من هو نقيب المحامين الذى استشهد به عاشور فى قضية التعليم المفتوح؟    

كتب: أشرف زهران

“فى عام 1919، انتخب المحامون مرقص حنا نقيبا لهم لمواجهة رئيس الوزراء المسيحي، الذي عينه الاحتلال، لإجهاض مخطط الفتنة الطائفية، ثم نُفى مرقص حنا، ورشحه المحامون نقيبا من جديد، ورفضت الجهة الإدارية، وأقام المحامون دعوى قضائية، وصدر حكم بأحقيته في الترشح دون سند قانوني، نتيجة لوعي القضاء بالهدف الأسمى، وهو استقلال مصر”.

بهذه الكلمات، استشهد سامح عاشور، نقيب المحامين، رئيس اتحاد المحامين العرب، بدور نقابة المحامين، ورجالها، والقضاء فى الحفاظ على الوطن، وذلك خلال مرافعته التاريخية بقضية التعليم المفتوح، والتى قضت فيها المحكمة بإلغاء الحكم السابق، وعدم قبول الدعويين المدنية والجنائية لرفعهما بغير الطريق الذي رسمه القانون.

فمن هو مرقص حنا الذى رشحه المحامون نقيبا لهم درءا للفتنة الطائفية؟

يعد مرقص حنا من أعلام المحاماة، ليس فى مصر فقط، وإنما فى الوطن العربى، فهو سياسي مصري وفدي سابق، شغل عدة مناصب وزارية، من بينها وزارتا الأشغال والخارجية، وانتخب نقيبا للمحامين.

مولده وتعليمه

ولد مرقص حنا فى عام 1872، وحصل على شهادة الحقوق من جامعة مونبلييه الفرنسية، ثم شهادة في العلوم الاقتصادية من جامعة باريس. ولدى عودته إلى مصر، عين سنة 1891 وكيلًا للنائب العام، لكنه لم يلبث أن استقال سنة 1904 ليعمل بالمحاماة. كان عضوًا بالحزب الوطني، واهتم بالرد على الإنجليز عندما اتهموا مصطفى كامل بالتعصب الديني، وكان من دعاة إنشاء الجامعة المصرية .

عمله بالمحاماة

فى عام 1904، قرر مرقص حنا أن يعمل بالمحاماة، وكان أحد أبرز الأعضاء بأول مجلس لنقابة المحامين سنة 1912، الذى ترأسه النقيب إبراهيم الهلباوى، ثم اختاره المحامون وكيلًا للنقابة سنة 1914 ، عندما انتخب عبدالعزيز باشا فهمى نقيبا.

منعا للفتنة الطائفية

وفى ديسمبر 1919، اختار المحامون مرقص حنا نقيبا، ثقة منهم فيه، ونكاية فى وزارة يوسف وهبة الموالية للإنجليز. وبهذا، يكون مرقص حنا هو صوت المعارضة، قبطى أمام قبطى، حتى لا يستغل الاحتلال الإنجليزى ذريعة الفتنة الطائفية.

 حنا نقيبا رغم اعتقاله

وبتولى مرقص حنا نقابة المحامين فى ديسمبر 1919، أصبح النقيب الثامن للنقابة العامة لمحامين مصر، وقد ظل فى هذا المنصب خمس دورات متتالية حتى 1924 -عندما كانت الدورة عاماً واحداً- حتى وهو فى السجن. ففى عام 1922، تعرض مرقص حنا للاعتقال مع بعض أعضاء الوفد بسبب مواقفه الوطنية. ووقتها، قام محمد أبوشادى، وكيل نقابة المحامين آنذاك، بمجهود شاق، إذ قام بجمع توقيعات جميع المحامين بالقطر المصرى على مذكرة، تم رفعها للملك، وطلب فيها مقابلته، وتم تشكيل لجنة للدفاع عن جميع المتهمين. وقد أرسل مجلس النقابة برقية إلى النقيب السجين مرقص حنا، قال فيها:

«يا حضرة الزميل .. سجنت أو لم تسجـن أنت نقيب المحـامين، ولقد زدت عندهم منـزلة، وعلوت قدراً بما تتحمله من الأذى والتضحية في سبيل أشرف وأنبل مقصد، فالله يرعاك فى شدتك، ويبارك فى إخلاصك وثباتك..».

النقيب المعتقل

إن المحامين بهذا العمل الوطنى العظيم ضربوا مثلا فى الوطنية والتماسك، فلم يأت أحدهم ليجلس على كرسى النقيب المعتقل. وبعد ثمانية أشهر، خرج مرقص حنا من السجن، وباشر مهام منصبه، ثم أعيد انتخابه مرة أخرى في 18 ديسمبر 1925، وظل في منصبه هذه المرة عامًا واحدًا.

يشار إلى أن مجلس نقابة المحامين، فى عهد مرقص حنا، قام بالإعلان رسميا عن مقاطعة لجنة «اللورد ملنر»، وقررت النقابة عمل إضراب لمدة أسبوع، يبدأ من اليوم التالى لحضور ملنر، وتم إبلاغ القرار لرؤساء محاكم الاستئناف، والمحاكم الابتدائية، وقضاة المحاكم الجزئية، ونشره كذلك بالصحف اليومية ليعلمه الجميع.

مرقص حنا وقضايا الوطن

في أبريل 1919، اختير مرقص حنا عضوًا بلجنة الوفد المركزية، برئاسة محمود سليمان باشا. وعقب فشل مفاوضات عدلي في إنجلترا في ديسمبر 1921، نُفي سعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة سيشل، ثم اعتقل الإنجليز قيادة الوفد الجديدة بالقاهرة، وهم حمد الباسل، وويصا واصف، ومرقص حنا، وواصف بطرس غالي، وعلوي الجزار، وجورج خياط، ومراد الشريعي، وأودعتهم ثكنات قصر النيل رهن التقديم لمحاكمة عسكرية بتهمة طبع منشورات تحض على كراهية واحتقار الحكومة المصرية، وصدر حكم المحكمة العسكرية على السبعة بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى السجن سبع سنوات، وغرامة خمسة آلاف جنيه، ثم أفرجت عنهم سلطات الاحتلال بعد ثمانية أشهر قضوها في السجن.

المناصب الوزارية

بعد ثورة 1919، وصدور تصريح 28 فبراير 1922، الذى نص على استقلال مصر، ترتب على ذلك صدور دستور 1923م، وأجريت الانتخابات البرلمانية، التى فاز فيها الوفـــد بأغلبية ساحقـــة( 195 مقعداً) من مقاعد مجلس النواب البالغ عــددها( 214 مقعدا)ً.

وفى أثناء تشكيل الوزارة، اعترض الملك فؤاد على تعيين اثنين من الأقــباط وزيرين، والوزارة كلها برئيسها سعد «عشـــرة»، واحتج الملك فــــــؤاد بأن الشارع المصرى قد لا يرضى عن هذا التشكيل الوزارى، ولكن رد سعد بأنه زعيم الأمة، ويعرف نبض الشارع، وتولى مرقص حـنا فى الوزارة الشعبية- وزارة سعد زغلول- منصب وزير الأشــــغال، وزميله القبطى الآخر كان واصف بطرس غـــالى، الذى تولى منصب وزير الخارجية. وكانت دعوى الملك أن الشعب معتاد على وجود وزير قبطى واحد، وليس اثنين. وقـــــد استمرت وزارة الشعب من 28 يناير 1924 إلى 24 نوفمبر من العام نفسه.

اختير «حنا» مرة أخرى وزيراً للمالية فى وزارة «عدلى يكن» الثانية ( من7 يونيو 1926 إلى 21 أبريل 1927م)، وهى الوزارة الائتلافية الأولى. ثم فى 1927، شكل «عبدالخالق ثروت باشا» الوزارة -الثانية- وتولى «مرقص حنا» منصب وزير الخارجية. وكانت هذه الوزارة من الوزارات الائتلافية الوفدية (من 25 أبريل عام 1927 إلى 16 مارس1928م).

وكانت له قضايا شهيرة انتصر فيها للحق، ولعل من أشهر تلك القضايا عندما اكتشف هيوارد كارتر مقبرة توت عنخ آمون، ومنع زيارة المصريين لها، وسمح للأجانب، وكان ذلك سنة ١٩٢٣. وعندما سمع بذلك مرقص باشا، اندهش، وكان وزيرا للأشغال، وقرر فتح الموضوع علنا، وأرسل حامية شرطة لإغلاق المقبرة، وحفظ حق مصر في آثار ملكها الشهير، توت عنخ آمون، وهاجمته الصحف الأجنبية، ولكنه أصر على موقفه لحماية تاريخ مصر وتراثها.

الوفاة

وفى أكتوبر عام 1934، رحل عن عالمنا النقيب، والسياسى، والمناضل، مرقص حنا، عن عمر ناهز 62 عاما، قضى أكثر من أربعين عاما منها فى خدمة بلاده، وقضية وطنه.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى