ضوابط إباحة القذف بين الخصوم أمام المحاكم

بقلم أ: علي سيد أبوصديره 

أطلق المشرع المصرى عنان الكلام للخصوم للدفاع عن حقوقهم أمام الجهات القضائية على اختلاف أنواعها وتباين درجاتها القضائية وذلك لغاية تغياها وهي؛ إثبات الحقوق المدعى بها ودحض الإتهامات وتجريح الأدلة ومناقشتها وإثبات عكسها وفى هذا تطبيق للمبدأ المكفول بالدستور والقانون ألاوهو حق الدفاع أمام المحاكم.

وفى سبيل ذلك أباح المشرع القذف بين الخصوم خروجا على الأصل العام في تجريم فعل القذف في أحواله العادية المنصوص عليها فى قانون العقوبات المواد 302 وما بعدها إلى المادة 309من ذات القانون فى الباب السابع بعنوان : القذف والسب وإفشاء الأسرار، من الكتاب الثانى بعنوان : الجنايات والجنح التى تحصل لآحاد الناس.

وبالنظر إلى طبيعة هذا الحق الإستثنائية فقد عمد المشرع إلى تقييده وعدم التوسعة فيه وقد تم ذلك بضع ضوابط وشروط للاستفادة من إباحة القذف حال المدافعة الشفوية أو الكتابية أمام الجهات القضائية أو المحاكم . وإباحة القذف بين الخصوم أمام المحاكم يستقى مشروعيته من السند القانونى المنصوص علىه بالمادة 309 من قانون العقوبات ونصها على ” لا تسرى أحكام المواد 302/303/305/306/308 على ما يسنده أحد الأخصام فى الدفاع الشفوى أو الكتابى أمام المحاكم ، فإن ذلك لايترتب عليه إلا المقاضاة المدنية أو المحاكمة التأديبية “.

من صراحة هذا النص يتعين توافر شروط ثلاثة مجتمعة للإستفادة أو للدفع بإباحة القذف فى هذه الحالة هذه الشروط مستقاة من ذات النص آنف الإيراد إ جمالها فى :

1-أن يكون فعل إسناد القذف بين الخصوم

2- أن يكون موضع القذف أتناء المدافعة الشفوية أو الكتابية أمام المحاكم على إختلاف درجاتها وأنواعها كما بينا سلفا

3- وأخيرا أن تكون العبارات محل القذف مما يستلزمه موضوع الدعوى أو الدفاع .

هذه الشروط إجمالا ومن أرد أن يستزيد فليراجعها فى موضعا بالمؤلفات العامة والخاصة فى قانون العقوبات .

وعليه فإن تخلف أحد هذه الشرائط المتقدم ذكرها بأن كان القذف ليس من خصم لآخر أو كانت العبارات مما لا يقتضيها مقام الدفاع فى النزاع المعروض على بساط البحث بين يدى محكمة الموضوع يبقى الحظرعلى أصله ويرد الفعل إلى أصله فى التجريم ولا ينخلع عنه وصف الجريمة ولا ينتقل من دائرة التجريم إلى دائرة االإباحة ويظل القاذف مسئولا عما ورد فى دفاعه الشفهى أو الكتابى جنائيا أومدنيا أوتأديبيا طبقا لمنطوق نص المادة 309 سالفة الذكر .

ولا يتعذر هنا ء بأن أحد الخصوم لم يكن على دراية كافية أو معرفة قانونية تؤهله لحسن المرافعة والمدافعة شفاهة أو كتابة ليحسن التعبير ويجيد صياغة الرد فى حكمة وروية إذ أن ذلك مردود عليه بأن قانون العقوبات لا يعترف بالجهل بالقانون . ولا يقبل من الخصوم الإعتذار بجهله وفقال للمبدأ العام . فالعلم بالقانون مفترض فى الخصوم بل فى جميع الناس .

كما أن فى مكنتهم الإستعانة بمن يحسن الدفاع عنهم من المحامين وغيرهم من الوكلاء وفقا لقانون المرافعات . ولذا نهيب بالخصوم أن يستعينوا بأحد المدافعين قبل أن يطرقوا أبواب القضاء تجنبا لإحتمال إنزلاقهم فى مهاوى وبراثن الإتهام .

\هذا من الوجهة الفقهية أو التشريعية . وإذا ما ولينا الوجهة نحو تطبيقات القضاء فنجد لذلك المبدأ تطبيقات غزيرة متعاقبة ومستقر عليها من أمد بعيد أقتطف مثالا من أحكام محكمة النقض الجنائىالجنائى ومثالا آخر من أحكام محكمة القضاء الإدارى . المثال الأول : تقول محكمة النقض الجنائى : ” جرى قضاء محكمة النقض على أن حكم المادة 309 من قانون العقوبات ليس إلا تطبيقا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدرالذى يستلزمه ، وأن هذا الحق أشد ما يكون إرتباطا بالضرورة الداعية إليه وما أورده الطاعن فى مذكرته من عبارات نسب فيها إلى المدعى بالحق المدنى أنه طابت نفسه لأخذ مال الغير وأنه ليس له أن يطمع فيما لايطمع فيه غيره من الخصوم ، وأنه ليس قاضيا فحسب بل شريك فى جراج للسيارات ، وأنه ليس قاضيا خالصا للقضاء بل يعمل بالتجارة ، فإنها عبارات لا يستلزمها الدفاع فى القضية المرفوعة منه على المدعى بالحق المدنى “.
(نقض 8/10/1972 – مجموعة أحكام النقض س23ق – رقم 221 – ص995 ) .

المثال الثانى :
تقول محكمة القضاء الإدارى : << أنه وإن كانت حرية الدفاع حق مقدس مجمع على وجوب إحترامه وكفالته ، إلا أنه من المقرر أن لهذه الحرية حدها الطبيعى الذى تقف عنده ، بأن تكون المرافعات الشفوية أو المكتوبة بعبارات والفاظ تعف عن اللذعات الجارحة والقول الفاحش إحتراما للهيئات القضائية وتوقيرا لها ، وصونا لشرف الناس وكرامتهم وسمعتهم ، ومن أجل ذلك كانت للمرافعة والمدافعة تقاليد وأصول وقواعد تنبثق من أدب الدين وأدب الدنيا تضافرت على أن الجدل لا يكون إلا بالحسنى ، وإن من كان له حق فليطلبه فى عفاف ، فإذا جاوز الخصوم أو المدافعون عنهم هذا الحد ، وخرجوا على تلك التقاليد والأصول ، ولم يلتزموا عند الطعن فى أحكام جهات القضاء أو التعقيب على أراء الهيئات التى تعاونها ، ما يجب لهذه الأحكام والآراء من إحترام فأطلقوا فيها ألسنتهم بالتأنيب المر والنقد اللاذع والطعن بغير إتزان وروية وحكمة ، وإذا أشتطوا فى حرارة الخصومة وحدتها ، فأنذلقوا إلى مهاوى الدفاع المبتذل بإستعمال العبارات والكلمات الجارحة أو المخالفة للآداب العامة أو النظام العام ، سواء طلب الخصم منه ذلك أو لم يطلب طبقا لنص المادة 127 من قانون العقوبات “.

( ق . د فى 30/6/1957 – ق983 – س9 – مجموعة السنة 11 – بند 377 – ص 607 ) . وختاما نذكر أنه يجب على الخصوم إذا ما حضروا بأنفسهم أو محاميهم إذا وكلوا عنهم أن يترفعوا فى المرافعة بأنفسهم عن تجريج الخصوم بما لا طائل من ورائها . كما يمتنع علي المحامى وفقا لقانون المحاماة أن يذكر الأمور الشخصية التى تمس شخص الخصم او محامية . وإلا فالخصم المتجاوز لحده مستشيط الخصومة بلاتروى أو حكمة اومعرفة أو دراية بالجرائم وعقوباتها أن يسىء لخصمه وإلا هوى فى براثن الجرائم من حيث لادراية ولا إستجلاء معرفة قضائية من متخصصين . فكما تعلمنا ” أن الخصومة موضوعية وليست شخصية “.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى