لغة القانون.. العمل والشغل والدوام

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

في المجتمع المصري المعاصر وفي القوانين المصرية، يسود استخدام لفظ «العمل»، للدلالة على العلاقة التي تربط العامل برب العمل أو تربط الموظف بالجهة الحكومية. وبالاطلاع على التشريعات المنظمة لعلاقات العمل والتشريعات المنظمة للوظيفة العامة في مصر، نجدها قد استخدمت لفظ «العمل». وللتدليل على ذلك، يكفي أن نشير إلى قانون العمل الموحد رقم (12) لسنة 2003م.

خلافاً لذلك، تستخدم بعض المجتمعات العربية الأخرى لفظ «الدوام» كمرادف للفظ «العمل». وتميل مجتمعات أخرى إلى استخدام لفظ «الشغل» كبديل للفظ «العمل». وسنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على الاستخدامات سالفة الذكر، وبيان مدى صحتها من الناحية اللغوية، وذلك في مطلبين، كما يلي:

المطلب الأول: استخدام الدول الخليجية لفظ الدوام كمرادف للفظ العمل.

المطلب الثاني: إطلاق لفظ الشغل كبديل للفظ العمل في دول المغرب العربي.

المطلب الأول

استخدام الدول الخليجية لفظ الدوام كمرادف للفظ العمل

في الدول العربية الخليجية، يستخدم لفظ «الدوام» للدلالة على «العمل». وبالاطلاع على العديد من تشريعات هذه الدول، نجد الاستخدام ذاته، وبحيث يستخدم كل من لفظ «العمل» ولفظ «الدوام» كمترادفين. وغالباً ما يرد هذا اللفظ في التشريعات المنظمة للخدمة المدنية أو المنظمة للوظيفة العامة. فعلى سبيل المثال، وطبقاً للمادة الحادية والثلاثين من القانون رقم (6) لسنة 2016 بشأن الموارد البشرية في إمارة أبو ظبي، «1- تحدد أيام وعدد ساعات العمل الرسمية للحكومة بقرار من المجلس التنفيذي بناءً على توصية الهيئة. 2- يجوز لرئيس الجهة الحكومية أن يعتمد لائحة تنظيم الدوام وفقاً لطبيعة العمل في الجهة الحكومية وفي حدود عدد الساعات المعتمدة على أن يتم إخطار الهيئة بذلك». والبين من هذا النص أن المشرع في إمارة أبو ظبي قد استخدم لفظ العمل في البند الأول من المادة، بينما استخدم لفظ الدوام في البند الثاني منها. وكلا اللفظين لهما الدلالة ذاتها. وبدورها، فإن المادة السادسة من المرسوم بقانون اتحادي رقم (49) لسنة 2022 بشأن الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية تحدد أنماط التوظيف، مؤكدة أن هذه الأنماط هي: الدوام الكامل، الدوام الجزئي، العمل المؤقت، والعمل المرن.

ويرى الصديق العزيز الدكتور هاشم الشنبري أن «السبب وراء إطلاق لفظ «الدوام» على العمل في دول مجلس التعاون الخليجي هو عرف خاص بأهل البلد، بحيث إذا تم إطلاقه يتبادر إلى الذهن العمل، سواء كان رسمياً أو غير رسمي، فاعتبره النظام (أي القانون) لذلك، فأجراه على مجراه مقراً له. والدلالة العرفية أحد أنواع الدلالات اللفظية، كاللغوية والشرعية ونحوهما».

 

والواقع أنه، وبالاطلاع على المعاجم اللغوية، نجدها تقر استخدام لفظ الدوام بمعنى العمل. ففي المعجم الغني، فإن الفعل «دَوامٌ» يعني:

1: يُواصِلُ عَمَلَهُ على الدَّوامِ: دونَ انْقِطاعٍ، باسْتِمْرارٍ: تَجِدُهُ على الدَّوامِ مُنْكَبّاً على دُروسِهِ.

2: أَوْقاتُ الدَّوامِ بِالإِدارَةِ: ساعاتُ العَمَلِ.

وفي معجم اللغة العربية المعاصر، فإن اللفظ «دَوام» يعني «وَقْتُ العمل ومدَّته المحدَّدان بالنِّظام والقانون. يقال: يجب أن يلتزم الجميع بمواعيد الدَّوام الرسميّة. ويقال أيضاً: بِطاقَة الدَّوام، أي بطاقة تملأ من قبل الموظّف أو يتمّ ختمها من قبل آلة تسجِّل عدد ساعات دوام الموظّف كلّ يوم. ويقال أيضاً: دوام كامل، أي العمل صباحاً ومساءً. ويقال: نصف دوام، أي العمل صباحاً فقط أو مساءً فقط.

وفي المعجم الرائد، فإن اللفظ «دوام» يعني «مدة يجب على الموظف أن يقضيها في محل عمله».

وربما يكون السبب وراء إطلاق لفظ «الدوام» على العمل في الدول العربية الخليجية هو التمييز بين الدوام في المصالح الحكومية، والذي يتسم بالاستمرارية والانتظام وبين العمل غير المنتظم أو غير المنظم، مثل العمل في المزارع والرعي في البادية.

المطلب الثاني

إطلاق لفظ الشغل كبديل للفظ العمل في دول المغرب العربي

في معظم دول المغرب العربي، وعلى وجه التحديد في الجمهورية التونسية والمملكة المغربية وجمهورية موريتانيا الإسلامية، وبالاطلاع على التشريعات المنظمة لعلاقات العمل، نجدها تستخدم لفظ «الشغل». ففي المملكة المغربية، يوجد القانون رقم 99- 65 المتعلق بمدونة الشغل.

وفي الجمهورية التونسية، صدر القانون عدد 27 لسنة 1966 مؤرخ في 30 أفريل 1966 يتعلق بإصدار مجلة الشغل. وجدير بالذكر في هذا الصدد أن الاتحاد العام التونسي للشغل هو اسم الاتحاد العام الجامع للاتحادات الجهوية والمنظمات القطاعية والنقابات الفاعلة في مجال الدفاع عن حقوق العمال في الجمهورية التونسية.

وفي جمهورية موريتانيا الإسلامية، صدر القانون رقم 2004- 017 بتاريخ 6 يوليو 2004 المتضمن مدونة الشغل. ورغم أن عنوان المدونة قد استخدم لفظ «الشغل»، فإن جل مواد القانون تستخدم لفظ «العمل».

وجدير بالذكر في هذا الصدد أنه، وبالرجوع إلى فترات تاريخية سابقة، كان لفظ «الشغل» مستخدماً في الريف المصري كمرادف للفظ «العمل».

والواقع أن المعاجم اللغوية تقر استخدام لفظ «الشغل» كمرادف للفظ «العمل». ففي معجم المعاني الجامع، ورد أن لفظ «شُغل» هو (اسم)، والجمع: أشغال. والمقصود بالشغل هو «نشاط ذهنيّ أو جسديّ يصرف إليه الإنسانُ جُهدَه ويشغل به وقتَه، عمل، ما يشغل فراغ الإنسان». يُقال: بحث عن شُغْل. والشُّغْلُ: ضدُّ الفراغ. الشُّغْلُ: العَمَل. أشغال شاقَّة: حكم بالسجن مع التكليف ببعض الأعمال المُرهقة خلال فترة السجن في عقوبة بعض الجرائم قانونًا. أشغال عامَّة: أعمال بناء أو إنشاءات أو صيانة. وزارة الأشغال: الوزارة المسئولة عن المرافق والخدْمات العامّة. يُحِبُّ الأَشْغَالَ الْيَدَوِيَّةَ: أَيِ الأَعْمَالَ الْيَدَوِيَّةَ عَكْسَ الأَعْمَالِ الفِكْرِيَّةِ.

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى