نظرات في سياسية التجريم في قانون جرائم تقنية المعلومات الجديد

بقلم: فرج علي المحامي

بتاريخ 14 اغسطس 2018 صدر قانون جرائم تقنية المعلومات رقم175لسنة2018 ونشر بالجريدة الرسمية العدد 32مكررج ومن مطالعة نصوص القانون السالف نجد انه توجد نقاط بارزة في سياسية التجريم في هذا القانون، نعرضها في النقاط التالية:
1- اذا كان الاصل هو مبدأ إقليمية قانون العقوبات و يقصد بهذا المبدأ أن قانون العقوبات يطبق علي كل جريمة ترتكب في إقليم الدولة ، سواء أكان الجاني وطنيا أم أجنبيا، وسواء أكان المجني عليه فيها وطنيا أم أجنبيا . ويرجع إعمال مبدأ الإقليمية إلى الطبيعة الخاصة لقانون العقوبات . ذلك أنه تعبير عن سيادة الدولة . فقانون العقوبات يختلف عن القوانين الأخرى – مثل القانون المدني و قانون الأحوال الشخصية – التي تسمح للقاضي الوطني بتطبيق القانون الأجنبي . كما يجوز للأطراف أن يتفقوا علي تطبيق القانون الأجنبي في حالة قيام نزاع بينهم . وإذا وقعت الجريمة على إقليم الدولة فإن قانون العقوبات يصبح واجب التطبيق ، كما يصبح القضاء الوطني مختصا بمحاكمة المتهم بغض النظر عن جنسيته أو ديانته. ولكن تبني القانون المذكور مبداء العينية في سريانه علي الجرائم المرتكبة خارج الاقليم المصري حيث نص في مادته الثالثة علي سريان احكامه علي غير المصريين متي كان معاقبا علي ذات الفعل في قانون الدولة التي ارتكب فيها تحت اي وصف فيٌقصد بمبدأ العينية سريان قانون العقوبات على جرائم معينة تقع في خارج البلاد بغض النظر عن جنسية الفاعل في تلك الجرائم بسبب تعلقها بمصالح جوهرية للدولة. من هذه الجرائم تلك الماسة بأمن الدولة وجريمة تزوير أو تزييف عملة الدولة أو عملة متداولة قانونا في الدولة، ولكن قانون رقم175 اشترط ان يكون الفعل معاقبا عليه تحت اي وصف في الدولة التي ارتكب فيها.وهو معيار مضيق ليس موجودا في نص المادة الثانية عقوبات.
2- تبني القانون فكرة التعاون الدولي في مجال مكافحة الجريمة المعلوماتية وهو مذهب محمود وفيه تفعيل لهذه الاتفاقيات المنظمة لها دوليا حيث نص في المادة 4علي التعاون مع نظيرتها في هذه الدول وفي ضوء مبداء المعاملة بالمثل.
3- واما بالنسبة للشروع في الجريمة فالقاعدة العامة انه بالنسبة للشروع كما عرفته المادة 45 من قانون العقوبات المصري هـوالبدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها”.
وقد عرفه الفقيه الايطالي الشهير جارو بأنه “كل فعل يؤدي حالا ومباشرة إلى وقوع الجريمة” ومشرعنا المصري يعاقب على الشروع في الجنايات دون حاجة إلى نص خاص. فتنص المادة 46 من قانون العقوبات على أنه”يعاقب على الشروع في الجناية بالعقوبات التالية إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك…”. وتنظم المادة السابقة عقوبة الشروع وفقا لجسامة العقوبة المقررة للجريمة التامة كما يلي:
– إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة التامة هي الإعدام، فإن عقوبة الشروع تصبح السجن المؤبد.
– وإذا كانت العقوبة المقررة للجريمة التامة هي السجن المؤبد تصبح عقوبة الشروع هي السجن المشدد.
– وإذا كانت العقوبة المقررة للجريمة التامة هي السجن المشدد تصبح عقوبة الشروع هي السجن المشدد مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى للجريمة أو تصبح العقوبة هي السجن.
– وإذا كانت العقوبة المقررة للجريمة التامة هي السجن تصبح عقوبة الشروع السجن مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى أو تصبح العقوبة هي الحبس.
ولكن بالنسبة للجنح الأصل أنه لا عقاب على الشروع في الجنحة إلا إذا وجد نص بتلك الجنحة، عندئذ يحدد ذلك النص العقوبة المقررة للشروع.
وقد تبني قانون جرائم المعلوماتية (جرائم الانترنت) معيا رالعقاب علي الشروع في الجنح حيث نص في مادته 40 علي انه في حالة الشروع يتم الحكم بعقوبة بما لايجاوز نصف الحد الاقصي المقررلارتكاب اي جريمة فيه.
4- تنبني المشرع تدابير وقتية فعالة مثل حجب المواقع واصدار جهات التحقيق لقرارات المنع من السفر وهذا لكفالة الملاحقة السريعة لمرتكبي هذه الجرائم تلافيا لطول اجراءات التحقيق والمحاكمة.
5- قرر مسئولية الشخص الاعتباري وذلك بمسؤلية من يديره فعليا اذا تعرض للاختراق او لاحد الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون فلم يعد الامر فرض نظري الي توقيع غرامة مثلا علي الشخص الاعتباري بل اتسعت الدائرة لتشمل المديرين الفعليين للموقع وذلك طبقا لنص المادة 35 من ذات القانون.كما نصت علي عقاب المدير المسئول للشخص الاعتباري اذا كان يعلم بهذه الجرائم او سهل ارتكباها لمصلحته او لمصلحة الغيرويتعرض الشخص الاعتباري لالغاء ترخيصه.
6- قررالمشرع عقوبات تبعية تتمثل في المصادرة للمضبوطات والاداوات المستعملة
وقرر ايضا عقوبة العزل من الوظيفة للموظف العام بصفة مؤقتة ولكن في الجريمة
المنصوص عليها في المادة 34 وهي الاخلال بالنظام العام او تعريض مركز البلاد
للخطر حبث يكون العزل وجوبيا .
7- اخذ المشرع باحكام الاعفاء من العقاب حيث اجازه اذا تم الابلاغ عن الجرائم المنصوص عليها فيه بالنسبة للجناة والشركاء اذا تم الابلاغ الي السلطات القضائية او العامة قبل البدء في تنفيذ الجريمة وقبل كشفها واجازه ايضا للمحكمة اذا تم بعد كشف الجريمة وقبل التصرف في التحقيق فيها اذا تم القبض علي الجناة الاخرين فيها او ضبط الاموال موضوع الجريمة او اعان علي كشف الحقيقة فيها .
8- كما اجاز التصالح للمتهم في أي حالة كانت عليها الدعوى الجنائية، وقبل أن يصير الحكم باتًا، إثبات الصلح مع المجني عليه أو وكيله الخاص أو خلفه العام، أمام النيابة العامة، أو المحكمة المختصة بحسب الأحوال، وذلك في الجنح المنصوص عليها في المواد “14، و15، و16، و17، و18، و19، و23، و26، و28، و30، و31” من هذا القانون.
9- ويعتبر التعديل الصادر اخيرا من السلطة التشريعية باعتبارالاختصاص بهذا القانون معقود للمحاكم الاقتصادية بعد ان كان للمحاكم العادية هو مسلك محمود لان قانون جرائم المعلوماتية يقع في موضع وسط بين قانون تنظيم الاتصالات والملكية الفكرية والاول والاخير كلاهما معقود الاختصاص به للمحاكم الاقتصادية وهو ما يستدعي ان يكون الاختصاص معقود ايضا للمحاكم الاقتصادية بهذا القانون الاخير لاحتياج هذه الجرائم الي تخصص بنظرها .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى