هكذا تكون المرافعة الجنائية

بقلم: علي عبدالرحمن المحامي

دائمًا ما كانت صورة القدير أحمد ذكى فى فيلم (ضد الحكومة) وشيخ المسارح يحى الفخرانى فى مسلسل (أوبرا عايدة) وغيرها عالقة فى أذهان المجتمع المصرى قبل المجتمع القانونى, فظن العديد أن دور المحامى يقتصر على المثول أمام القاضى ويبدأ عرضه المُفعم بالحماس بصوت تملئه الثقة وتمتلئ معه أرجاء المحكمة بالتركيز الشديد..

ولكن الحقيقة تختلف كليةً عن هذه الصورة, فالمرافعة تعتبر بوابة الوصول لطريق مدجج بالإجراءات العثرة والمُعوقات المتعددة, وبالرغم من ذلك فلا أحد يختلف فى أن جزء المرافعة هو الجزء الأكثر إثارة وترقب دونًا إجراءات القضايا المختلفة, فهى الملاذ المنتظر الذى يترقبه الجميع سواء المجنى عليه أو الجانى أو المحامى أو القاضى بالإضافة لعامة الشعب..

وترتيبًا على المكانة الخاصة التى تحظى بها المرافعة أمام القاضى الجنائى فإن هذه الصورة النهائية التى يتلمسها المجتمع الخارجى لا تتأتى من فراغ إنما هى نتاج علم وفن المرافعة, فإذا لم يوجد هذا العلم وذلك الفن كانت المرافعة رتيبة لا تجتذب الآذان ولا تلق الاهتمام الكافى للهدف المُبتغى, لذلك سنشرع جاهدين فى عرض القواعد اللازمة للمرافعة أمام القضاء الجنائى.
بادئ ذى بدء فإن المرافعة هى الوسيلة التى يسخر فيها المترافع جُل أدواته من أجل إقناع القاضى بوجهة نظر معينة, فهى تعتمد على قوة البيان وثبات الجنان وفن مقارعة الحجة بالحجة وسرعة البديهة وإستغلال أخطاء الطرف الأخر, فالمحكمة أثناء المرافعة اشبة بحلبة المصارعة التى تحكمها قواعد الشرف والعدالة والنزاهة واحترام الأخر..

-الأدوات اللازمة للمرافعة الناجحة:-
1-التمكن من اللغة العربية ومفرداتها ووفرة الكلمات الرنانة.
2-ترابط أجزاء المرافعة بطريقة متسلسلة غير مُخلة.
3- الإنتقال بين طبقات الصوت المختلفة.
4-القدرة على الإقناع بطريقة منطقية.
5-الأداء الحركى.
6-دراسة القضية دراسة مفصلة.

محتويات المرافعة وكيفية أدائها:-
تحتوى المرافعة على مقدمة وموضوع وخاتمة وكل منهم له اهميته الخاصة:-
-المقدمة: إعلم أن مقدمة المرافعة هى خطاب التعارف بين المترافع والقاضى فيجب على المترافع أن يجتذب أنظار القاضى وآذانه وأن يُشعر القاضى أن هذه المرافعة مختلفة ومتميزة عن غيرها, فيختار من الألفاظ الرنانة ما يجحظ العيون ويشد الانتباة..
هذا هو غرض مقدمة المرافعة الأول والأخير, فالمترافع له حرية أختيار الطريقة التى يصل بها إلى هذا الغرض فيجوز له التكلم عن مبادئ عامة متعلقة بموضوع القضية مصحوبة بكلمات مقدسة من الكتب السماوية أو عرض وجيز للقضية بصورة غير تقليدية على الأذن, ويستحسن أن تؤدى هذه المقدمة باللغة العربية الفصحى ولا مانع من أن تكون مكتوبة.
-الموضوع: الموضوع هو لُب المرافعة وهو الجزء القانونى الذى يهم المحكمة .
وتنقسم طرق أداء موضوع المرافعة إلى المرافعة المكتوبة والمرافعة الشفهية والمرافعة الجامعة بين النوعين..
اولاً:المرافعة المكتوبة: لا مانع من أن تكون المرافعة مكتوبة لكنها ستفقد جزء كبير من قيمتها إذا ما بوشرت بهذه الطريقة لأن القاضى والخصم يطرحوا ما هو غير متوقع من الأسئلة ففى هذه الحالة يضطرب المترافع ويفقد جزء كبير من رونقه إذا لم يتوقع السؤال فى مرافعته المكتوبة,خاصة وأن المرافعة تعتمد على فن الإلقاء و الارتجال فإذا ما أداها بهذه الطريقة فقد مصداقيته.
ثانيًا:المرافعة الشفهية: هى الطريقة المعتادة والأكثر حرفة وصعوبة لأداء المرافعات فالارتجال والإلقاء موهبة يميز الله بها عباده ومن يدركهما يضمن جزء كبير من فن المرافعة.
ثالثًا:المرافعة الجامعة:هى تلك التى تجمع بين المرافعة الشفهية والمرافعة المكتوبة فيلجأ المترافع إلى كتابة الأجزاء التى يصعب عليه إرتجالها و النقاط الهامة المختصرة حتى لا تضيع منه الأفكار.
المرافعة بين العامية والعربية الفصيحة.
إن المرافعة المثلى هى التى تجمع بين العامية واللغة العربية الفصحى, فلا تثريب إذا ما أداها المترافع بأى منهما فقط لكن تفاديًا للرتابة وإفتقاد القدرة على جذب الانتباة يتنوع المترافع فى لغة أداء المرافعة بين الفصحى والعامية.
المرافعة بين الحفظ و الارتجال.
إن فن المرافعة يعتمد على الإلقاء و الارتجال وأمتصاص الصدمات ودحضها بطريقة منطقية, وهذا لا يتوافر إذا ما أتخذ المترافع طريق حفظ المرافعة بالإضافة إلى إشعار القاضى بالملل وافتقاد إيمان المترافع بموضوع قضيته.
الخاتمة: هى أخر الكلمات التى تبقى فى ذهن القاضى, فيجب عليك أن تكلل ما مضى من جهد فى الإقناع بكلمات تبقى عالقة فى وجدان من يسمعها ووثيقة الصلة بموضوع المرافعة لكنها تلعب على الجانب العاطفى للقاضى الذى لا غنى عنه فى المرافعة, ويستحن ان تؤدى باللغة العربية الفحصى ولا مانع من كتابتها.
نصائح عامة:-
-أبتسم فى وجة هيئة المحكمة عند توجية عبارات “سيدى القاضى” , :حضرات المستشارين”.
-عند الإستناد إلى حكم أو رأى يدعم موضوع المرافعة يجب عليك الا تُشعر هئية المحكمة أنها ملزمة به, فتقول “على سبيل الاستئناس” أو “الاستدلال” .
-إستعطاف هيئة المحكمة بكبرياء المترافع وأسلوبه غير الُمهين لنفسه شئ لا غنى عنه.
-لا تطلب شئ من “عدالة المحكمة” لأن العدالة لا تنتظر حكم لتقريرها.
-كن مفعم بالحركة الجسدية أمام هيئة المحكمة لجذب الانتباة.
-التغيير من طبقات الصوت منعًا للرتابة, ورفعها فى مناطق القوة.
-كن واثق فى نفسك ولا تضطرب عند توجية ما لم يخطر على البال.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى