صناعة التشريعات في عالم متغير.. حصانة الوزراء

بقلم الدكتور: أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

لمبدأ الفصل بين السلطات جذور ضاربة في تاريخ الفكر السياسي منذ زمن بعيد، حيث جرى تفكير الفلاسفة والمفكرين منذ أقدم العصور على تقسيم وظائف الدولة، وإسناد كل وظيفة منها إلى أفراد أو هيئات مختلفة، وعدم تركيزها في فرد أو هيئة واحدة، منعاً لتغول إحدى الهيئات أو افتئاتها على الأخرى. إذ يرى الفيلسوف الإغريقي أفلاطون ضرورة توزيع وظائف الدولة على هيئات متعددة ومختلفة، مع إيجاد نوع من التوازن بينها، حتى لا تستبد هيئة منها بالحكم في الدولة، فتضطرب أحوالها، ومن ثم يؤدي ذلك الاضطراب إلى تذمر الشعب، مما قد ينجم عنه انقلابات وثورات للقضاء على الاستبداد. وهكذا، أدرك أفلاطون ضرورة فصل وظائف الدولة، وفصل الهيئات التي تتولاها عن بعضها، على أن تتضافر كلها لبلوغ الهدف الرئيسي للدولة، والمتمثل في تحقيق النفع العام للشعب. وبغية تجنب انحراف هيئات الحكم عن اختصاصاتها وأهدافها، يبدو من الضروري أن تتقرر لها في مواجهة بعضها البعض وسائل للرقابة، يراد بها منع انحرافها ووقوف كل هيئة منها عند حدود اختصاصاتها الدستورية. أما الفقيه الفرنسي الكبير «إسمان»، فقد عرف «الفصل بين السلطات» بأنه «المبدأ الذي يقضي بإسناد خصائص السيادة التي يختلف بعضها عن بعض إلى أفراد أو هيئات مختلفة، ومستقل بعضها عن بعض كذلك. ولما كانت الأمة هي مصدر السلطات، فهي التي تسند هذه الخصائص المختلفة والمستقلة إلى الهيئات المختلفة والمستقلة.

ومع أن الفيلسوف الفرنسي «مونتسكيو» ليس أول القائلين بمبدأ الفصل بين السلطات، فإن هذا المبدأ اقترن باسمه، وأصبح ينسب إليه، والسبب وراء ذلك هو عنايته الفائقة بدراسته وصياغته له صياغة جديدة، وعرضه عرضاً واضحاً ودقيقاً. ففي مؤلفه الشهير «روح القوانين»، عرض «مونتسكيو» مبدأ الفصل بين السلطات، حيث رد خصائص السيادة في الدولة إلى سلطات ثلاث متميزة عن بعضها البعض، وهي: السلطة التشريعية، والسلطة المنفذة للقانون العام (أي السلطة التنفيذية)، والسلطة المنفذة للقانون الخاص (أي السلطة القضائية). وبعد أن ميز «مونتسكيو» بين هذه السلطات الثلاث، رأي ضرورة فصلها عن بعضها، وتوزيعها على هيئات مستقلة، مستنداً في ذلك إلى اعتبارين أساسيين: أولهما، أن تجميع السلطات في يد واحدة يفضي إلى الاستبداد. فطبيعة النفس البشرية تميل إلى الاستبداد إذا استأثرت بالسلطة. وقد عبر «مونتسكيو» عن هذا النظر أصدق تعبير، حين قال إن «كل إنسان يتمتع بسلطة، يسئ استعمالها، إذ يتمادى في استخدامها إلى أن يجد حدوداً توقفه. إن الفضيلة نفسها في حاجة إلى حدود. وللوصول إلى عدم إساءة استخدام السلطة، يجب أن يقوم النظام على أساس أن السلطة توقف أو تحد السلطة، ولا قيمة للقوانين أو القواعد الدستورية إن لم تكن السلطات في أيدي هيئات مستقلة تحرص كل منها على استعمالها، لتحقيق الصالح العام وليس للصالح الشخصي». أم الاعتبار الثاني، فهو أن فصل السلطات عن بعضها البعض هو الوسيلة الوحيدة التي تكفل احترام القوانين وتطبيقها تطبيقاً صحيحاً. وهذا يؤدي بالضرورة إلى احترام الحقوق والحريات الفردية.

وقد كانت لنظرية «مونتسكيو» في الفصل بين السلطات أصداءٌ واسعة، سواء على الصعيد الفقهي حيث عني فقهاء القانون الدستوري في العالم أجمع بشرحها والتعليق عليها، أم على صعيد التطبيق العملي، حيث أشارت إليها العديد من الدساتير، وإن كان بعضها قد غالى في تطبيقها وبعضها الآخر قد فهمها على نحو غير صحيح. ويبدو هذا التأثر بشكل واضح في دستور الولايات المتحدة الأمريكية الصادر سنة 1787م، وإن لم ينص بشكل واضح وصريح على مبدأ الفصل بين السلطات. ويبدو تأثير نظرية «مونتسكيو» بشكل أكثر وضوحاً في بعض دساتير الولايات الأمريكية، والتي تشير صراحة في نصوصها إلى تبني مبدأ الفصل التام بين السلطات. كذلك، اعتنق رجال الثورة الفرنسية مبدأ الفصل بين السلطات وسجلوه في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789م. إذ تنص المادة السادسة عشرة من هذا الإعلان على أن «كل مجتمع لا يتأكد فيه ضمان الحقوق، ولا يتقرر فيه الفصل بين السلطات، هو مجتمع بلا دستور». كما ورد النص على المبدأ ذاته في دستور سنة 1791م، وفي دستور السنة الثالثة للجمهورية الفرنسية. وبدوره، نص الدستور الفرنسي لسنة 1848م على أن فصل السلطات هو الشرط الأول لكل حكومة حرة.

وهكذا، تقرر معظم الدساتير المعاصرة مبدأ الفصل بين السلطات، وإن كان هذا الفصل ليس مطلقاً أو تاماً. بل إن تعبير «الفصل بين السلطات» ذاته لم يعد مستخدماً في الفقه الدستوري الحديث، وإنما حل محله تعبير آخر، وهو «مبدأ التوازن بين السلطات». واحتراماً لهذا المبدأ، ومنعاً لتغول إحدى السلطات على السلطتين الأخريين، تقرر التشريعات الجنائية حصانة جنائية لأعضاء البرلمان، وبحيث لا يجوز سؤالهم أو استجوابهم أو محاكمتهم جنائياً إلا بعد الحصول على إذن من البرلمان. كذلك، ورغم أن النيابة العامة هي في التشريعات الجنائية المعاصرة جزء من السلطة القضائية، وعلى الرغم من أن المحاكمة ستتم أمام قضاة ينتمون إلى السلطة القضائية ذاتها، فإن القضاة يتمتعون بالحصانة الجنائية، وبحيث لا يجوز سؤالهم أو استجوابهم أو محاكمتهم جنائياً إلا بناء على إذن من مجلس القضاء. وهكذا، يبدو جلياً أن أعضاء السلطتين التشريعية والقضائية يتمتعون بالحصانة الجنائية. ويتبقى إذن أعضاء السلطة التنفيذية، أي الوزراء، وبحيث يثور التساؤل عما إذا كانوا يتمتعون بالحصانة ذاتها أم لا، وبحيث لا يجوز سؤالهم إلا بعد استئذان مجلس الوزراء، ولا يجوز توجيه الاتهام إليهم سوى من البرلمان. وستكون الإجابة عن هذا التساؤل هي محور البحث في هذه الدراسة، والتي نخصصها للحديث عن حصانة الوزراء في ضوء التشريعات الجنائية المعاصرة.

أهمية الدراسة

ربما هذه هي المرة الأولى التي يقرأ أو يسمع فيها القارئ المصري والعربي عن مصطلح «حصانة الوزراء». بل إن البعض قد لا يستسيغ استعمال هذا المصطلح، مستغرباً ومتعجباً أن يتمتع الوزراء وأعضاء السلطة التنفيذية بحصانة جنائية أو بإجراءات خاصة للمساءلة الجنائية. ومن هنا، تبدو أهمية هذه الدراسة، والتي تعتبر – دون مغالاة في القول – الأولى من نوعها في الفقه القانوني العربي. وإذا كان الفقه القانوني الجنائي في الدول العربية قد أسهب في الحديث عن «الحصانات الجنائية» بأنواعها المختلفة، الدبلوماسية والنيابية والقضائية، فإن معظم الكتابات الفقهية قد وردت خلواً من أدنى إشارة إلى الحديث عن حصانة الوزراء. ولا يستثنى من ذلك سوى بضعة مؤلفات نادرة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، حيث تشير هذه الكتابات في بضع صفحات فحسب إلى إجراءات «تحريك الدعوى الجنائية ضد الوزراء» في ظل الدستور المصري الملغي لسنة 1971م.

خطة الدراسة

لإلقاء الضوء على الموضوع الذي نحن بصدده، نرى من الملائم أن نشير أولاً إلى بعض الإشكاليات أو القضايا العملية ذات الصلة بمساءلة الوزراء، ثم نقوم بعد ذلك بإلقاء الضوء على خطة التشريعات الجنائية المقارنة بشأن حصانة الوزراء ومدى إفراد إجراءات خاصة لمساءلتهم وتوجيه الاتهام ومحاكمتهم عن الجرائم المنسوبة إليهم، وذلك في مبحثين، كما يلي:

المبحث الأول: إشكاليات عملية بشأن مساءلة الوزراء.

المبحث الثاني: حصانة الوزراء في خطة التشريعات المقارنة.

المبحث الأول

إشكاليات عملية بشأن مساءلة الوزراء

في الجمهورية الفرنسية، وفي شهر يوليو 2021م، حدثت أزمة كبرى بين وزير العدل الفرنسي، وهو محام سابق، وبين القضاة. وقيل إن السبب وراء هذه الأزمة هي مناداة الوزير بتطوير النظام القضائي وانتقاده المتواصل للقضاة. وأياً كان السبب وراء هذه الأزمة، وفي الأول من شهر يوليو 2021م، قام محققون بتفتيش مبنى وزارة العدل، للتحقيق في مدى وجود تعارض بين تولي الوزير لمنصب وزير العدل وبين عمله كمحام شهير. وبالفعل، وفي السادس عشر من شهر يوليو 2021م، قام المحققون بتوجيه الاتهام بشكل رسمي للوزير على خلفية قضية تضارب مصالح مرتبطة بنشاطات سابقة له حين كان يعمل كمحام. وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يوجه فيها القضاء الفرنسي تهمة لأحد وزراء العدل أثناء توليه مهام منصبه.

وفي الجمهورية اللبنانية، وفي يوم الخميس الموافق السادس والعشرين من أغسطس 2021م، وفي إجراء وصف في أوساط الرأي العام اللبناني بأنه «مفاجئ» و«جريء»، أصدر المحقق العدلي (قاضي التحقيق) في قضية انفجار مرفأ بيروت، طارق البيطار، مذكرة إحضار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، بعد امتناعه عن حضور جلسة استجواب. ونصت مذكرة الإحضار التي تم تداول صورتها في وسائل الاعلام على أن تقوم قوة مسلحة بإحضار رئيس الحكومة اللبنانية حسان بهاء الدين دياب من السراي الحكومي (مقر رئاسة الوزراء بلبنان) للمثول أمام المحقق العدلي (قاضي التحقيق)، بصفته مدعى عليه للاستماع اليه واستجوابه في قضية انفجار ميناء بيروت البحري.

ويأتي هذا الإجراء غداة تلقي المحقق العدلي كتاباً من الأمانة العامة لمجلس الوزراء تحدث عن «موانع دستورية تحول دون مثول رئيس الحكومة أمام القضاء العدلي»، ولكن المحقق العدلي اعتبر أن هذا الجواب «لا قيمة قانونية» له، وكلف بالتالي القوى الأمنية بإحضار رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى دائرته قبل أربع وعشرين ساعة من موعد جلسة الاستجواب التالية التي حددها في العشرين من سبتمبر 2021م. وقد أصدر المحقق العدلي مذكرة الإحضار مستنداً إلى المادة 106 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، والتي توجب «على المدعى عليه أن يحضر أمام قاضي التحقيق بعد تبلغه، وإذا لم يحضر من دون عذر مشروع، عندها يصدر قاضي التحقيق مذكرة إحضار بحقه تتضمن أمراً خطياً إلى قوى الأمن لتأمين إحضاره خلال مهلة 24 ساعة من موعد الجلسة المقررة». وتجدر الإشارة إلى أن المحقق العدلي ادعى في سياق التحقيق على مسؤولين بينهم دياب، واستدعى أربعة وزراء سابقين، ثلاثة منهم نواب حاليون، ومسؤولين أمنيين للاستجواب. لكن البرلمان رفض رفع الحصانات عن النواب ولم يمنحه وزير الداخلية إذنا للاستماع إلى أمنيين أبرزهم المدير العام للأمن العام. والواقع أن هذه القضية أثارت جدلاً قانونياً في لبنان بخصوص ما إذا كان الوزراء يتمتعون بالحصانة. ويبدو أن المحقق العدلي قد استند في إصداره مذكرة الإحضار إلى أن الحكومة التي يرأسها حسان دياب آنذاك، أي في وقت صدور المذكرة، هي حكومة تصريف للأعمال فقط.

وفي رد فعل على هذا الإجراء غير المسبوق، وفي ذات يوم صدور مذكرة الإحضار، أصدر رؤساء حكومة لبنان السابقون، نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام، يدينون فيه إصدار المحقق العدلي مذكرة الإحضار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، بعد امتناعه عن حضور جلسة استجواب، مؤكدين أن ذلك سابقة خطيرة، موجهين أصابع الاتهام إلى الرئيس ميشال عون في انفجار مرفأ بيروت. وقال رؤساء الحكومة السابقون، في بيان مشترك، بثته الوكالة الوطنية للإعلام (وكالة الأنباء اللبنانية)، إنه لم يسبق أن سجل في تاريخ لبنان ورقة إحضار بحق رئيس الحكومة اللبنانية على صورة الإحضار الذي خطه المحقق العدلي بجريمة تفجير المرفأ. وأضاف البيان: «هذه السابقة خطيرة بكل الأبعاد السياسية والوطنية والدستورية، وتنم عن إجراء غير بريء يتسلق القانون، وغضب أهالي الضحايا بالجريمة المدوية، لينال من موقع رئاسة الحكومة دون سواها من المواقع العليا في الدولة اللبنانية، التي يشار اليها نهاراً جهاراً بمسؤولية وقوع هذه الجريمة». اعتبر رؤساء الحكومة السابقون أن «هذا الإجراء محفوف بالشبهات السياسية، لأنه يتقاطع مع محاولات لم تتوقف من سنوات للانقلاب على اتفاق الطائف وكسر هيبة رئاسة الحكومة وتطويق مكانتها في النظام السياسي، وهي أفعال تشهد عليها الممارسات القائمة منذ عامين لتعطيل تشكيل الحكومات وتطويق الصلاحيات الدستورية للرؤساء المكلفين»، وذلك على حد وصف عبارات البيان الصادر عنهم في هذا الشأن. وأشار رؤساء الحكومة السابقون، في بيانهم، إلى أن «لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية يفترض أن تخضع أعمال دولتها لأحكام دستورها وقوانينها، وليس لسلطة عدالة انتقائية، لافتين إلى أنه كان قد تقدم مجموعة من النواب باقتراح قانون من أجل رفع جميع الحصانات من أي نوع كانت، ودون أي استثناء بما يعني تعليق المواد الدستورية المخصصة للحصانات النيابية والوزارية والرئاسية، وذلك لإحقاق العدالة، لاسيما وأن فخامة الرئيس ميشال عون شخصياً اعترف بأنه قد علم بوجود هذه الكميات الكبيرة من الأمونيوم نتريت، في عنابر مرفأ بيروت قبل خمسة عشر يوما من تاريخ التفجير المريب، وعلى وجه الخصوص، وأن فخامته هو الضابط وقائد الجيش السابق الذي يعلم تمام العلم بأنه وحسب القوانين المرعية الإجراء في لبنان يحظر إدخال أي كمية كانت من هذه المواد إلى الأراضي اللبنانية من دون إذن مسبق من مجلس الوزراء وذلك بعد موافقة المراجع العسكرية والأمنية المختصة، ولاسيما ما تعنيه وتشكله تلك المواد من مخاطر هائلة». وفي اتهام واضح من جانبهم للرئيس ميشال عون، بالمسؤولية عن انفجار مرفأ بيروت، قال رؤساء الحكومة السابقون، في بيانهم: «إن مدة الخمسة عشر يوماً هي مدة زمنية كافية لتفكيك قنبلة نووية، فكيف الحال بالنسبة لهذه المواد القابلة للتفجير، وبالتالي فقد تقاعس فخامته وامتنع عن القيام بأي عمل ذي قيمة عملية للحؤول دون حصول تلك الكارثة الإنسانية والاقتصادية والعمرانية التي حلت بلبنان. وهذا ما يعني وجوب أن ترفع الحصانة كذلك عن رئيس الجمهورية فيما خص هذه الجريمة الخطيرة التي اصابت لبنان، وبالتالي وعندها يتحرر المحقق العدلي من نصوص لا تعطيه حقوقاً قانونية ودستورية في محاكمة الرؤساء وسواهم». وأشاروا إلى أنه في ضوء ما تقدم يرى الرؤساء السابقون للحكومة أن استمرار التجاهل لاقتراح القانون الرامي إلى تطبيق العدالة الكاملة على الجميع دون تمييز أو انتقائية يعتبر اعتداءً موصوفاً على العدالة وعلى الدستور اللبناني وعلى المؤسسات الدستورية. هذا فضلاً عن كونه يشكل إهانة علنية لموقع رئاسة الحكومة، واستضعافاً مرفوضاً لرئيس الحكومة المستقيل، وإعلاناً مفضوحاً عن إدارة ملف التحقيق العدلي من أروقة قصر بعبدا.

وفي اليوم التالي مباشرة لصدور بيان رؤساء الحكومة السابقين، أي في السابع والعشرين من أغسطس 2021م، ورداً على هذا البيان، أصدر مكتب الإعلام بالرئاسة اللبنانية بياناً، جاء فيه: «في التوقيت والشكل والمضمون، من المؤسف حقاً أن يرد في البيان المذكور اتهام رئيس الجمهورية بموضوع تفجير مرفأ بيروت الكارثي في 4 أغسطس 2020، في حين أن الرئيس قد سبق له أن وضع نفسه بتصرف المحقق العدلي في الجريمة المذكورة لسماع شهادته في حال استنسب المحقق العدلي ذلك لمنفعة التحقيق». وأضاف البيان: «إن الامتياز الذي تمنحه المادة 60 من الدستور لا يعني عدم إمكان ملاحقة الرئيس ومساءلته في حال ثبوت مسؤوليته بمعرض أي جرم عادي، ذلك أن هذا الامتياز الوجوبي، على ما هو النص الدستوري، ليس تحصيناً تتوقف عند عتبته العدالة». وتابع: «إن هذا الامتياز مرده إلى أن الرئيس هو طيلة ولايته رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن وقاسم اليمين الدستورية بالإخلاص للدستور وقوانين الأمة اللبنانية من دون سواه من رؤساء السلطات الدستورية أو الوزراء أو النواب، وأن نص المادة 60 من الدستور يتوافق كلياً مع النصوص المعمول بها في الدساتير المقارنة في أعرق الديمقراطيات، على ما هي حال المادتين 67 و68 من الدستور الفرنسي». وأشير في البيان إلى أن صياغة المادة 60 من الدستور تعود إلى 21 يناير 1947 وأبقي على النص كما هو بعد التعديلات التي أدخلت على الدستور نتيجة وثيقة الوفاق الوطني. وأفادت الرئاسة بأن العدالة لا تنال من أي موقع دستوري بمجرد أنها تمارس من المرجع المختص، موضحاً أن لبنان عانى ولا يزال من الخطوط الحمر الطائفية والمذهبية لدى كل مساءلة، وقد تفاقمت هذه الظاهرة أخيراً، كما جرى مثلاً مع رؤساء الحكومة في تضامنهم المطلق مع بعضهم البعض بحجة استهداف الموقع الدستوري الثالث في الدولة واستضعافه، في حين أن رئيس الجمهورية لم يبادر يوماً إلى استنهاض المشاعر المذهبية والطائفية بمعرض الملاحقات القضائية، حسبما ورد في البيان. وأكدت الرئاسة أنها تترفع عن الرد على الكلام الخطير الذي ورد في البيان المذكور بشأن «العدالة المقنعة والانتقائية والقضاء المسيس وأروقة قصر بعبدا حيث يدار ملف التحقيق العدلي». وبينت الرئاسة أن توقيت صدور البيان مريب، مشددة على أن الرئيس يبذل جهوداً مضنية لتأليف حكومة لبنان المنتظرة للتصدي للمعاناة القاسية التي ينوء تحت أثقالها الشعب وسائر المقيمين على أرضه، بعد أن أصاب الوهن الخطير جسد لبنان النحيل وزالت أو تكاد قدرة الاحتمال لديه. واختتمت الرئاسة اللبنانية بالقول إنه «من المؤسف فعلاً أن تتحصن دولة بدين وطائفة ومذهب لتحرم المتظلمين نعمة العدالة».

وفي اليوم ذاته الذي صدر فيه بيان رئاسة الجمهورية، أي في يوم الجمعة الموافق السابع والعشرين من أغسطس 2021م، وبعد إصدار مذكرة الإحضار بيوم واحد، أكد البرلمان اللبناني أن المحقق العدلي الذي يحقق في انفجار مرفأ بيروت تجاوز سلطاته بإصدار مذكرة استدعاء لرئيس وزراء تصريف الأعمال حسان دياب بعدما لم يحضر للاستجواب. وفي رسالة إلى المدعي العام، قال الأمين العام للبرلمان إن أمر الاستدعاء يقع خارج نطاق اختصاص المحقق العدلي. ويضغط بعض النواب من أجل إحالة التحقيق مع كبار المسؤولين إلى مجلس خاص ينظر في القضايا المرفوعة ضد رؤساء ووزراء سابقين. ويخشى المنتقدون أن يؤدي ذلك إلى عرقلة التحقيق القضائي بشكل فعال.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه قد سبق للمحقق العدلي، القاضي فادي صوان، الاستماع إلى أقوال حسان دياب في شأن ملابسات الانفجار الذي وقع بميناء بيروت، وكان ذلك في يوم الخميس الموافق الثالث من سبتمبر 2020م، أي بعد شهر تقريباً من وقوع الانفجار في الرابع من أغسطس 2020م. وجاء الاستماع إلى أقوال رئيس حكومة تصريف الأعمال على سبيل الاستدلال، وذلك في إطار التحقيقات التي يباشرها المحقق العدلي، والذي استمع أيضاً إلى أقوال عدد من الوزراء المختصين الذين كانوا في مناصبهم وقت حدوث الانفجار والوزراء السابقين، لاسيما وزارتي المالية، والأشغال العامة والنقل، باعتبار أن الوزارتين تعود إليهما الاختصاصات المتعلقة بإدارة وتشغيل الموانئ. وكان المحقق العدلي (قاضي التحقيق) قد أصدر خلال الشهر التالي مباشرة لوقوع الانفجار مجموعة من القرارات بالحبس الاحتياطي بحق مدير إدارة الجمارك وموظفين مسئولين عن إدارة وتشغيل ميناء بيروت البحري، وضباط يمثلون أجهزة أمنية مختلفة داخل الميناء (المخابرات والأمن العام وأمن الدولة والجمارك) على ذمة التحقيقات التي يباشرها.

وجدير بالذكر أيضاً أن التحقيقات المتعلقة بانفجار ميناء بيروت البحري تمت إحالتها إلى «المجلس العدلي»، وهو الإجراء الذي ترتب عليه تولي أحد القضاة مهمة التحقيق في القضية برمتها بدلاً من النيابة العامة، والذي سيصدر قرار الاتهام في ختام التحقيقات متضمناً المتهمين المسئولين عن الواقعة لمحاكمتهم أمام المجلس العدلي. ويعد المجلس العدلي جهة قضائية استثنائية تنظر في القضايا شديدة الخطورة التي تمس أمن الدولة اللبنانية.

وتجدر الإشارة كذلك إلى أنه، ومع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، وانتهاء مهام حكومة تصريف الأعمال التي كان يرأسها حسان دياب، وفي يوم الثلاثاء الموافق الرابع عشر من سبتمبر 2021م، أصدر المحقق العدلي مذكرة استدعاء جديدة بحق رئيس الحكومة السابق، تتضمن عنوان منزل حسان دياب بعد تنحيه عن رئاسة الوزراء. وأحال المحقق العدلي على النيابة العامة التمييزية مذكرة الإحضار بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وبالتالي تعديل مكان إقامة دياب، أي السرايا الحكومية، المدرج في متن المذكرة الأولى. وبدوره، أحال المحامي العام التمييزي المذكرة على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي للتنفيذ، علماً أن المحقق العدلي كان حدد جلسة استجواب لدياب في العشرين من سبتمبر 2021م.

ورغم صدور مذكرة الإحضار الجديدة، وفي اليوم ذاته الذي صدرت فيه، وقبل أقل من أسبوع على اليوم المحدد بواسطة المحقق العدلي لاستجوابه، سافر رئيس الحكومة المنتهية ولايته إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقيل إن حسان دياب «غادر في رحلة مخططة مسبقاً لزيارة أبنائه الذين يدرسون في الولايات المتحدة». وقيل أيضاً إن دياب «ليس لديه شيء جديد يقوله، وهو يعتبر أنه لا علاقة له بكل ذلك حتى يقرر البرلمان مسار العمل». ويقول دياب، الذي استقال بعد الانفجار، إن القضاة الذين يحققون في القضية انتهكوا القوانين اللبنانية التي تنص على أنه كمسؤول حكومي كبير لا يمكن استدعاؤه إلا بعد موافقة مجلس النواب. وهكذا، رفض حسان دياب أن يستجوب كمتهم، قائلاً إنه أدلى بشهادته في القضية.

وجدير بالذكر أن مذكرة الاستدعاء تتضمن توجيه تهمة القتل العمد والإهمال لحسان دياب، بصفته رئيساً للحكومة حين وقع الانفجار في الرابع من شهر أغسطس 2020م. يذكر أن الادعاءات على حسان دياب والوزراء الثلاثة السابقين، علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، كان قد سطرها المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوان، ثم تبناها لاحقاً المحقق العدلي طارق البيطار، بتهمة الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وجرح مئات الأشخاص، وذلك بعد التثبت من إحالة مراسلات خطية عدة الى المدعى عليهم تحذر من المماطلة وعدم القيام بأي إجراءات لنقل مادة نيترات الأمونيوم من حرم مرفأ بيروت.

وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن التحقيق توقف مراراً مع عزل المحقق العدلي الأول، القاضي فادي صوان، في شهر فبراير 2021م بعد أن وافقت محكمة على طلب اثنين من الوزراء السابقين اتهمهما بالإهمال في الكارثة.

المبحث الثاني

حصانة الوزراء في خطة التشريعات المقارنة

تمهيد وتقسيم:

باستقراء خطة التشريعات العربية بشأن إجراءات مساءلة ومحاكمة الوزراء، يبدو مستساغاً التمييز بين اتجاهين: أولهما، يقرر إجراءات خاصة لمساءلة ومحاكمة الوزراء. أما ثانيهما، فقد ورد خلواً من النص على مثل هذه الإجراءات الخاصة، وبحيث يخضع الوزراء للإجراءات العامة الواردة في الإجراءات الجنائية، شأنهم في ذلك شأن كل متهم بارتكاب أي جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات أو في غيره من القوانين العقابية. وسنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على هذين الاتجاهين تباعاً، وذلك في مطلبين، كما يلي:

المطلب الأول: اتجاه تقرير إجراءات خاصة لمساءلة الوزراء.

المطلب الثاني: اتجاه الخلو من تقرير إجراءات خاصة لمساءلة الوزراء.

المطلب الأول

اتجاه تقرير إجراءات خاصة لمساءلة الوزراء

إجراءات مساءلة الوزراء في القانون الإماراتي

في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي الأول من سبتمبر 2021م، صدر المرسوم بقانون اتحادي رقم (24) لسنة 2021م بشأن مساءلة الوزراء وكبار موظفي الاتحاد. وطبقاً للمادة الثانية من هذا المرسوم بقانون، «1. تسري أحكام هذا المرسوم بقانون على كبار المسؤولين في الحكومة الاتحادية، وذلك عما يقع منهم من أفعال في أداء وظائفهم الرسمية. 2. لا يجوز بغير إذن من المجلس الأعلى إقامة دعوى المساءلة من قبل النيابة العامة، عن الأفعال المنصوص عليها في البند (1) من هذه المادة. 3. للمجلس الأعلى تخويل رئيس الدولة بإصدار الإذن المنصوص عليه في البند (2) من هذه المادة. وفي هذه الحالة يكون لرئيس الدولة ذات الصلاحيات المقررة للمجلس الأعلى المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون».

وهكذا، فإن المشرع لا يجيز للنيابة العامة إقامة دعوى المساءلة على كبار المسؤولين في الحكومة الاتحادية إلا بناء على إذن من المجلس الأعلى، أو من رئيس الدولة حال وجود تفويض له بذلك من المجلس الأعلى. بل إن النيابة العامة يمتنع عليها مباشرة التحقيق في الشكاوى والبلاغات المقدمة ضد الوزراء إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء. فتحت عنوان «تلقي الشكاوى والبلاغات ضد كبار المسؤولين»، تنص المادة الثالثة من المرسوم بقانون اتحادي ذاته على أن «1. تتلقى النيابة العامة الشكاوى والبلاغات وتقارير ديوان المحاسبة المقدمة ضد أي من كبار المسؤولين. 2. فإذا تعلق الشكوى أو البلاغ بأحد المسؤولين أخطر النائب العامة مجلس الوزراء والوزير المختص وباشرت النيابة العامة التحقيق. 3. إذا كانت الشكوى أو البلاغ مقدم ضد أحد الوزراء تعين إحالتها بصفة سرية إلى الوزير المختص قبل التحقيق فيها. فإذا قدر الوزير المختص جديتها وكانت تنطوي على وقائع تستوجب المساءلة أو كانت هناك دلائل جدية على صحة ما نسب إلى الوزير من وقائع تشكل جرائم جزائية، أحالها بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء إلى النيابة العامة لتتولى التحقيق. 4. لرئيس مجلس الوزراء تكليف من يحل محل الوزير في أداء مهامه ومباشرة صلاحياته إلى حين انتهاء التحقيق».

وتحت عنوان «تحقيق ورفع النيابة العامة لدعوى المساءلة»، تنص المادة الرابعة من المرسوم بقانون ذاته على أن «1. يباشر التحقيق مع كبار المسؤولين أحد أعضاء النيابة العامة بدرجة محام عام على الأقل. 2. إذا انتهى التحقيق إلى صحة نسبة الوقائع إلى الوزير أو أحد المسؤولين، وقدرت النيابة العامة أنها تشكل أفعالاً في أداء وظيفته توجب مساءلته جزائياً أو تأديبياً، يرفع النائب العام للوزير المختص تقريراً يشتمل على التهمة والأدلة المؤيدة لها وفقاً لما انتهى إليه التحقيق ليتولى أخذ موافقة رئيس مجلس الوزراء لعرض الموضوع على رئيس الدولة، للإذن بإقامة الدعوى من المجلس الأعلى. 3. إذا رأت النيابة العامة حفظ التحقيق يُخطر النائب العام الوزير المختص بقرار الحفظ وأسبابه ليتولى عرض الموضوع على رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه مناسباً في هذا الشأن إذا تعلق الأمر بأحد الوزراء، أو أخطر مجلس الوزراء والوزير المختص بقرار الحفظ إذا تعلق الأمر بأحد المسؤولين».

وتحت عنوان «الفصل في دعوى المساءلة»، تنص المادة السادسة من المرسوم بقانون ذاته على أنه «إذا انتهت تحقيقات النيابة العامة إلى ما يستوجب عقاب الوزير أو المسؤول جزائياً أو تأديبياً، بحسب الأحوال، وكان المجلس الأعلى قد أذن بإقامة دعوى المساءلة، قامت النيابة العامة بإقامة الدعوى أمام المحكمة. 2. استثناء مما ورد في أي قانون آخر، تنظر المحكمة دعوى المساءلة ضد الوزير أو المسؤول وأي فاعلين آخرين معه، أو شركاء له في الجرائم المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون، وفق الإجراءات المعمول بها أمامها. 3. تكون الأحكام الصادرة من المحكمة في هذه المرحلة نهائية». والمقصود بلفظ «المحكمة» المشار إليه في هذا النص هو المحكمة الاتحادية العليا، وذلك على حد التعريف الوارد في المادة الأولى من المرسوم بقانون اتحادي سالف الذكر.

ويخول المشرع للمجلس الأعلى سلطة تعديل الإذن أو العدول عنه. فوفقاً للمادة الحادية عشرة من المرسوم بقانون ذاته، «1. للمجلس الأعلى، من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الوزير المختص بعد التنسيق مع رئيس مجلس الوزراء، صلاحية تعديل أو العدول عن أي إذن صدر منه وفقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون، ويقوم الوزير المختص بإخطار النائب العام بأي قرارات أو توجيهات صادرة عن المجلس الأعلى وفقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون لتنفيذها. 2. وإذا كانت الدعوى منظورة أمام المحكمة، وعدل المجلس الأعلى عن الإذن بإقامة دعوى المساءلة قبل أن تفصل فيها المحكمة، أمرت المحكمة بانقضاء الدعوى».

إجراءات مساءلة الوزراء في القانون اللبناني

وفي الجمهورية اللبنانية، تنص المادة السبعون من الدستور، معدلة بالقانون الدستوري الصادر في الحادي والعشرين من سبتمبر 1990م، على أن «لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس. ويحدد قانون خاص شروط مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء الحقوقية». وتنص المادة الحادية والسبعون من الدستور، معدلة بالقانون الدستوري الصادر في الحادي والعشرين من سبتمبر 1990م، على أن «يحاكم رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المتهم أمام المجلس الأعلى». وتضيف المادة الثانية والسبعون من الدستور، معدلة بالقانون الدستوري الصادر في الحادي والعشرين من سبتمبر 1990م، أنه «يكف رئيس مجلس الوزراء أو الوزير عن العمل فور صدور قرار الاتهام بحقه، وإذا استقال لا تكون استقالته سبباً لعدم إقامة الدعوى عليه أو لوقف المعاملات القضائية».

إجراءات مساءلة الوزراء في ظل الدستور المصري لسنة 1971م

وفي النظام القانوني المصري، كانت المادة 159 من الدستور المصري الملغي لسنة 1971م تنص على أن «لرئيس الجمهورية ومجلس الشعب حق إحالة الوزير إلى المحاكمة عما يقع منه من جرائم أثناء تأدية وظيفته أو بسببها».

المطلب الثاني

اتجاه الخلو من تقرير إجراءات خاصة لمساءلة الوزراء

وفقاً للمادة (173) من الدستور المصري الحالي الصادر عام 2014م، «يخضع رئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة للقواعد العامة المنظمة لإجراءات التحقيق والمحاكمة، في حالة ارتكابهم لجرائم أثناء ممارسة مهام وظائفهم أو بسببها، ولا يحول تركهم لمناصبهم دون إقامة الدعوى عليهم أو الاستمرار فيها. وتطبق في شأن اتهامهم بجريمة الخيانة العظمى، الأحكام الواردة في المادة (159) من الدستور». وتجدر الإشارة إلى أن المادة (159) من الدستور، المشار إليها في النص سالف الذكر، تقرر الحكم القانوني واجب الاتباع في حالة اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور أو بالخيانة العظمى أو أية جناية أخرى، وذلك بنصها على أن «يكون اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور، أو بالخيانة العظمى، أو أية جناية أخرى، بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، وبعد تحقيق يجريه معه النائب العام. وإذا كان به مانع يحل محله أحد مساعديه. وبمجرد صدور هذا القرار، يوقف رئيس الجمهورية عن عمله، ويعتبر ذلك مانعاً مؤقتاً يحول دون مباشرته اختصاصاته حتى صدور حكم في الدعوى. ويحاكم رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى، وعضوية أقدم نائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نائب لرئيس مجلس الدولة، وأقدم رئيسين بمحاكم الاستئناف، ويتولى الادعاء أمامها النائب العام، وإذا قام بأحدهم مانع، حل محله من يليه في الأقدمية، وأحكام المحكمة نهائية غير قابلة للطعن. وينظم القانون إجراءات التحقيق، والمحاكمة، وإذا حكم بإدانة رئيس الجمهورية أعفى من منصبه، مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى».

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى