خُرافات عن كلية الحقوق

أ. محمد شمس الدين
محام وباحث في الشريعة والقانون

مع بداية كل عام دراسي جديد، تتجدد الاستفسارات وتتكرر الأسئلة حول الدراسة في كلية الحقوق وكليات الشريعة والقانون بشكل عام، ويبحث الطلاب الذين أنهوا للتو مرحلتهم الثانوية، بل وأقرانهم ممن سبقوهم لدخول هذه الكليات ولم يتخرجوا بعد، عن أيادٍ تمتد لهم بالعون لدخول هذه المرحلة الجامعية الجديدة والخروج منها على خُطى من نور واضح، ينتشلهم من ضبابية المرحلة، وتشتيت الشائعات والمعلومات المغلوطة لأفكارهم وطموحاتهم بعد التخرج، كيف يستعدون لحياة مهنية خالية من التعثر؟ وكيف يكون النجاح طريقهم والتوفيق رفيقهم؟!

من أجل ذلك نكتب مقالنا هذا، لنكون هذه اليد التي تَمتد بالعون والمساعدة وطمأنة عقول وأفئدة الآلاف من طلاب ودارسي وخريجي كليات الحقوق في مصر، على نحو نبدد فيه مخاوفهم التي تكونت بسبب –خُرافات-لم تترك باب طالب حقوق إلا وطرقته!

وأشهر هذه الخُرافات هي:

الخُرافة الأولى: “ما ستدرسه في الكلية شيء وما ستعمل به شيء آخر”

تعتبر هذه أشهر خُرافة ممكن أن تسمعها عن دراسة القانون في كليات الحقوق، باختصار يريدون أن يقولوا لك أن ما ستدرسه في الكلية ليس له أي علاقة بالواقع! وأنك ستُفاجأ بأن العمل في المحاماة مثلا، شيء آخر تماما غير ما عرفته عنها في الكلية!
والحق أقول أن هذا الادعاء ظالم، ظالم للكلية، وظالم لنفسك لكونه سيحبطك لو استسلمت له.
قولا واحدا.. ما ستدرسه في الكلية قانون، وهذا القانون هو المعمول به في الواقع العملي، هو المعمول به في المحاكم، هو ما يدافع به المحامين عن مصالح موكليهم، وهو ما يحكم به القضاة، هو المنظم لكل شيء في حياتنا.
نعم توجد فجوة بين أسلوب ومناهج التعليم بشكل عام وبين الواقع العملي،
لكن الكلية –دائما-لا تعلمك كل شيء، ستعلمك فقط أساسيات وأصول القانون وخطوطه العريضة فقط، ودورك أن تستزيد، وتقوم بسد الفراغ الموجود بين ما تمنحه لك الكلية وبين ما تحتاجه في الواقع وسوق العمل، سد هذا الفراغ يكون بالتعلم الذاتي والتطوير المستمر لمهاراتك، بالقراءة وخوض التجارب العملية قبل وبعد التخرج، في مجال القانون وغير مجال القانون.
وبناء عليه، المشكلة لن تكون أبدا فيما درسته في الكلية، المشكلة أن تكتفي أنت بما درسته فيها!

الخُرافة الثانية: “كلية الحقوق كلية العظماء”!

أنا آسف لو قُلت أنها خُرافة، فقط قصدت أن أصدم أذنيك، حتى لا تعيش الوهم.
بل تعتبر كلية الحقوق من أعرق وأرقى الكليات على مستوى العالم، هي من خرجت –وما زالت- تخرج رؤساء ووزراء ومحافظين ومستشارين وكبار رجال الدولة وكثير من صناع ومُتخذي القرار.
ولكن ما أقصده بالخُرافة هُنا هي أن تعيش الوهم بترديد هذه الجملة بدون أن تأخذ أنت بأسباب النجاح، بدون استعداد أو تأهيل عِلمي ومِهني مُستمر، لتستحق وقتها أن تكون واحدا من هؤلاء العظماء!

الخُرافة الثالثة: “كلية الحقوق أصبحت مدة الدراسة فيها 5 سنوات”

أساس هذه الخُرافة هو مشروع أكاديمية المُحاماة، وإن لم تكن تعرف ما هي أكاديمية المحاماة، فدعني أخبرك باختصار أنها أكاديمية قررت نقابة المحامين المصرية إنشاءَها ليكون الهدف منها تدريب وتأهيل الراغبين في العمل بالمحاماة.
ولأن المادة 230 من قانون المحاماة اشترطت الدراسة في هذه الأكاديمية أولا في حالة لو رغبت العمل بالمحاماة والالتحاق بنقابة المحامين المصرية. وقيل أن مدة الدراسة في هذه الأكاديمية عام تقريبا.
فتخيل البعض أن الدراسة في هذه الأكاديمية شرط بعد التخرج من كلية الحقوق، فاعتبروا أن الدراسة بكلية الحقوق خمسة أعوام! وهذا غير صحيح. الدراسة في الأكاديمية ستكون شرط فقط في حالة رغبتك العمل بالمحاماة.
والجدير بالذكر أن مشروع هذه الأكاديمية ما زال حبرا على ورق، الأكاديمية لم تُبنَ بعد.

الخُرافة الرابعة: “كلية الحقوق صعبة أو سهلة!”

أيا كان ما سمعت! فلا وجود لكلية صعبة أو سهلة، ولا يصح أن تأخذ قرار الالتحاق بالكلية من عدمه، بناء على كلمة يطلقها غيرك، لأن الرأي هنا نِسبي!
أي صحيح من وجهة نظر صاحبه فقط، ليس بالضرورة أن يكون صحيح بالنسبة لك. قرار صعوبة الكلية من عدمه هو قرارك وحدك، أنت من يقيمه بعد أن تبحث عنها وتقرأ عن موادها ومناهجها ومستقبل أيامك بعد أن تتخرج منها! هل هذا ما تحبه وترغبه أم لا! لو كان هذا ما تحبه وترغبه فستجدها سهلة، وإن لم يكن فيها ما ترغبه فستكون عليك ثقيلة وصعبة!

فيا طالب كلية الحقوق، لا تستسلم للخُرافات، ومرن نفسك من الآن على البحث والتدقيق والتنقيب، لا تكن ضحية شائعة أو معلومات مغلوطة، كُن صاحب عِلم ورأي وقبل أن تصدق يجب أن تتيقن.

أرجوا من الله أن يسدد على طريق النجاح والفلاح خُطاك.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى