رول واحد في دائرة الأسرة

 

بقلم: أ. أدهم جلال

يجب أن تُراقب وتُدون لكي تَتعلم فنونها هذا ما أرشدنا به من سبقونا في درب المحاماة، في يوم مُزدحم أمام إحدى القاعات، قيل لي أنها انعقدت لحل خلافات أسرية، فاندفعت إلى داخلها وفي أولها وبركن ضيق جلست وقلمي أسندته على ورقه بيضاء.

وإليكم أول ما شاهدت:

طفل في عمره السابع أو الثامن ملامحه شبه ملائكيه تبدو عليه علامات الدهشة والتوتر الشديد سريع الالتفات برأسه يميناً ويسارً، ويده يُمسكها رجل تبدو على وجهه علامات الانتقام، وبجوارهما امرأة تبدو على عيناها علامات الكسر أو المكر هذا ما لم أستطع تحديده، وخلفهما محامان قل كلامهما.

وإذا برب القاعة يسأل الرجل عن ماهيته وسبب حضوره:

الرجل: اسمي / إبراهيم .ج. ش وده ابني أحمد.

بعد لما انفصلنا أنا وأمه هو كان معاها وكانت بتسيبه على طول في الشارع وعرفت من ناس كتير أنها تعرف رجالة وتأكدت لما أحمد ابني قالي ماما بتكلم في التليفون كلام عيب؛ وبنظرات ملائكيه ووسط لهيب كُره وأنانيه شَعر بِه كل من في القاعة، وإذا بالطفل وعلى يمينه نظرات تشجيعية وعلى يساره نظرات استعطافية.

ارتعش فم الطفل وبالآتي أجاب:

أنا سمعت ماما بتتكلم في التليفون بليل كلام عيب.

القاضي: كلام عيب ؟! بتقول أية يعني ؟

وإذا بالأب اقحم كلماته: “سيادتك هو مش هيعرف يقول ده وسط الناس”

واكمل القاضي استفساره: كمل يا حبيبي متخفش، تعرف ماما بتكلم مين ؟

الطفل: بتكلم رجالة

القاضي: مين هما الرجالة دي تعرفهم ؟

تمتم الطفل: م م مش عارف

وعلى الجانب الأخر تقف الأم في ذهول تام وكررت بهدوء استعطافي أمومي:  أنا يا أحمد ؟ أنا يا أحمد ؟!

وتَحولت بنظراتها إلى الأب وبكل ما تحمل من قسوة وبأعلى صرخاتها: حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا إبراهيم.

القاضي: اهدي يا ست هيجي دورك وهنسمع منك اللي انتي عايزة تقوليه، كمل يا أحمد انت شوفت رجاله غريبه بتيجي الشقة ؟

(وعن الكلام امتنع وبشرته الناعمة تأججت بالاحمرار ، وباتت كل محاولات انطاقه بالفشل)

القاضي: ها اتفضلي يا ست ايه اللي  حصل بالضبط ؟

الأم: احنا بعد لما اتفصلنا ابراهيم حاول أكتر من مره يخطف ابني وعملت محضر في القسم بده ولما عرف جيه أخد ابني مني وزعق وشتمني وقالي لو فتحتي بوقك هغرق وشك بمياه النار.

وظل الطفل متأرجحاً رافعاً رأسه بين آبيه وأٌمه يَتصبب عرقاً.

القاضي: القرار أخر الجلسة، اللي بعده.

ولم يستطع قلمي تدوين سوا سؤال، ما الذنب الذي اقترفه أحمد ومن ماثله لكي يتوسط هذا المشهد ؟

ماذا عن حياتهم ومستقبلهم ؟

وهل سيتحولون إلى كرات من النيران تنهش في مجتمعهم انتقاماً ام سيظلون ملائكة كما ولدوا ؟

 

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى