شاكوش المحكمة الدستورية العليا

بقلم: الأستاذ/ أحمد على البحيري

بين الحين والآخر نحاول التعليق على بعض الأحداث الشائعة في مجتمعنا وننظر فيها بعين القانون، وفى الآونة الأخيرة – بعد أن طفح على سطح الشهرة – طالعتنا الأخبار بقرار نقابة الموسيقيين بإيقاف تصريح الغناء عن حسن شاكوش لأجل غير مسمى، الأمر الذي نحاول معه تأصيل سند هذا القرار والعقوبات الممكن فرضها في حالة مخالفته.

يجب أن ندرك أولاً أن نقابة الموسيقيين ينظمها القانون رقم (35) لسنة 1978 بشأن نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، وقد نظم هذا القانون نظام وأغراض كل نقابة وشروط العضوية فيها وحقوق وواجبات الأعضاء فيها وكيفية تأديبهم. وقد قررت المادة (5) من هذا القانون عدم جواز الاشتغال بفنون المسرح أو السينما أو الموسيقى إلا لأعضاء النقابة أو بعد الحصول على تصريح مؤقت بذلك لمن ليس عضوًا بها. ومن الغريب أن هذا القانون قد خلى من أي عقوبة عند مخالفة هذا الحظر.

– وقد تدخل المشرع لسد هذا الفراغ التشريعي، وصدر القانون رقم 103 لسنة 1987 بإضافة مادة (5 مكررًا) إلى القانون المُشار إليه، بموجبها يُعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 500 جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المادة (5) بأن اشتغل بفنون المسرح أو السينما أو الموسيقى دون أن يكون عضوًا بالنقابة المختصة أو دون الحصول على تصريح مؤقت بذلك.

– إلا أن ذلك النص المستحدث للعقوبة شابه عوار عدم الدستورية. فحكمت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4 يناير سنة 1997 فى القضية رقم 2 لسنة 15 قضائية بعدم دستورية المادة ( 5 مكررًا) من هذا القانون تأسيسًا على أن العقوبة التى فرضها المشرع على مباشرة هذه الأعمال دون ترخيص بها وهى الحبس والغرامة أو إحداهما ــ على إطلاقها ــ دون قيد يتعلق بالحد الأقصى لأيهما، تكون عبئًا باهظًا على أعمال الإبداع، لتجاوز قسوتها ما يفترض أصلاً من تشجيعها وإنمائها والحض عليها بكل الوسائل. (الحكم منشور بالجريدة الرسمية – العدد 3 فى 16 يناير سنة 1997)

– وفى محاولة من المشرع لمعالجة ذلك العوار الدستورى، صدر القانون رقم 8 لسنة 2003 بمقتضاه اُستبدلت العقوبة الواردة بنص الماد (5 مكررًا) لتصبح الحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. وبهذا النص يكون المشرع قد حدد لعقوبة الحبس والغرامة حديها الأدنى والأقصى تمشيًا مع قضاء المحكمة الدستورية العليا السالف بيانه.

– وظلت هذه العقوبة – خاصة عقوبة الحبس – هى الرادع القوى لعدم اشتغال أى شخص بفنون المسرح أو السينما أو الموسيقى إلا إذا كان عضوًا بالنقابة أو بعد الحصول على تصريح مؤقت بذلك.

– إلا أن المحكمة الدستورية العليا – مرة أخرى – تفرض رقابتها على ذلك النص. فحكمت المحكمة بجلسة 28 أغسطس سنة 2021 فى الدعوى رقم 66 لسنة 31 قضائية بعدم دستورية المادة (5 مكررًا) المُعدلة، فيما نصت عليه من عقوبة الحبس فى مجال سريانها. وقد تأسس الحكم على أن عقوبة الحبس المرصودة لمن يزاول العمل الفنى دون أن يكون مرخصًا له بذلك من النقابة المختصة، يتعارض مع حرية الإبداع الفنى بوصفها فرعًا من حرية التعبير ومظهرًا من مظاهرها. (الحكم لم يُنشر بالجريدة الرسمية حتى تاريخه)

– قضاء المحكمة الدستورية العليا الأخير الصادر تزامنًا – بالمصادفة – مع ازمات شاكوش ومن على شاكلته، يحظر على أى محكمة أن تقضى بعقوبة الحبس على من يزاول العمل الفنى دون ترخيص بذلك، وتتقيد المحكمة بعقوبة الغرامة التى لا تقل عن ألفى جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه. وهى عقوبة لا تتناسب مع جسامة الفعل وآثاره.

– الأمر الذى نهيب معه بالمشرع (مجلس الشعب) مواكبة الظروف المستجدة – ورفع عقوبة الغرامة المقرر بحديها الأدنى والأقصى – بعد رصد الحالات التى أفرزها الواقع العملى والتصدى لها بعقوبات رادعة تتلائم مع الحالة الاجتماعية والاقتصادية لمرتكبى تلك الجرائم والمنفعة المالية العائدة عليهم من جراء ارتكابها.

 

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى