حق المتهم في الاستعانة بمحام في مرحلة جمع الاستدلالات

بقلم/ الأستاذة الدكتورة ريهام فتحي- دكتور القانون الجنائي

تعد مرحلة جمع الاستدلالات هى المرحلة الأولية الممهدة للخصومة، والتي يتم فيها وضع التصور الأول للجريمة، فهي المرحلة الأكثر دقة وخطورة خاصة فيما تسفر عنه من نتائج، وعلى الرغم من أهميتها إلا أنها لا تتمتع بالضمانات الضرورية مقارنة بمرحلتي التحقيق والمحاكمة، خاصة فيما يتعلق بضمانات المتهم وحقه في الاستعانة بمحام تدعيمًا لقرينة البراءة، وهو ما يثير الكثير من المشاكل العملية فى تلك المرحلة بين مأمور الضبط القضائي والمحامي، خاصة في حالة عدم وجود نص تشريعي ملزم.

وفي ذلك تقول الأستاذة الدكتورة ريهام فتحى- دكتور القانون الجنائي، أنه من الملاحظ أن المشرع قد أولى الاهتمام الأكبر لحق الدفاع وإقرار حق المتهم فى الاستعانة بمحام في مرحلتى التحقيق والمحاكمة، إلا أنه لم يتعرض لتنظيم هذا الحق في مرحلة “جمع الاستدلالات”، حتى أن ما أورده المشرع من ضمانات فى كل من المادة 77 والمادة 139 من قانون الإجراءات والتى تتعلق بإقرار حق الخصوم فى استصحاب وكلائهم التحقيق، وإستعانة من يقبض عليه أو يحبس احتياطياً بمحامى، قد وردت جميعها فى الباب الخاص بالتحقيق.

ومن الجدير بالذكر، أن قانون المحاماة خلى من النص صراحة على حق المحامي في الحضور مع المشتبه به أثناء مرحلة جمع الاستدلالات، وما جاءت به المادة 52 من القانون رقم 17 لسنة 1982 من تنظيم حق المحامى فى الاطلاع على الدعاوى والأوراق القضائية وحضور المحامى التحقيق مع موكله، لا تكفى بذاتها، حيث أن المادة قاصرة ولا تتمتع بالإلزام الكافي.

فعلى المستوى العملي، وعلى الرغم من الدور المشهود لمحكمة النقض في حسن مراقبة تطبيق القانون، وإرساء المبادىء القانونية في حالة قصور بعض النصوص أو غموضها والتي تهدف بها إلى تحقيق العدالة والتماس روح القانون.

إلا أنه في ظل غياب النص التشريعي، لا تعتد محكمة النقض بدفع المتهم ببطلان محضر جمع الاستدلالات في حال منع الشرطة محامى المتهم من الحضور، واعتبرت أن ذلك لا يستند على أساس من القانون، وعلى الجانب الآخر نجد أن الفقه إختلف حول إقرار حق المتهم فى الاستعانة بمحام في تلك المرحلة، بحجة أنها مرحلة تمهيدية لا ينتج عنها دليل ومن ثم ليست بحاجة لتوفير الضمانات التي يتطلبها الدليل المعتد به قانونًا.

إلا أننا نجد أن هناك ضرورة ملحة لإقرار تلك الضمانة، حيث تتجلى أهميتها فى أكثر من موضع، فعلى سبيل المثال، قد تكتفي النيابة العامة بمحضر جمع الاستدلالات لرفع الدعوى الجنائية فى كثير من مواد الجنح والمخالفات، إعمالًا لنص المادة 63 إجراءات، بل والأخطر من ذلك أن بعض التشريعات المقارنة تعتمد على محضر جمع الاستدلالات في الجنايات كما هو الحال فى المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية المغربى، إضافة إلى أن القاضي الجنائي حر في تكوين عقيدته إعمالًا لنص المادة 302 إجراءات، وله أن يضع فى اعتباره عند الحكم كافة الإجراءات التى إتخذت فى الدعوى، و له الأخذ بما أسفرت عنه إجراءات الاستدلال من دلائل.

 

كما أن للمحكمة أن تأخذ باعتراف المتهم فى محضر الشرطة ولو عدل عنه فى مراحل أخرى متى اطمأنت المحكمة إلى صدقه.

وإستخلاصًا مما تقدم، نهيب بالمشرع الخروج عن ذلك الصمت التشريعي، والنص صراحة على حق المشتبه فيه بالاستعانه بمحام فى مرحلة جمع الاستدلالات، حيث أضحت الحاجة إلى تعديل قانون الاجراءات الجنائية وقانون المحاماة ضرورة ملحة لمواكبة الإشكالات المثارة عملًا، وأسوة بالتشريعات المقارنة خاصة القانون الفرنسى رقم 02 – 93 المؤرخ فى 4 يناير 1993 والمعدل بالقانون رقم 516 الصادر فى 15 يونية لسنة 2000 والمعروف بقانون تدعيم قرينة البراءة، واستجابة لما جاء بدستور 2014 من ضمانات اقرها المشرع للمتهم فى ساعات القبض أو الإحتجاز الأولى، وما أكدته المادة 54 منه بأن يبلغ كل من قبض عليه أو حبس بأسباب ذلك فوراً، والأحاطة بحقوقه كتابة، وإقرار حق المتهم فى الإتصال بذويه و محاميه فور القبض عليه، و ما تم استحداثه من ضمانات تتعلق بالمحامى خاصة ما جاء بالفصل السادس منه والمعنون بالمحاماة، والتى مد فيها نطاق الحماية المقررة للمحامى إلى مرحلة جمع الاستدلالات، وذلك بالنص فى المادة 198 بأن”يتمتع المحامون جميعاً أثناء تأديتهم حق الدفاع أمام المحاكم بالضمانات والحماية التي تقررت لهم في القانون مع سريانها عليهم أمام جهات التحقيق والإستدلال”.

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى