جريمة الابتزاز الإلكتروني

بقلم الأستاذ/ محمد عبدالسميع 

استخدم الفقه المصري مصطلح الابتزاز الالكتروني في الجريمة المنصوص عنها في المادة326 من قانون العقوبات والتي تتعلق بالحصول علي مال بطريق التهديد

وهناك اتجاه فقهي يري وقوع الابتزاز بشرط أن يأخذ التهديد مضمون معين مثل العنف أو افشاء الاسرار لأمور مخله بالشرف والاعتبار وان يستهدف ذلك الفعل غرض وهو الحصول علي مال او سندات او توقيع او القيام بفعل او الامتناع عنه وبذلك تكزن العبرة هي بتحديد المحل او الغرض وقد ظهر لك من خلال القانون المُعد من وزارة الاتصالات المصرية

ويري بعض الفقه ان الابتزاز الإلكتروني هو: محاولة الحصول علي مكاسب مادية أو معنويه من خلال التهديد بإيقاع أذي سواء بكشف أسرار أو معلومات خاصة او الحاق اذي بنفس او مال الضحية ـو شخص عزيز لديه معتمداً في ذلك علي قوته ونفوذه لاستخراج ما يرغب من ضحيته.

وقد أخذ بتلك المفهوم القانون الكويتي رقم 63 لسنة 2015 والقانون الإماراتي رقم5 لسنة 2012م والقانون السلطاني العُماني رقم 12لسنة 2011م والقانون الأُردني رقم 27 لسنة 2015م

وقد ميزت هذه التشريعات بين الابتزاز الواقع من خلال الفعل الذي يُعد جريمة والتهديد بفعل لا يشكل جريمة بمعني أن هذه التشريعات لم تحدد مضموناً للتهديد الذي يقع الذي يقع به الابتزاز الالكتروني ، حيث يكفي ان يكون التهديد بأذى أيا كان مضمونه.

وعليه فإن الابتزاز الالكتروني يميز بخصائص كالتالي:

  • الابتزاز هو عدوان علي الحرية الشخصية حيث أن الحق في الأمن هو أحد عناصر الحرية الشخصية فالتهديد بذاته مُجرم سواء أقترن بطلب أو تكليف بأمر لأنه أمراهُ للإرادة المجني عليه.
  • الابتزاز الإلكتروني قد يكون وقتيًا مثل تهديد أمراءه بإفشاء سر لزوجها ملم تسلم له مبلغ من المال وقد يكون التهديد متتابع مثل التهديد لفتاه كل يوم بإفشاء أسرارها مالم تسلم له مبلغ من المال.
  • الابتزاز الإلكتروني من جرائم الضرر ذات النتيجة وليس من جرائم الخطر وذلك لأنها لا تقع كامله إلا بتنفيذ المجني عليه المطلوب منهُ أو الامتناع عنهُ.
  • الجاني في جريمة الابتزاز غالباً من الأقارب أو الاصدقاء وذلك لعلمهم بمواطن الضعف للمجنـي عليه.
  • أن المقابل المطلوب القيام به قد يكون مشروعا أو يكون غير مشروع.

ومن خلال التعريفات السابقة يمكن القول بإختلاف جريمة الابتزاز الإلكتروني عن  جريمة انتهاز احتياج أو ضعف هو نفس القاصر المنصوص عليها في المادة338 من قانون العقوبات وعامل التمييز بينهما رغم أنه قد يكون المجنـي عله في كلاهما قاصرا ، أن جريمة الابتزاز الالكتروني يمارس فيها الجاني ابتزاز أو مقترن بطلب لكن في الجريمة المنصوص عليها في المادة 338 يمارس فيها الجاني استغلال لوضع قائم رأهُ هو ولم يصنعهُ وبذلك فإن الجاني في جريمة الابتزاز الإلكتروني يستغل خوف المجنـي عليه من الأذى الفعلي الواقع علي أرادة المجنـي عليه من الخوف من أيقاع الأذى المُهدد به.

كيف يتم الابتزاز الالكتروني؟

يمكن القول بأنه يتم من خلال أحدي وسائل التعبير سواء كتابة أو بالنطق أو الاشارة ولذا  لم يرسم المشرع الفرنسي أو المصري شكلا معيناً للتهديد حيث ورد اللفظ عامًا وبذلك يستوي أن يكون شفهيا أو كتابة أو بأي شكل أخر ، وهو ما أقرتهُ محكمة النقض بقولها: أنه لما كان الحكم قد دان الطاعنين عن الواقعة التي وردت بأمر الإحالة بعينها – بما تضمنته من جناية الخطف وجنحة الحصول  بالتهديد علي مبلغ النقود المرفوع بهما الدعوي – خلافا لما يدعيه الطاعنان في هذا الخصوص وكان ما يثيرانه بشأن وسيلة التهديد في الجنحة المذكورة- المنصوص عليها في المادة 236 من قانون العقوبات- مردود بأن حسب الحكم أنه كشف عن أن الحصول علي مبلغ النقود إنما كان بطريق الإكراه الأدبي الذي حمل والد الطفل المخطوف علي دفعه لقاء إطلاق سراحه- وهو ما يتحقق به رُكن التهديد في تلك الجنحة- أذ أن هذا الشكل ليس له شكل معين‘ فيستوي حصول التهديد كتابة أو شفويا أو بشكل رمزي طالما أن عبارة المادة سالفة الذكر قد وردت بصيغة عامة بحيث تشمل كل وسائل التهديد (نقض جنائي طعن رقم629لسنة46 ق جلسة7/11/1976 القاعدة رقم191 مجموعة احكام النقض المجلد رقم27 الجزء 1ص 839).

الابتزاز الإلكتروني والمعاملات الاقتصادية المشروعة:

يري البعض أن التهديد الذي يتم بقصد الحصول علي شيء ما يُعد محاولة لا تصل حتي للشروع ، لذا فأنها لا تثير أي نوع من الجرائم كما أن تهديدات الابتزاز المادية لا تختلف عن أي تهديد أخر مسموح به قانوناً فالعديد من التهديدات المسموح بها قانوناً تتوافر فيها دوافع الربح ،وتهدد مصلحه من شأنها أن تكون قانونية تماماً للضرر، فمعاملات لا تختلف عن أي معاملة اقتصادية أخري مسموح بها قانوناً، فالمبتز يَدفع مقابل عدم الكشف عن معلومات يرغب في عدم كشفها، لأنهُ يُفضل خيار الدفع مع عدم الإفصاح بدلاً من أن يكون محكوما عليه بالإفصاح.

ولذلك فإن مفهوم الابتزاز الإلكتروني يكون مقترن بطلب فالتهديد غير المقترن بطلب لا يُعد ابتزاز ،و أن يكون مضمون ذلك التهديد إيذاء أضافة الي ضرورة أن يكون من شأن هذا التهديد التأثير النفسي علي المجنـى عليه ، والضغط علي أرادتهُ ، وأن يكون الجاني قاصداً ذلك، وتتجه أرادتهُ إلي غاية معينة تتمثل في الحصول علي المطلوب بناء علي ذلك التأثير.

وبذلك تنتفي جريمة الابتزاز إذا قام الشخص بتحقيق منفعة لشخص دون طلب منه ،وإنما رغبة في تجنب الايذاء

وأكدت محكمة النقض ذلك في قولها ((ما دام لم يصدر من المتهم علي أي صورة من الصور أي وعيد أو ارهاب للمجنـى عليه من شأنه تخويفه وحمله علي تسليم المبلغ الذي طلبه منه، وإنما كان تسليم المبلغ مبنياً علي سعي المجنـى عليه نفسهُ في الحصول علي الرسائل التي كان المتهم محتفظاً بها تحت يدهُ المرسلة إليه من زوجة المجنـى عليه، فإن الواقعة علي هذا النحو لا تتحقق بها جريمة الشروع في الحصول بالتهديد علي مبلغ من النقود.

نقض جنائي ، طعن رقم 133 لسنة 25ق جلسة 26/4/1955 القاعدة رقم273 مجموعة احكام النقض ، المجلد رقم 6 الجزء3 ص 915.

وبذلك يمكن القول بان موضوع التهديد في جريمة الابتزاز الإلكتروني يكون كالتالي:

التهديد المادي- وهو  التهديد الذي يكون محلة الجسد أو المال.

التهديد المعنوي- وهو الايذاء الذي يكون محله الشرف والسمعة كالتشهير أو افشاء سر وتجدر الاشارة إلي أنهُ  ومع تطور الوسائل التكنولوجية مع الوسائل الغير مشروعة التي تُمكن الغير من حفظ البيانات الشخصية والتي تمكن الجاني من الاعتداء علي حرمة الحياة الخاصة من خلال التعامل الغير مشروع مع هذه البيانات واستغلالها بدون وجه حق وهو ما يشكل تهديد حقيقي للحق في الحياة الخاصة سواء من خلال التنصت والتجسس للوصول الي هذه المعلومات أو افشائها بعد الوصول اليها بطريقة غير مشروعة والذي يمثل انتهاك للخصوصية التي لا يرغب صاحبها في اطلاع الغير عليها دون رضاء من صاحبها  وقد نصت المادة309 مكرر عقوبات مصري علي أنه : يعاقب بالحبس  مدة لا تزيد عن سنة كل من أعتدي علي حرمة الحياة الخاصة للمواطن وذلك بأن أرتكب أحد الافعال الأتية في غير الأحوال المصرح بها قانونا ، أو بغير رضاء المجنـى عليه:

  • أسترق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الاجهزة أيا كانت نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.

ب-  التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص .

فإذا صدرت الأفعال المشار اليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع في مسمع  أو مرأي من الحاضرين في ذلك الاجتماع ،فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضا.

وهذه الجريمة يتم العقاب عليها أيا كان الباعث سواء كان الابتزاز الكترونيا أم لا

والواقع أنه أذا كان الغرض منها هو الابتزاز فإن العقوبة   يتم تشديدها

وهو ما أكدته المادة 309 مكرر (أ) : يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو أستعمل ولو في غير علانية تسجيلا أو مستندا متحصلا علية بأحدي الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان ذلك بغير رضاء من صاحب الشأن ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص علي القيام بعمل أو الامتناع عنه.

ويطبق نص المادة 309 من قانون العقوبات المصري علي الاعتداء علي الحياة الخاصة عن طريق الأنترنت لأن المادة استخدمت لفظ (التلفون) بوصفه وسيلة لنقل وتسجيل المحادثات التي جرت في مكان خاص ، والمعلوم أن خطوط التليفون هي الوسيلة الرئيسية المستخدمة للاتصال بشبكة الانترنت ، كما يطبق النص أيضا عي كل من يتحصل علي الصور الشخصية أو المحادثات المسجلة في أماكن خاصة والموجودة في الملفات الشخصية للبريد الالكتروني.

((مرجع الدكتور جميل عبدالباقي الصغير ( الانترنت والقانون الجنائي).

في خاتمة هذا المقال

* التكنولوجيا  وتطورها حقق الكثير من الفوائد للفرد والدولة ولكن علب الغم من المميزات الهائلة لها إلا أن أخطرها هو الاستعمال الغير مشروع لها والتي عاقبت عليه تشريعات كثيرة خاصة أذا ما تعدت الي شرف الإنسان وخصوصيتهُ وسمعتهُ أو تهديده في سلامة جسده ومالة او التعدي علي أحدهما مقترن بطلب من المجنـى عليه وهو شرط جوهري لجريمة الابتزاز الإلكتروني حتي أن الافعال التي يقوم بها المجنـى عليه الغير مشروعة  بناء علي طلب المُبتز يُسأل عنها الجاني وتتوافر لدي المجنـى عليه شروط امتناع المسؤولية الجنائية ويُسأل المُتهم والجاني ( المُبتز) عن التعدد المادي للجرائم.

 د/ تامر صالح.

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى