الهوان الحقيقي !

الهوان الحقيقي !

نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 23/1/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

يخطئ من يبحث أو يفتش عن «العدل» كفكرة أو كقيمة في قرارات المنظمات الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية.. ذلك أنه إذا كان العدل البشرى نسبيا، إلاّ أنه في المجال الدولي أبعد ما يكون عن توجهات وتطبيقات وآليات أشخاص القانون الدولي ومجالسه ومنظماته ومحاكمه . لو كان العدل حاضرًا في كل ما يصدر عن هذه المنظمات، لاختلفت المشاهد والصور المعروضة اختلافًا كبيرًا وأساسيًا وجذريًا !

خذ عندك «مقاومة الإرهاب» والمساءلة عنه . من ناحية المبدأ لا يختلف على ذلك أحد، ولا يجافيه عاقل، ولكن آليات المقاومة والمساءلة تفرق وتميز وتفرض قبضتها على من تريد وتترك من تشاء، ولا تطبق فيما تختار وفيما تدع ـ المعايير المتعارف عليها في مبادئ وقواعد المسئولية بكل صورها، وإنما تضع لنفسها معاييرها الخاصة، فتجد الولايات المتحدة مثلاً، في ملاحقتها للإرهاب، تستخدم وسائل إرهابية تشف عنها إجراءاتها التعسفية ومعتقلاتها وسجونها وما يجرى فيها من إرهاب وتعديات صارخة على حقوق الإنسان، وتجدها في ملاحقتها التي تخلط خلطاً لا يقبله عقل بين مقاومة الاحتلال ـ وهى حق مشروع لا يوصف ولا يجوز وصفه بالإرهاب، وبين إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل على الواسع وترتكب به كل يوم جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية، متمتعة بحماية أمريكية / دولية لا تقترب من هذا الكيان العدواني البشع بل وتختلق له الأسباب والتعلاّت والمعاذير !

وكلما راجعنا مواقف المنظمات الدولية والدول الكبرى المحركة لها، نجد الهوان مشرئبًا لازدواج المعايير، فما يعامل به الكبار أو الأذيال المتمتعين بحماية الكبار، غير ما تعامل به باقي دول العالم، حتى لتغدوا نظريات سيادة الدول، ومبادئ القانون الدولي العام في السلم والحرب، ومواثيق وعهود الأمم المتحدة، مجرد حبرٍ على ورق إزاء هذه الازدواجية المعيبة الصارخة في التطبيق .

الدول العظمى ترتع كما تشاء في حقل أسلحة الدمار الشامل، والقنابل الذرية والهيدروجينية، وترتع معها الربيبة إسرائيل، ولكن الدنيا تقوم ولا تقعد إذا ما فكرت كوريا مثلا أو إيران أو غيرهما حقها المشروع في حماية نفسها إزاء المباح لغيرها، ويُدعى كذبًا بحيازة العراق لأسلحة دمار شامل لإساغة الهجوم العسكري الأمريكي الغربي عليها . ونرى روجيه جاروديه المفكر الغربي الكبير الذي اعتنق الإسلام يُحكم بحسه بدعوى معاداة السامية، بينما يتجرأ كل من هب ودب بلا حساب على الإسلام وعلى رسول الإسلام، حتى يصرح رئيس إحدى كبريات تلك الدول بأن الرسوم المسيئة للرسول تدخل في حرية الرأي التي تحرص عليها دولته الحرة، بينما تعجز عن رؤية ما يباح لإسرائيل والصهيونية، والمتاريس المفروضة لحمايتها، فيجرى عقاب من يفكر أو يناقش الأعداد المقول بحرقها في معسكرات النازية، بينما يمضى في سلام من ينطلقون بدعواهم تعديل آيات القرآن الكريم والحذف فيها !!

المشاهد الجارية في المجتمع الدول أبعد ما تكون عن العدل والحق والإنصاف !

وفي الوقت الذي تتغنى الولايات المتحدة بالحرية ورفض الإرهاب، تبيح لنفسها وتبيح لربيبتها إسرائيل أبشع وأشنع صور الاعتداء على الحريات والأرواح والكرامات الإنسانية، ويشهد على ذلك ما تسرب عما يجرى في سجن أبو غريب ومعتقلات جوانتانامو وغيرها ـ من تعذيب وجرائم ضد الإنسانية وتحقير للأديان وكتبها السماوية، حتى التقطت الصور لجنودها وهم يدنسون القرآن الكريم الذي يدين به ويقدسه ما يزيد على مليار ونصف مليار مسلم يملأون قارات الدنيا !

لقد صَدَّرت الولايات المتحدة «ازدواجية» المعايير للنظام الدولي ومنظماته وآلياته، فباتت فيه الحصانة شاملة الأمريكان والإسرائيليين ومن يجرى في فلكهما، ولم تتجرأ القرارات والملاحقات إلاّ على الرؤساء العرب !.. رأينا أحدهم مشنوقا، والآخر يُتابع ويُلاحق كل يوم بشتى السبل والأساليب لجره إلى ساحة المساءلة بزعم التحريض أو المشاركة في اغتيال الحريري الذي صارت أمريكا أكثر غيرة عليه من لبنان !

لو شئتم مناقشة هذا المشهد، فلا تناقشوه من زاوية «العدالة»، فليست العدالة هي القيمة التي تحرك آليات المجتمع الدولي، وإنما فتشوا في أسباب «الهوان» العربي.. هذا الهوان هو البطل الحقيقي للمشهد الراهن، لو عرفتم أسبابه لوفرتم الحماية والأمان والاحترام ليس فقط للملوك والـرؤساء، وإنما للشعب العربي كله من المحيط إلى الخليج !!

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى