صناعة اللقاحات وحقوق الملكية الفكرية

بقلم الدكتور/ وليد محمد وهبه  

على واقع تفاقم الوضع الوبائي في عدد من الدول، لا سيما الهند، ومعاناة الدول الفقيرة من نقص كبير في جرعات لقاحات فيروس كورونا، أعلنت الولايات المتحدة، الأربعاء الخامس من مايو (أيار)، تأييدها رفع براءات اختراع اللقاحات، في خطوة لاقت ترحيبًا من هنا وتحفظًا من هناك، فقد أيد الاقتراح كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن التحالف العالمي للقاحات والتحصين “غافي”، بينما رفضت المانيا الاقتراح، وأعلن الاتحاد الأوروبي استعداده لمناقشة الطرح الأميركي، فيما أبدى المصنعون رفضهم الضمني للمقترح.

وحققت عَوْلَمة حماية الملكية الفكرية للأدوية تقدُّمًا مطردًا خلال العقد المنصرم؛ فالبلدان ملتزمة بتكييف تشريعاتها كشرط للحصول على العضوية في منظمة التجارة العالمية، أو كشرط لتكون جزءًا من الاتفاقات الدولية الخاصة بالتجارة، ويزداد الإدراك بأنه في البلدان المنخفضة الدخل تمثِّل الحماية الأقوى للملكية الفكرية حاجزاً أمام الحصول على الأدوية.

وفي الوقت نفسه، يتزايد عدد البلدان المنخفضة الدخل التي تضع تشريعات وطنية لحماية الملكية الفكرية للمنتجات الصيدلانية في جميع أرجاء العالم، إلا أن الأبحاث التي تجرى حول الطرق التي تـتم فيها هذه العملية على الصعيد الوطني قليلة.

ومن خلال إجراء تحليل مقارن بين البلدان التي هي جزء من الاتفاق الخاص بالتجارة الحرة، فقد أوضح التحليل ثلاثة اتجاهات، الاتجاه الأول لبلدان يغلب أن تنفذ حماية للملكية الفكرية بصورة أقوى مما تـتطلبه الاتفاقات التجارية، والاتجاه الثاني لبلدان تبنت حماية الملكية الفكرية قبل توقيعها على الاتفاقات التجارية، والاتجاه الثالث لبلدان زاد فيها الجدل على الصعيد الشعبي حول هذه القضايا لدى تصديقها على اتفاق التجارة الحرة، وقد أدى ذلك في بعض الحالات إلى ظهور تشريعات حول الملكية الفكرية تأخذ بالاعتبار الاحتياجات في الصحة العمومية.

وتشير هذه الاتجاهات إلى أن البلدان الصناعية وشركات صناعة المستحضرات الصيدلانية تستخدم أساليب مختلفة ولا تقتصر على ما ورد في الاتفاقات التجارية وذلك للدفع باتجاه زيادة حماية الملكية الفكرية، وتمثِّل عملية التشريع الوطني حلبة حقيقية للمواجهة بين الاحتياجات التي تتطلبها الصحة العمومية وبين تلك الخاصة بالشركات الصناعية.

وتواجه منظمة التجارة العالمية دعوات دول بينها مصر، وتقود هذه الدعوات الهند وجنوب أفريقيا، للتنازل عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات ضد فيروس كورونا، وهي فكرة ترفضها شركات الأدوية العملاقة وبلدانها بشكل قاطع، وتطرح المنظمة المسألة المثيرة للانقسام، خلال أول اجتماع لمجلسها العام الذي يعقد اليوم وغدا، مع تولي مديرتها الجديدة منصبها.

وترى بعض الدول في التنازل عن الملكية الفكرية، إجراء يسمح بتسريع الجهود لوضع حد للوباء الفتّاك الذي شلّ الاقتصاد العالمي، وقضى على حياة مئات الآلاف حول العالم، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية «فرانس برس».

الفكرة الأساسية للمقترح قدمتها الهند وجنوب أفريقيا في 2 أكتوبر الماضي، خطتهما المتعلقة بالملكية الفكرية، وحازت دعم عدد كبير من الدول الناشئة التي جاءت في موقع متأخر من السباق العالمي للحصول على اللقاحات.

ويقترح النص، منح إعفاء مؤقت من بعض الالتزامات بموجب الاتفاق حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية المعروف باسم «اتفاق تريبس»، بما يمكّن أي بلد من إنتاج اللقاحات بدون الاكتراث لبراءات الاختراع.

ويغطي الاعفاء أيضا «التصاميم الصناعية وحقوق التأليف والنشر وحماية المعلومات غير المكشوف عنها»، على أن يسري «حتى تنفيذ التلقيح على نطاق واسع عالميا واكتساب غالبية سكان العالم مناعة» ضد الفيروس.

في نهاية تسعينات القرن الماضي، أثارت الأدوية المضادة للفيروسات الارتجاعية ثورة في علاج متلازمة نقص المناعة المكتسبة الايدز، لكنّ تكلفة هذه الأدوية جعلتها خارج متناول المرضى، واستغرق الأمر عدة سنوات حتى 2001 ليتم توقيع اتفاقيات لتسهيل تصنيع وتوزيع أدوية مضادة للفيروسات الارتجاعية بأسعار منخفضة للدول الفقيرة، خاصة مع انتشار المرض في دول أفريقيا الفقيرة.

ثم سمح اتفاق مؤقت في عام 2003، تم تثبيته لاحقًا في عام 2005، بالتنازل عن حقوق الملكية الفكرية بما يسمح للبلدان الفقيرة التي تواجه أمراضا معدية خطيرة مثل الملاريا والسل والإيدز، باستيراد أدوية جنسية إذا لم يكن بوسعها صنعها بنفسها.

عبدالعال فتحي

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى