مدي إنطباق قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص علي العقوبات التأديبية

بقلم /د عبد العزيز عبد المعطي علوان

بادئ ذي بدء أن القاعدة الدستورية تنص علي أنه لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، وانه في حالة عدم وجود نص قانوني يجرم سلوكاً ما فإنه لا يعد جريمة تستوجب العقاب، حيث نصت المادة 95 من دستور 2014 الحالي والتي كانت تقابل نص المادة 76 من دستور 2012 الملغي، حيث نصت علي أن “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون “.

مما يدفعنا في هذه السطور الاجابة علي التساؤل التالي، ما مدي انطباق هذه القاعدة الدستورية علي الجريمة التأديبية؟ خصوصاً وان الجرائم التأديبية من الجرائم الغير مقننة ولا يوجد حصر تشريعي بهذه العقوبات كما هو منصوص عليه في قانون العقوبات.

لا شك أن المحكمة الادارية العليا، قد تعرضت لهذه الجزئية بالتفصيل في العديد من احكامها التي استبانت من خلالها عدم انطباق قاعدة لا جريمة ولا عقوبة الا بنص علي الرغم من تأكيدها ان العقوبة التأديبية هي عقوبة شخصية متفقة في ذلك مع احكام القانون الجنائي حيث تقول “المسئولية التأديبية- مهما كانت حرية السلطة التأديبية في تحديد عناصر الجريمة التأديبية، فإنها ملزمة بأن تستند في تقديرها إلى وقائع محددة ذات طابع سلبي أو إيجابي ارتكبها الموظف وثبتت قبله- المسئولية التأديبية مسئولية شخصية، شأنها في ذلك شأن المسئولية الجنائية- ….” حكم محكمة الادارية العليا، الطعن رقم 54130 لسنة 60 ق ع، جلسة 25/7/2015، مكتب فني 60، الجزء رقم 2، ص 1123.

ونستخلص من ذلك اتفاق العقوبة التأديبية والعقوبة الجنائية بأنهما عقوبتين شخصيتين، ولا يجوز توقيعهما علي غير من ارتكبها.

بينما اقرت ذات المحكمة أنه لا إنبطاق لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص علي الجريمة التأديبية، فقد تكون هناك مخالفة أو سلوك مشين يرتكبه الموظف ولا يوجد نص تشريعي أو لائحى يقرر ان هذا السلوك أو الفعل يشكل مخالفة تأديبية تستوجب عقابه، حيث تقول في ذلك أن مبدأ “لا جريمة إلا بقانون”- المقصود به- هذه القاعدة لا تطبق على الجريمة التأديبية، فليس من اللازم أن تصدر السلطة التشريعية أو جهات الإدارة قواعد تؤثم مسبقا بعض الأفعال حتى يعاقب الموظف- عدم وجود نص مانع أو مؤثم لفعل معين، لا يعني بالضرورة أن هذا الفعل مباح للموظف على نسق قانون العقوبات- لا تطبق قاعدة مفهوم المخالفة أو التفسير الضيق المقرر في قانون العقوبات في المجال التأديبي …” حكم محكمة الادارية العليا، الطعن رقم 61839 لسنة 61 ق ع، جلسة 25/7/2015، مكتب فني 60، رقم الجزء 2 ، ص 1123.

ولا شك أن تحديد الاعمال المباحة أو الممنوعة علي الموظف ارتكابها هي سلطة تقديرية لجهات التأديب تخضع لرقابة القضاء الاداري ومن قبله تخضع للرقابة الادارية، وفي ذلك تقول المحكمة الادارية العليا أن “تحديد الأعمال الممنوعة على الموظفين متروك لتقدير الجهات التأديبية، سواء أكانت جهات رئاسية أم جهات قضائية تحت رقابة المحكمة الإدارية العليا- تلتزم السلطات التأديبية في ذلك بضوابط الوظيفة العامة، على أن ترُدَّ الفعل المكون للذنب الإداري إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها- ليس لسلطة التأديب أن تتقيد بضوابط قانون العقوبات،….” حكم محكمة الادارية العليا، الطعن رقم 54130 لسنة 60 ق ع، جلسة 25/7/2015، مكتب فني 60 رقم الجزء 2 رقم الصفحة 1123، ويراجع في ذات المعني حكمها في الطعن رقم 29118 لسنة 60 ق ع، جلسة 4/9/2016، مكتب فني 61 رقم الجزء 2 رقم الصفحة 1587، وحكمها في الطعن رقم 21173 لسنة 52 ق ع، جلسة 12/3/2016، مكتب فني 61 رقم الجزء 1، رقم الصفحة 813.

ولعل ذلك يرجع الي صعوبة حصر وتقنين الجزاءات والمخالفات التأديبية لكثرتها وتنوعها من جهة ادارة الي جهة أخري، مما يعني ان تحديد عما اذا كان السلوك أو الواقعة يشكل مخالفة تستعدي توقيع العقوبة هي سلطة تقديرية للجهات التأديبية تخضع للرقابة الإدارية والقضائية علي حد سواء.

 

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى