سلوكيات “3”

ماهر الحريري

في حديث انفعالي على الخط الساخن، يهاتفني وصوته نبرات حزن دفين لا أدري له سببا. وبسؤال غير متوقع، يسألني: ماذا تعني لكم المحاماة؟ بفطنة المحام وخبرة النقابي، أجبته “رسالة شريفة مقدسة تلك هي رسالة الدفاع”.
وبضحكة مريرة أقرب منها للبكاء، يرد “حسبي الله ونعم الوكيل”. أغضبني وبحق الرد وفي هدوء مني غير معهود، رحت أهدئ من روعه، فربما كان أمره بعسير، ولعل ما أحسسته من حالته النفسية له عندي بشفيع.

وتبادل أطراف الحديث، وراح يشكو تصرفات زميل كان له يوما بوكيل، وطلب مني المشورة، وبكل صدق أجبته: ما أنت إلا طرف برواية، فكيف لي أن أصدر حكما دون سماع الطرف الآخر؟ ولا أخفيكم قولا إن كلماته تركت بالنفس مرارة. فإن صحت روايته، فقد انحرف الزميل بالمحاماة عن مسارها الصحيح، وحرت بين قلم يود الكتابة وعقل يرفض للمحاماة كل سلوك مشين، ويتغلب عقلي على قلمي ليختار من سلوكيات هذاالأسبوع علاقة المحامي بموكله، وفقا لميثاق شرف وأمانة، وقواعد واضحة صريحة، ينظمها قانون المحاماة. فالمحامي يتولى تمثيل موكله في أي نزاع في حدود ما يعهد به إليه، طبقا لطلبات موكله، دون انحراف بهذه الوكالة، مع احتفاظه لنفسه بحرية دفاعه، بداية من تكييف الدعوى، وفقا لأسانيد قانونية تتوافق وصحيح فهمه للقانون، ضاربا عرض الحائط برغبة موكله متى تعارضت وصحيح القانون، متحررا من كل قيد. لكن القانون أوجب عليه إحاطة موكله علما بكل مراحل سير الدعوي من ألفها حتي يائها، وإخطاره بما صدر فيها من أحكام، حتى ولوكانت في غير مصلحته، وأن يلفت نظره لمواعيد الطعن بشرف وأمانة دون خداع أوتضليل. فخداعه لموكله فيه إساءة لنفسه وللمحاماة، يترتب عليه هلاك نفس، وربما ضياع حقوق، وحسبي الله ونعم الوكيل في كل كاذب خداع.
ومن الأمانة أن يحتفظ المحامي بما يفضي موكله به إليه من معلومات، فلا يفشي له سرا، ولا يذيع له أمرا في غير مصلحة الدفاع، وعليه الامتناع عن تقديم أي مساعدة أو مشورة لخصم موكله تتعلق بالنزاع ذاته، أو أي نزاع آخر مرتبط به، إذا كان أبدى فيه للخصم رأياً، أو سبقت عنه وكالة، منعا لتضارب المصالح، وليس له أن يبتاع كل أو بعضا من حقوق متنازع عليها يتولى بشأنها أي دفاع، منعاً للشبهات والاستغلال.
فعلاقة المحام بموكله أشبه بعلاقة تعاقدية تتبادل فيها الالتزامات، فترتب له حقوقا، وتفرض عليه واجبات. وواهم من المحامين من يجعلها أشبه بعقود الإذعان ليفرض على موكله سيطرته وشروطه، فتكون نهايته، فلا تكونوا سيوفا مسلطة على رقاب موكليكم، فتلفظكم المحاماة، خاصة أن لكم حق تقاضي ما اتفقتم عليه من أتعاب، مضافاً إليه جميع المصروفات، حتى لو انتهى النزاع صلحا أو تحكيما، مالم تكونوا اتفقتم على غير ذلك، فتلك حقوقكم وواجباتكم تجاه موكليكم كما رسمها قانون المحاماة، فكونوا على قدر المسئولية، وللأمانة عنوان.
وقبل أن أختتم مقالي، فكثيرا ما انتقدت هذا الموقع الإعلامي للمحاماة. ومنذ زمن بعيد، طالبت بتطويره مرات ومرات، في ظل تطور ملحوظ كقرص الشمس، يزداد يوماً بعد يوم وضوحاً، وبدت معالمه على الساحة تظهر.. تحية لنقيب نحو التطوير سعى، ولكثير من العقبات ذلل، بعد أن استمع وناقش ونفذ، وكل تقدير للعاملين به. فنحو التطوير بالفعل سعوا وجددوا، فوجب علينا شكرهم، ليس جبنا أو نفاقا، ولا لمصلحة منهم أبتغيها، لكن تلك أصول النقد، وهذه قواعد الإنصاف، وهذا أعظم السلوكيات.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى