احترام هيئة التحكيم لمبدأ جماعية الفصل في المنازعة التحكيمية

المستشار الدكتور/ معتز عفيفي

نائب رئيس هيئة قضايا الدولة بجمهورية مصر العربية

الخبير القانوني بحكومة دبي الإمارات العربية المتحدة

عضو اللجنة الاستشارية لمركز الإمارات للتحكيم الرياضي

 

إن مبدأ جماعية الفصل في النزاع le principe de collégialité ، نابع من مبدأ جماعية التقاضي أو الفصل بالقضية في تشكيلة جماعية le principe de collégialité des juridictions .، وهو مبدأ مفترض في التشكيل الجماعي للمحكمة أو هيئة التحكيم، حيث يفترض في حال ان كان تشكيل المحكمة أو هيئة التحكيم ثلاثية، أن يقول كل قاض أو محكم رأيه في القضية المعروضة عليه، وان يكون ذلك واقعاً من خلال المداولات التي تتم بين أعضاء المحكمة أو هيئة التحكيم.

جماعية الفصل بالنزاع من قبل أعضاء هيئة التحكيم.

يفترض مبدأ جماعية الفصل في النزاع في التحكيم، أن يتم الفصل في المنازعة التحكيمية من قبل جميع أعضاء هيئة التحكيم، حيث يجب أن يقرأ القضية ومستنداتها جميع أعضاء الهيئة التحكيمية، وأن يطلع كل الاعضاء على كل ورقة ومستند تم تقديمه من الخصوم أو من الخبرة أو الشهود، وأن يحضر جلسات التحقيق ويستمع بنفسه مالم يتم تفويض أحد المحكمين بذلك من قبل هيئة التحكيم، ويفترض أيضاً أن كل محكم أن تكون لديه القدرة على مناقشة القرار بحرية مع المحكمين الآخرين أثناء المداولة والتي ينبغي أن تكون سرية[1]. ويطبق هذا المبدا على جميع قرارات هيئة التحكيم، بما فيها أحكام التحكيم الجزئية، حيث قضت محكمة النقض الفرنسية[2] بأن مبدأ جماعية الفصل يفترض أن لكل محكم القدرة على مناقشة أي قرار مع زملائه وفي حالة عدم وجود دليل على عدم مشاركة المحكم في مداولات قرار التحكيم جزئي، فأن حكم التحكيم يكون صحيح ولا يتعارض مع النظام العام الدولي”، وبمفهوم المخالفة فأن قرار التحكيم الجزئي إذا لم يشارك فيه كل المحكمين فأن الحكم يكون باطل لمخالفة مبدأ جماعية الفصل.

فلا يجوز أن ينفرد رئيس الهيئة التحكيمية أو أحد الاعضاء بالاطلاع على القضية بمفردة وتكوين الرأي في القضية بمعزل عن المحكمين الآخرين، حيث يحدث أحياناً أن يسند رئيس هيئة التحكيم أو المحكمين القضية إلى أحدهم ليكون رأيه ويكتب الحكم بمعزل عن المحكمين الآخرين، ويكون دور المحكمين فقط مجرد التوقيع على الحكم، هنا لم يتم مراعاة مبدأ الفصل في جماعية، حيث ان غاية اختيار الاطراف لهيئة تحكيم جماعية – ثلاثية أو أكثر- هي دراسة القضية من أكثر من محكم لتكوين رأي صحيح في القضية.

          قد يكون عدم احترام مبدأ جماعية الفصل ناتج من إهمال أو تكاسل بعض المحكمين، أو بعبارة أدق اللامبالاة في العمل المسند إليهم، أو عدم مراعاة الضمير في العمل، وكل ذلك يعد مخالفة لمبدأ احترام المحكم للمهمة المسندة إليه، حيث وثيقة مهمة التحكيم الذي قام بتوقيعها مع الأطراف تفترض أن يقوم بالفصل في القضية بنفسه لا اعتماداً على المحكمين الآخرين.

وقد يكون عدم احترام مبدأ عدم الجماعية الفصل – ليس إهمال  أو تكاسل من بعض المحكمين أو اللامبالاة- ولكن قد يكون نتيجة هيمنة أو غش أحد المحكمين والاحتيال على المحكمين الآخرين ، من خلال  كما ذكرت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في 30 يونيو [3]2016 في قضية برنارد تابي الشهيرة هو ” ضمان السيطرة الكاملة على إجراءات التحكيم, من خلال عرض النزاع بطريقة سحرية لا لبس فيها ثم من خلال توجيه تفكير هيئة التحكيم بشكل متعمد ومنهجي لفائدة مصالح الطرف الذي اختاره محكماً بالتواطؤ مع الأول ومحاميه ، حيث تم الاحتيال على المحكمين الآخرين بعرض ملخص للنزاع وإعداد الأسئلة التي يجب أن يتم الأجابة عليها في الحكم بطريق موجه للحكم لصالح الطرف الذي اختاره، ومن ثم يكون قرار هيئة التحكيم صادراً بالاحتيال”.

ضمان احترام مبدأ جماعية الفصل بالنزاع من قبل هيئة التحكيم.

تعتبر المداولة أهم الضمانات التي عن طريقها يتم معرفة هل بالفعل تم الفصل في النزاع بجماعية من عدمه، حيث يمكن لمحكمة الاستئناف التي تنظر دعوى بطلان حكم التحكيم وفي إطار ممارسة سلطتها التقديرية، أن تراقب محتوى المناقشات المكتوبة وتبادل الأوراق والمستندات التي تمت بين المحكمين أثناء المداولات، لذلك نؤكد على ضرورة أن تكون المداولات ومناقشتها مكتوبة بين المحكمين وتحفظ في ملف القضية، وذلك لضمان على الأقل عدم ممارسة أحد المحكمين دور مهيمن داخل هيئة التحكيم وتهميش المحكمين الآخرين، والانفراد والاستئثار بالفصل في القضية، وأيضاً المداولات المكتوبة تضمن أن كل المحكمين شاركوا بالفعل بالفصل في القضية لا مشاركة صورية.

 ونؤكد هنا أن مجرد وجود مسودة حكم تحكيم موقعة من قبل أعضاء هيئة التحكيم، لا تشكل من وجهة نظرنا ضمانة لاحترام مبدأ الفصل بجماعية في النزاع، حيث يستطيع المحكم المهيمن بعد كتابة المسودة اخذ توقيعات الاعضاء بكل سهولة، أو المحكم اللامبالاة أو المهمل أو الكسول التوقيع على المسودة بعد كتابتها من أحد المحكمين، فليست المسودة ضمانة اطلاقاً على احترام مبدأ الفصل بجماعية في النزاع.



[1] – Cour de cassation (Civ. 1re), 30 juin 2016, nos 15-13.755, 15-13.904 et 15-14.145.

[2] Cour de cassation, Chambre civile 1, 8 juillet 2009, 08-17.661, Inédit.

[3] – Cour de cassation – Première chambre civile 30 juin 2016 / n° 15-13.755, n° 15-13.904, Dalloz.fr.

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى