الذكاء الإنساني: الاستعداد والحصاد ! (3)

من تراب الطريق (1046)

الذكاء الإنساني: الاستعداد والحصاد ! (3)

نشر بجريدة المال الثلاثاء 23/2/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

برغم اعتراف الناس في كل عصر بالقناعة وضرورتها وإجلال التحلي بها كفضيلة غالية من فضائل الإنسان السوي العاقل.. إلاّ أن كثرتنا الكاثرة لا تتبعها فعلاً ولا تستهدي بها في الحياة عملاً.. هذا لأننا في الواقع أهل جشع في الغالب الأغلب، ومن جهة أخرى لأننا جميعاً أيقاظ وعلى قدر من التعقل.. نسئ الظن بالأيام.. حتى ونحن في أوقات السعة والرخاء.. وقد جمعنا مع الأنانية احتياط المحتاط.. وهذان مألوفان مؤتلفان على الدوام، ومن العسير أن يفترقا.. وهما غائـران إلى أعمق أعماق داخلنا، وفيهما شيء كوني: إذ الأحياء التي نعرفها في هذا الكون العظيم جداً، مكلفةٌ من أصغر صغارها إلى أكبر كبارها بالسعي والبحث عن طعامها وما يسترها فيما حولها، وهي تجده غالباً ولكن أحيانا قد لا تجده، فيقتلها الجوع والافتقار إلى ساتر، وداخل حتما في هذا الشيء الكوني احتمال أن يأكل الأحياء بعضهم بعضاً من نفس الجنس أو من أجناس أخرى حيواناً ونباتاً.. يضمن بذلك قوته ليضمن بقاءه المحدود ونماءه، وقد يحتل مأواه أو يتدثر بجلده أو أن يستغل نتاجه وإدراره أو يستخدمه في مصلحة مقابل أكله وما أدّاه في حدود ما يتصور من إمكان ذلك.. وهذا يصفه أهل العلم الوضعي بكفاح الأحياء من أجل البقاء، وهو كفاح مشهود في كل لحظة سواء في عالم البشر أو في عالم الحيوان والنبات.. وهو كـفاح كونى لـم تنجـح الأديان ولا فضائل وأخلاق الإنسان منذ كان إلى اليوم في وقفه فضلاً عن اقتلاعه !!

*      *      *

كل ما أمام الآدميين هو فرص تلطيف وتهذيب عناء وشقوة هذا الكفاح الذي تموج به الحياة في حدود الفرص المتاحة على هذه الأرض للعيش المعقول للجميع دون اقتتال. وربما تغير الحال وانفك هذا القيد الكوني إذا استطاع الذكاء والصبر والفهم والعلم والإتقان ـ إنقاذ الأحياء من المحدودية التي يفرضها عليهم اقتصار حياتهم على الاعتماد على هذه الأرض بيابسها ومائها وجوها دون الاستفادة بالفرص التي ليست بها.. يحدث ذلك إذا تم الاتصال المثمر الذي ليس له آخر بثروات وقوى وطاقـات الكـون الخارجي الذي لا يعرف البشر مدًى لآخره، علما بأنه كلما ازداد البشر عددا ازدادت مشاكلهم ومشاكل الأحياء الأخرى، وزاد على البيئة المتاحة في هذا الكوكب الأرضي عبء مواجهة حاجات ومطالب الحياة والأحياء عليها بما يتفق مع العقل ويليق بالدين والإنسانية.

من حقنا بالصبر والفهم والاجتهاد والتكاتف أن نأمل في مزيد من فرص الرخاء والإسعاد والسلام لنا ولعالم الأحياء معنا. ولكن هذه الفرص يقابلها حائط المحدودية الحالي، كما يقابلها حائط القلق والتردد والقصور والتفوق والتفكك البشرى.. وهذا الحائط لا يقل عن حائط المحدودية صلابة وصعوبة تناول ما يصادفه من كثرة عراقيل ومزالق ومساقط والتواءات ماضية وحاضرة ومستقبلة.. هذه الصعوبات الكثيفة، لدى ما لا حصر له من البشر، سواء من كانوا وتركوا ما تركوا، أو الأحياء الغرقى في حاضرهم وسابقهم وآتيهم.. يجمعون عطايا المستقبل وهم مثقلون بأعباء حملها لهم آباؤهـم وأجدادهم !.. وعليهم أن يحملوها الآن إلى عالم جديد يفتح فعلا وواقعا أمام البشر.. يربطه البشر بالأرض ويربط الأرض به.. عالم قريب ويوشك أن يتحقق إذا ظل التقدم العلمي والتقني على قوتـه الحالية وتركيزه واقتـداره وانتشاره.

ثم إن كثرتنا ـ مع لغطها الذي لا ينقطع ـ لا تحتضن من واقعنا الحاضر إلا نتفاً فردية متناثرة عشوائية الخيوط تجمعها هنا وهناك مما تسمع أو تقرأ، كما لا تحتضن مستقبلنا إلا من بُعدٍ بعيد مبهم إجمالي ثمرة رؤية مشوشة منقولة وقليلة الاكتراث نهضت على أكتاف الشائعات والأقاويل والمخاوف وأمارات التفاؤل واليأس المختلطة المتضاربة !!

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى