ملاحقة الإسلام والمسلمين ! وكتابات النابهين ( 2 )

نشر بجريدة الوطن الجمعة 17 / 9 / 2021

بقلم: الأستاذ رجائى عطية نقيب المحامين 

تستعرض كارين أرمسترونج بعض مؤلفات الغرب الغارقة فى التجنى والزيف والوهم ، حيث لم تبدأ محاولات التخلص منه ، إلاّ مع ترجمة معانى القرآن وتوالى الدراسات التاريخية الموضوعية التى شهد القرن 18 بعض جهودها الرامية إلى تفهم أكثر للإسلام  .. ككتاب

« تاريخ المسلمين » لسايمون أوكلى ( 1708 ) ، وكتاب « أخـلاق الأمـم وروحها » لفرانسوا فولتير ( 1751 ) ،  واستشفاف المستشرق الهولندى يوهان يعقوب رايسكى ( ت 1774 ) للمسحة الربانية فى حياة محمد ونزول الإسلام ، وثناء ادوارد جيبون على عقيدته التوحيدية بكتابه « تدهور وسقوط الإمبراطورية الرومانية » ، ومحاضرة كارلايل « البطل باعتباره نبياً » التى دافع فيها دفاعا حارًّا عن محمد عليه السلام ـ منكراً أوهام القـرون الوسطـى ، وضمَّنهـا كتابـه المعـروف عن البطولـة والأبطـال ( 1841 ) .

لم تنقطع للأسف زيوف الأوهام القديمة برغم هذه الكتابات الموضوعية ، فبقيت تدلى بدلوها فى تأجيج التعصب والكراهية للإسلام ، مثلما فعل شاتوبريان فى كتابه : « الرحلة من باريس إلى أورشليم ومنها إلى باريس » (1810/1811) الذى بشر فيه ـ بخياله الصليبى ـ بوجوب سيطرة الغرب على العرب أرباب الهمجية والوحشية !! هذا العرق الملبوس الممدود الذى عبر عنه الجنرال اللنبى عام 1917 حين أعلن وهو على أعتاب القدس : « الآن قد اكتملت الحملات الصليبية !! »

هذا هو ما كشفته كارين أرمسترونج ـ الراهبة السابقة ـ الباحثة فى تاريخ الأديان فى كتابها المنصف : « سيرة محمد » .. ومع موضوعية وروعة ما كتبته إنصافا للنبى والوحى ، ولسيرته ودعوته ، فظنى أن أخطر ما فى الكتاب ما كشفته عن قدم أثر الأساطير الغربية فى تشكيل الوجدان الغربى بعامة إزاء الإسلام ورسوله . هذه الأساطير التى تجذرت حتى بات الكثيرون هناك يقبلون الفكر الملبوس والرسومات المسيئة عن الإسلام  ورسوله بلا مناقشة ، لا ينجو من الوقوع تحت تأثيره المغلوط إلا قليلون قرءوا وتمعنوا وفهموا ، بعضهم أفصح كما فعلت ، وبعضهم اشترى راحته بالسكوت  !!!

ليست الغاية مقابلة العداء بعداء ، فذلك يجافى الإسلام ، ويفوت فرصة البيان والإيضاح . مقصدى أن نفهم الصورة هناك .. كيف أنها أوسع كثيراً من رسم مسىء أو شريط فيديو ، وندرك أن رؤيتها بكل جوانبها ، هى الكفيلة بوضع رؤية شاملة ، مدروسة لا عشوائية ، تواجه هذا التجنى المبعد عن الحقيقة والإنصاف ، وسيلة مواجهته الأولى تصحيح صورة وسلوك المسلم ذاته فى عيون الغرب ، ومعها خطاب مدروس ومتواصل ، بلغتهم ومنطقهم ، يخاطب العقل بالحجة والبرهان ، ويفوت فرص الإساءة الجاهلة أو المتعمدة ، ويبطل موجات الكراهية والشحن ضد الإسلام والمسلمين ، ويفتح منافذ لفهم متبادل لا غناء عنه للبشرية فى هذا الزمان ، وفى كل زمان !

*          *          *

من الفوارق الكبيرة بين اليوم والبارحة ، أنهم كانوا بأمس يفهمون أبعاد القضية ومساحة العداء للإسلام ورسوله وللمسلمين ، ويملكون وسائل وأدوات التصدى لكثير من اللغو الذى حفلت به من قرون كتابات الغرب من افتراءات وخرافات وعداء دفين ضد الإسلام ورسوله مما تغدو معه الرسومات المسيئة كقطرة في محيط .. لم يحصر آباؤنا وأجدادنا أنفسهم في صراخ أو تظاهر أو ولولة ، وإنما استنطقوا مخزون علمهم ، وشرعوا أقلامهم بالعربية وبغير العربية ـ لبيان شامل محيط لا يتمحور في محض رد فعل متشنج  أو حتى غير متشنج ، وإنما يتسع بفهم وعلم وحجة ليقدم لقراء العربية  ولغيرهم بياناً وبحوثا شافية تعرف بحقيقة الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وتحض المسلم ذاته على أن يكون بسلوكه صورة مشرفة للإسلام .

ظنى أن علو حناجرنا جاء على حساب دور عقولنا . أشعر بالخجل من الحاضر حين أجوب مثلا فى دوحة العقاد ، فأرى حجم وعمق ما قدمه هذا العملاق للإسلام بلا صخب ولا ضجيج ولا انفعال . هل تذكرنا فى ردود أفعالنا الصاخبة بلا طحن ، ماذا فعل العقاد فى كتاب واحد : ” ما يقال عن الإسلام ” ؟! .. فى أكثر من ثلاثين مقالاً ، جاب أركان الأرض غرباً وشرقاً ، وجنوباً وشمالاً ، فى أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا ، واستقصى العشرات من الكتابات هناك عن الإسلام وقرآنه ورسوله .. يقول فى تقديمه للكتاب إن صفحاته مجموعة من المقالات عن الكتب التى ألّفها كتاب الغرب عن الإسلام من شتى وجهات النظر ، وإنه اختار الأكثر شيوعا واعتبارا فى العصر الحديث ، ليلخصهـا ويعقب عليهـا ويناقش ما يحتاج منها للمناقشة ، وجمعها فى كتابه ما يقال عن الإسلام يبتغى بها المزيد من التعريف بالإسلام والبحث عن حقائقه وأباطيل خصومه ، لعلها تغنى طلاب المعرفة من القراء فى الأمم الإسلامية .

يتناول العقاد فى مقالاته المتنوعة ، الإسلام والعصر الحديث ، والإسلام والثقافة الأفريقية ، ويوضح الفارق بين العقيدة الإلهية فى الإسلام وغيره من الأديان ، والفارق بين الأديان المغلقة كاليهودية .. وبين الأديان المفتوحة أو أديان الدعوة كالإسلام ، وأوضاع وقضايا المسلمين السود فى أمريكا ، ومفهوم الجهاد فى الإسلام .. وأغلاط المبشرين فى نقد القرآن .. وغير ذلك من الموضوعات التى خاضت فيها كتب الغربيين . فهل كل هذه الأشتات صادرة عن نية واحدة أو قصد واحد ؟ يتوقف العقاد عند هذا السؤال ليقول : إن المهم فى هذه الكتابات هو محك الإخلاص فى كتابتها . فمن هم المخلصون منهم ؟ ولماذا يخلصون ؟

المخلصون إما طلاب معرفة أو طلاب عقيدة ، وقد يجمعهما طلب الحقيقة فى عالم العلم وعالم الضمير ، وفيما عدا هؤلاء يندر الإخلاص فى كتابات الذين عرضوا فى الغـرب للمسلمين أو لما اعتقدوه أو تعودوه ، ولكنهـم فى قلة الإخلاص أو سوء النية أنواع ودرجات !.. عن هؤلاء وأولاء دبج العقاد مقالاته بيانا لحقيقة الإسلام ودحضا لدعاوى المتعصبين والماديين والملحدين والمبشرين الذين لا يقلون عداوة للإسلام عنهم . ظنى أنه فضلا عن الأثر العميق لهذه البحوث التى كتبها العقاد فى أمم الإسلام ، فإن ترجمتهـا إلى اللغات الغربية قمينة بتجلية صورة وحقيقة الإسلام هناك ، ودحض الدعـاوى والحمـلات والأغـلاط سـواء حركها العداء أم الجهالة أم نضوب المعرفة !

تذكرت وأنا أتابع قارئا أو كاتبا ، حملات الإساءة للإسلام ـ ماكتبه العقـاد  فى كتابه ” الإسلام دعوة عالمية  ” عن آراء كتاب الغرب فى نبى الإسلام فأشار إلى كتاب ” القادة الدينيين ”  Religious leaders  .. من تأليف هنرى توماس ودانالى توماس ..بدآ ترجمتهما لنبى الإسلام قائلين : ” فى القرن السابع ، حين بدا على الدنيا أنها أصيبت بالجفاف ، وحين فقدت اليهودية مولدها واختلطت المسيحية بموروثات الأمم الرومانية البربرية ، نبع فى المشرق ـ فجأة ـ ينبوع صاف من الإيمان ارتوى منه نصف العالم … وإن حكمة الله لعجيبة ذات قوة فى قضائها العجيب ، فإن هذا الينبوع الصافى قد انبثق من أجدب بقعة بين بقاع الأرض قاطبة :  صحراء الجزيرة العربية .. وتروى  الأخبار المأثورة كثيراً من المعجزات والخوارق التى صحبت مولد محمد وطفولته ، ولكن محمداً لم يذكر هذه المعجزات  ولم يذكر قط معجزة متصلة بشخصه أو برسالته ، لأنه لم يأت كما قال بغير معجزة واحدة هى معجزة القرآن الذى تلقاه من وحى الله .. وقد جاء بالدين ليدعو إلى ملة إبراهيم وموسى والمسيح على هدى جديد “.

عبدالعال فتحي

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى