كثرة التشريعات إيماءة على وهن الدولة ؟!

بقلم الأستاذ: طلال محمد على المحامي 

فما مدى صدق هذه العبارة ؟ وإن كانت الإجابة بنعم فهل هذه القاعدة مطلقة أم نسبية ؟ وما هو معدل التشريعات الصادرة سنويا عن البرلمان المصرى مقارنة ببعض البلدان الأخرى ؟
وهل سن التشريع هو روشتة الترياق الملائم والأمثل لكل آفة تصيب المجتمع ؟!

جميعها أسئلة جوهرية تدور ليس فقط فى ذهن المتخصصين القانونيين بل تشغل بال القارئ العادى الغير متخصص ، لذا سنحاول جاهدين بطرح رؤيتنا فى عُجالة مُبسطة.

* يقول على عزت بيجوفيتش _ وهو أول رئيس جمهورى للبوسنة والهرسك _
( إن كثرة القوانين فى مجتمع ما وتشعُبها والتعقيدات التشريعية علامة ودلالة يقينية على وجود شئ فاسد فى هذا المجتمع )وترتيبا على تعريف القاعدة القانونية وخصائصها كونها ” قاعدة عامة مجردة تنظم وتحكم سلوك الأفراد وتكفل للسلطة العامة احترامها بجزاء يوقع جبراً على المخالف ”
انطلاقاً من كونها قاعدة سلوكية أى أنها تحكم وتتحكم فى سلوكيات وأنشطة الأفراد المختلفة ( التجارية ، المدنية ، السياسية ، الجنائية ، الاقتصادية ، …إلخ )
لذا لا ينبغى مجابهة أى آفة بسَن التشريع فحسب بل يتوجب بحث أصل المسألة والوقوف على المسببات والعوامل المساعدة كى نقدر على وضع الروشتة الملائمة لبتر ذاك السبب معول الهدم واقتراف الفعل الآثم وألاَّ نعكف صامتين على القانون فحسب ،
فعلى سبيل المثال جرائم التحرش الجنسى والاغتصاب وهتك العِرض ،
إن قلبنا وتباحثنا فيها وفى جذورها سنرمق بأعيننا وجوارحنا أسباب ومسببات وعلل كثيرة لارتكاب تلك الجرائم ، منها _ مثالاً لا حصراً _ ما هو دينى وأخلاقى ومجتمعى ومادى وثقافى و…الخ.
فإذا وقفنا ع الجانب الدينى والأخلاقى وقمنا بالعزف على أوتاره من خلال القنوات الشرعية من مؤسسات دينية وتعليمية وندوات تثقيفية ومادة إعلامية تَحُث ع التشبث والتعاضد بتعاليم صحيح الدين وإتيان ما أمر به رب العباد والانتهاء عما حرمه ، هنا تستيقظ الضمائر الغافلة لترى ربها فى كل أفعالها رقيبا عليها ، لذا سيكون ذلك عاملاً رئيساً فى تراجع وتضاءل نسبة الجرائم ،
أيضا لا نغفل عن الشد على وتر الحصيلة الثقافية والفكرية الراسخة والمتوطنة فى عقول الأفراد ، فمنها ماهو صحى ومنها ما هو بالى وقميئ مثال :
الثأر فى صعيد مصر .
الاشتراطات والمشارطات المرهقة للزواج من مهر بكذا ، وشبكة ومؤخر ومقدم ومسكن و…الخ ، مما تكون سبباً فى ارتفاع نسبتى العنوسة وانحراف الشباب وملاذهم للجريمة لطرائق غير مشروعة لإفراغ حميم براكين شهواتهم نظراً لمحدودية امكانتهم وقدراتهم المادية أمام تلك العقبات والعثرات المتطلبة منهم ومن سد إنغلاق وإنسداد طرائق الزواج.

جميعها مسببات وتسبيبات لا يقوى القانون فحسب على مجابهتها ، فإن كانت الدولة عفية قوية ، تخففت وتحففت من سن التشريعات وتكاثرت وتناسلت فى التفكير والإبداع بحثاً وتنقيباً عن مسببات الجرائم ووصف الترياق الملائم وحقنه فى التوقيت المناسب مما يقلص من فرص مقارفة الجرائم ، والعكس بالعكس ، إن كانت الدولة واهنة واهية متكاسلة تجعل من البرلمان المشفى المركزى والعلاجى لكل آفة ومشكلة لتخرج لنا بسن تشريعات وقوانين فورية حال بزوغ أى إشكالية وآفة ، فهذا يُعد من أشد أنواع الفساد وأجلُها .
* كثرة التشريعات والقوانين وتشعبها يؤدى فى كثير من الأحيان إلى التضارب والتناقض والتعقيد ، فللنظر للبرلمان المصرى فى دور الانعقاد الثانى فى 2017 قد أصدر 217 تشريعاً ، فى حين أن البرلمان الإيطالى يفرز سنوياً أكثر من 180 قانوناً ، مقابل 90 قانوناً للبرلمان الفرنسى ، 55 للبرلمان الألمانى ،
وقد قيل فى تصريح سابق على لسان المستشار / زكريا عبدالعزيز رئيس نادى القضاة الأسبق ” أنه قد تجاوز عدد التشريعات طاقة رجال القانون كونه وصل إلى ما يقارب 98 ألف تشريع” .

* وعصارة القول أنه يتوجب علينا الاقتصاد فى سن التشريعات دون إفراط أو تفريط فإصدار التشريع ملائم وصحى مادام عادلاً حكيماً دون تزيُد .

 

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى