرعة إستغلال تلك البراءات وتصنيع الأجهزة لديها.

 

 

 

  • جمهورية مصر العربية وقانون حماية الملكية الفكرية:

أخذ المشرع المصري وبصورة مفصلة بالنهج الدولي في شأن الحالات الإستثنائية التي يُمكن معها إستغلال براءات الإختراع دون الحاجة لموافقة صاحبها ” الترخيص الإلزامي ” حيث نصت المادة “23” من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 على أنه يمنح مكتب براءات الاختراع – وبعد موافقة لجنة وزارية تشكل بقرار من رئيس مجلس الوزراء – تراخيص إجبارية باستغلال الاختراع، وتحدد اللجنة الحقوق المالية لصاحب البراءة عند إصدار هذه التراخيص، ونذكر من تلك الحالات التالي بيانه:

  • أغراض المنفعة العامة غير التجارية:

ويعتبر من هذا القبيل أغراض المحافظة على الأمن القومى، والصحة وسلامة البيئة والغذاء.

  • مواجهة حالات الطوارئ أو ظروف الضرورة القصوى:

ويصدر الترخيص الإجبارى لمواجهة الحالات الواردة فى البندين “1”، “2” دون الحاجة لتفاوض مسبق مع صاحب البراءة، أو لانقضاء فترة من الزمن على التفاوض معه، أو لعرض شروط معقولة للحصول على موافقته بالاستغلال.

  • دعم الجهود الوطنية في القطاعات ذات الأهمية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية،

وذلك دون إخلال غير معقول بحقوق مالك البراءة، ومع مراعاة المصالح المشروعة للغير، ويلزم إخطار صاحب البراءة بقرار الترخيص الإجباري بصورة فورية في الحالات الواردة فى البندين “1”، “3” وفى أقرب فرصة معقولة تتيحها الحالات الواردة في البند “2” .

واستفادت مصر من تلك النصوص حينما إستطاعت إثبات إنتشار حالات فيروس “سي” لديها وقامت بحملة لمواجهته وتصنيع العلاج الخاص به محلياً، وهذا الذي جعل علاج فيروس “سى” في مصر رخيص مقارنة بسعره الحقيقي من الشركات التي تملكه والذي كان بمثابة أضعاف مضاعفة، وأيضاَ انتهجت العديد من الدول نفس النهج مثل دولة البرازيل في علاج الملاريا ودولة الهند في علاج السرطان بعقار “جلفيك”، ودولة جنوب أفريقيا في علاج الإيدز.

لذا نختتم ونقول أنه ربما يترك لنا وباء “كوفيد 19” إرثاً قوامه إعادة توازن بات مطلوباً بين الأرباح الخاصة والمصلحة العامة، إذا تعلق الأمر بأدوية تنقذ حياة البشر، أو تُطيل أعمارهم.

 

 

 

 

 

 

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى