سلسلة شرح جريمة الرشوة والجرائم الملحقة بها {حلقة 2}

بقلم: ياسر الحسنين القواس المحامي

صفة المرتشي كموظف عام

اختصاص الموظف العام بالعمل المطلوب مقابل الرشوة

– الرشوة هى إتجار الموظف العام فى أعمال وظيفته وذلك بتقاضيه أو قبوله أو طلبه مقابلاً، نظير قيامه بعمل من أعمال وظيفته أو إمتناعه عنه ، وقد عرفه الشارع ضمن نص المادة 103 عقوبات ، فنلاحظ أن القوانين والقرارات واللوائح المنظمة ﻷعمال الوظيفة العامة ، تفرض على شاغلها أداء هذه الأعمال غير منتظر مكافأة سوى المرتب الذي تقرره له ، فإن تطلع إلى ما وراء ذلك فتلقى مقابلا من صاحب المصلحة فى أداء هذه الأعمال أو الامتناع عنها فقد ارتكب جريمة الرشوة ، بل إنه يرتكب هذه الجريمة إذا اقتصر نشاطه على مجرد قبول الوعد بهذا المقابل ، أو على مجرد طلبه أورفض صاحب الحاجة الإستجابة له ، وعلة التجريم : أن الحق المعتدى عليه بارتكاب الرشوة هو نزاهة الوظيفة العامة وهو حق أساسى لكل مجتمع ، فالإتجار فى أعمال الوظيفة العامة يهبط بها إلى مستوى السلع ويجردها من سموها باعتبارها خدمات تؤديها الدولة إلى أفراد الشعب ، ويسلب الدولة وعمالها الإحترام الذى يجب أن يحظوا به فى نظر المواطنين.

وتعنى الرشوة التفرقة الظالمة بين المواطنين بحيث من يدفع المقابل تؤدى لمصلحته الأعمال الوظيفية ومن لايستطيع أولايريد ذلك تهدر مصالحه ، وهذا السلوك من جانب الموظف المرتشى يضعف من ثقة الناس فى نزاهة الدولة و موظفيها مما يقلل من قدرة الدولة على النهوض بالمهام المنوطة بها فى المجتمع، وبالإضافة لذلك فالرشوة تهدر أحكام القانون حين تضع الشروط لانتفاع الأفراد من أبناء المجتمع بالخدمات العامة، ” إن اختصاص الموظف بالعمل الذى أداه أو إمتنع عن أدائه مقابل رشوة هو ركن من أركان الجريمة ، فيجب بيانه فى الحكم الصادر بالإدانة وإلا كان باطلاً / الطعن رقم 1498 لسنة 16ق جلسة 10/6/1946 مجموعة القواعد القانونية ج6 ص 173 “.

ليس من الضروري فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة ، بل يكفى أن يكون له بها إتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة ، وأن يكون الراشى قد أتجر معه على هذا الأساس / الطعن رقم 477 لسنة 38 ق جلسة 1/4/1968 س 19 ص 395 ، كما لايشترط فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة ، بل يكفى أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها، وأن يكون من عرض الرشوة قد أتجر معه على هذا الأساس / الطعن رقم 429 لسنة 40ق جلسة 19/4/1970 س21 ص 617، فيكفى لتوافر الإختصاص فى جريمة الرشوة أن يكون للموظف منه نصيب يسمح له بتنفيذ الغرض منها.

وإذ كان ذلك ، وكان الثابت مما أورده الحكم أن مفتش التأمينات هو الذي حرر المحضر الذى عرضت الرشوة لتغييره وأن هذا المحضر لم يكن قدبت فيه نهائياً من جانب المصلحة التابع لها هذا الموظف وقت عرض الرشوة عليه ، فإن هذا مما يتوافر به الإختصاص الذى يسمح للموظف بتنفيذ الغرض من الرشوة، ويكون الحكم المطعون فيه إذ التزم هذا النظر قد أعمل حكم القانون على وجهه الصحيح / الطعن رقم 674 لسنة 39 ق جلسة 19/5/1969 س20 ص 758.

كما لايحتم القانون أن يكون تعيين أعمال الوظيفة بمقتضى قانون أو لائحة وليس فيه مايمنع من أن يدخل فى أعمال الموظف العمومى كل عمل يرد عليه تكليف صادر من رئيس مختص / الطعن رقم 675 لسنة 39 ق- جلسة 9/6/1969 س20 ص 862 .

كما أنه من المقرر أنه لايلزم فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو أو الذى عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفى أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الإختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة / الطعن رقم 547 لسنة 39 ق جلسة 16/6/1969 س20 ص 890.

ومن المقرر أنه ليس من الضروري فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفى له بها إتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وأن يكون الراشى قد أتجر معه على هذا الأساس / الطعن رقم 2358 لسنة 54 ق جلسة 24/1/1985 س36 ص 117 .

ويقصد بالإختصاص بالعمل فى مجال الرشوة ” المقصود بالإختصاص بالعمل فى مجال الرشوة أن يكون لدى الموظف سلطة مباشرة العمل ووقع الإرتشاء مقابل تحقيقه أو الامتناع عنه وتحدد القوانين واللوائح أعمال الموظف العام التى تدخل فى اختصاصه وقد تتحدد هذه الأعمال بمقتضى أوامر الرؤساء أو تعليماتهم الشفوية أو المكتوبة ، وكان توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذى عرضت عليه الرشوة من أجله هو من الأمور التى يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها مادام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل صحيح ثابت فى الأوراق / الطعن رقم 4346 لسنة 57 ق جلسة 3/2/1988 س 39 ص 247.

فكما تحدثت أن اختصاص الموظف بجميع العمل المتعلق بالرشوة وحده ، غير لازم بل يكفى أن يكون له علاقة به أو أن يكون له نصيب من الإختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة / الطعن رقم 20336 لسنة 64 ق – جلسة 17/10/1996 س47 ص 1047 ، وكذلك الطعن رقم 10830 لسنة 65 ق جلسة 21/7/1997 س 48 ص 790 ، وكذلك الطعن رقم 30639 لسنة 72 ق جلسة 23/4/2003 ، وكذلك الطعن رقم 66149 لسنة 75 ق جلسة 4/4/2006.

وكذلك كل مدير أو مستخدم فى إحداها طلب لنفسه أولغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية ﻷداء عمل أو للإمتناع عن عمل من أعمال وظيفته أويعتقد خطأ أويزعم أنه من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها يعد مرتشيا ( مادة 106 مكرر “أ” …. ” ويستفاد من هذا النص أنه لايشترط فى جريمة الرشوة المنصوص عليها فى هذه المادة أن تكون الأعمال التى يطلب من عضو مجلس الإدارة أو المدير أو المستخدم فى إحدى الجهات المشار إليها فيها أداؤها داخلة فى نطاق أعمال وظيفته مباشرة بل يكفى أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها كما تتحقق أيضاً لو خرج العمل عن دائرة اختصاصات وظيفته بشرط أن يعتقد خطأ أنه من اختصاصات وظيفته أو يزعم ذلك كذباً بصرف النظر عن إعتقاد المجنى عليه فيما اعتقد أوزعم وكان الزعم بالإختصاص يتوافر ولو لم يفصح عنه أو يصرح به إذ يكفى مجرد إبداء الإستعداد للقيام بالعمل الذى لايدخل فى نطاق اختصاصه أو الامتناع عنه ﻷن ذلك السلوك منه يفيد ضمنا زعمه بالإختصاص / الطعن رقم 30229 لسنة 72 ق جلسة 20/4/2008 .

ومن المقرر أنه لايلزم فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفى أن يكون له علاقة به أو أن يكون له نصيب من الإختصاص يسمح له – أيهما- بتنفيذ الغرض من الرشوة / الطعن رقم 30053 لسنة 67ق جلسة 17/5/2000.

كما لايؤثر فى قيام جريمة الرشوة أن تقع نتيجة تدبير سابق وألا يكون الراشى جاداً فيما عرضه على المرتشى متى كان عرضه الرشوة جدياً فى ظاهره وكان الموظف المتهم قد قبله على أنه جدى منتويا العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشى أو غيره / الطعن رقم 696 لسنة 58 قضائية جلسة 1/12/1988 ، وكذلك الطعن رقم 49438 لسنة 72ق جلسة 19/11/2006 ، وكذلك الطعن رقم 9428 لسنة 80 ق جلسة 14/12/2015.

ولما كان من المقرر أن توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذى طلب الرشوة من أجله من الأمور الموضوعية التى يشترط تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها مادام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت فى الأوراق، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر اختصاص الطاعن ، بصفته مهندسا بالإدارة الهندسية لمجلس المدينة …. بإستخراج رخص المحلات العامة ورد على دفاعه بنفى اختصاصه فى هذا الشأن وفنده بقوله ( وعن الدفع بانتفاء اختصاص المتهم بقاله عدم وجود دليل على ذلك فإنه دفع غير سديد ، ذلك أن الثابت من أوراق الدعوى وأقوال الشاهد – رئيس الإدارة الهندسية بمجلس المدينة أن المتهم مختص بإستخراج رخص المحالات العامة بالإضافة إلى الإشغالات والتنظيم فضلاً عن أن الإختصاص قد يتم تحديده شفويا وليس كتابة كما أن أقوال المتهم بالتسجيلات تؤكد أنه مختص بإستخراج رخص المحلات العامة، وأنه تعامل مع المبلغين على هذا الأساس المؤيد بواقع العمل فعلاً ومن ثم ذلك النعى قد جانب صحيح الواقع والقانون ، وكان ماأورد الحكم فى هذا الخصوص يتحقق به الإختصاص الذى يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة كما استظهر الحكم المطعون فيه إخلال الطاعن بواجبات الوظيفة أخذا مما شهد به المبلغان وشهود الواقعة وتفريغ أشرطة التسجيلات والأوراق والمستندات التى ضبط لديه ودانه على هذا الإعتبار ، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً / الطعن رقم 20502 لسنة 69ق جلسة 16/10/2000- مكتب فنى 51 – رقم الصفحة 638 .

ومن المقرر أن الشارع نص فى المادة 104 من قانون العقوبات التى عددت صور الرشوة وجعلة بالنسبة إلى الموظف ومن فى حكمه بامتناعه عن عمل من أعمال الوظيفة وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقييد بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عيب يمس الأعمال التى يقوم بها الموظف وكل تصرف وسلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد من واجبات أدائها على الوجه السوى الذى يكفل لها دائماً أن تجرى على سند قويم وقد استهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولا عاماً أوسع من أعمال الوظيفة التى تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث يشمل أمانة الوظيفة ذاتها فكل انحراف عن واجب من تلك الواجبات أو إمتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذى عناه الشارع فى النص ، فإذا تقاضى الموظف جعلا عن هذا الإخلال كان فعله إرتشاء وليس من الضروري فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفى أن يكون لها إتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وأن يكون الراشى قد أتجر معه على هذا الأساس ، كما لايشترط فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو والذى عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفى أن يكون له نصيب من الإختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة / الطعن رقم 20502- لسنة 69 ق – جلسة 16/10/2000 – مكتب فنى 51 – رقم الصفحة 638 .

ولما كان ذلك ، وكان من المقرر أن توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذى عرضت عليه الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التى يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها مادام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت في الأوراق ، وكان لايشترط فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفى أن يكون له علاقة به ، أو أن يكون له فيه نصيب من الإختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى مدوناته – على النحو المتقدم أن الشاهد الأول يشغل وظيفة رئيس محكمة بمحكمة……. الابتدائية ، وأنه يرأس الدائرة ……. مدنى كلى …. المنظور أمامها الدعوى ….. ، واختص الشاهد الأول نفسه بالحكم فيها ، وأن الرشوة عرضت عليه من المتهم الثانى مقابل الفصل فيها لصالحه، وكان ماأورده الحكم على هذا النحو يتحقق به قدر من الإختصاص يسمح للشاهد الأول بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها، وكان مجموع ماأورده الحكم المطعون فيه كافياً فى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة- على السياق المتقدم – فإن ذلك يحقق حكم القانون كماجرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية / الطعن رقم 49438 لسنة 72 ق جلسة 19/11/2006 …. وللحديث بقية إن شاء الله .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى