جريمة ازدراء الأديان في القانون

د. رشا فاروق أيوب
بداية ومما لا شك فيه أنه كان من الضروري تناول هذه الجريمة بالدراسة والتوضيح للقارئ والمواطن، خاصة في ظل ما يحدث علي الساحة الدولية، وليس المحلية فقط.. لذا، وجدنا أنه من اللازم والحتمي التبصير بعواقب مثل هذه الأفعال الغاشمة التي تشكل بلا أدني خلاف عليه جريمة جنائية تستوجب المسئولية الجنائية والعقاب عليها، كما سنري في السطور القادمة. ولكن بداية، يجب أن نوضح ماهية ومعني ازدراء الأديان . إن ازدراء الأديان يعد اعتداء على قدسية الاعتقاد الديني والإساءة للدين والرسول، صلى الله عليه وسلم، ومهاجمة العقيدة. فلا يختلف الأمر إذا ما قام بالفعل من ينتمي أو ينتمون للطائفة الدينية ذاتها، والذي يعبر عنه بالتطرف الديني، إما باحتقاره، وإهانة الدين، أو التشدد المخل، وهي الصورة الأكثر انتشارا، أو قام بالفعل من لا يعتنقون ذات الطائفة الدينية بهدف التحقير، أو إهانة معتقد ديني آخر.
مما سبق، يتبين لنا أن ازدراء الأديان يعد ضربا من ضروب تحقير الأديان السماوية ومهاجمة السنة والإساءة للصحابة وإلصاق الاتهامات الجزافية للصحابة وآل البيت وأمهات المسلمين، ليس فقط كذلك، بل أو الإساءة لأي دين سماوي آخر، إما بإنكاره، أو محاولة تكفير معتنقيه، والآراء المتطرفة والمتشددة التي تتبرأ منها جميع الأديان السماوية في إقرار التعامل بين البشر. ومعني كلمة ازدراء في معجم اللغة العربية هو الاحتقار .
والقانون يعرف جريمة ازدراء الأديان بأنها احتقار الدين، أو أحد رموزه، أو مبادئه الثابتة، أو نقده أو السخرية منه بأي شكل من الأشكال، أو إساءة معاملة معتنقيه، لأن مثل هذه السلوكيات هي التي تثير الفتن. ومن هنا، فإن الهجوم بأي شكل على كل ما يتعلق بالدين يعد ازدراء له، ولا يسمح به مطلقا، والقانون الجنائي يعاقب عليه. لذلك، فازدراء الأديان يعني العمل على تحقير المعتقدات والرموز الدينية الخاصة بما يقلل احترام المجتمع لها. فالسلم المجتمعي هو الركيزة الأساسية في استقرار الدولة، والمعكر الأول لصفو هذا السلم هو انتقاد أديان الآخرين والمعتقدات الدينية لهم، وهو ما يجب أن يقابل بكل حزم وشدة في الدولة التي تسعى إلى الاستقرار والسلم بين مواطنيها.
الهدف من جريمة ازدراء الأديان:
تتمثل جريمة ازدراء الأديان في استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة، بأي وسيلة كانت، مثل الكتابة، والتصوير، أو النشر، أو القول، أو ترديد الشائعات، وغير ذلك من وسائل العلانية في نشر هذه الأفكار المتطرفة، بهدف إثارة الفتنة أو الإساءة لأحد الأديان السماوية بهدف الإضرار بسلام المجتمع وأمنه ووحدته الوطنية .
كيف تتحقق جريمة ازدراء الأديان ؟
تتحقق جريمة ازدراء الأديان بوقوع الفعل المجرم، وتوافر النية، بغض النظر عن تحقق الهدف المرجو من هذا الفعل من عدمه . ومعنى ذلك أن المشرع يعاقب على جريمة ازدراء الأديان، حتى لو لم تتحقق النتيجة الإجرامية المرجوة منه لسبب خارج عن إرادة الجاني، إما بوقفها، أو خيبة آثارها، وهذا ما يسمي في القانون الجنائي (بالشروع ).
اركان جريمة ازدراء الأديان :
تقوم الجريمة علي ركنين، شأنها في ذلك شأن جميع الجرائم.
أولا الركن المادي: وهو يتمثل في استغلال الأديان السماوية في الترويج والتحبيذ باستخدام أي وسيلة من وسائل النشر لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين.
ثانيا الركن المعنوي : ويقصد به توافر القصد الجنائي واتجاه الإرادة إلى ازدراء الأديان السماوية أو تحقيرها أو إثارة الفتن، أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، لكي يخرج المنتمون إلى دين معين ليدخلوا في دين آخر ويعتنقوه، أي أن مناط الحماية القانونية بنص تلك المادة هو الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وليس الأديان السماوية، أو الطوائف المنتمية إليها.
موقف القانون الجنائي من الجريمة :
فوفقا المادتين 98 و 160 من قانون العقوبات المصري، فإنه وإن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى الدستور، فإن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان بأن يمتهن حرمته، أو يحط من قدره، أو يزدريه عن عمد منه. فإذا تبين أنه إنما كان يبغي الجدل الذي أثاره المساس بحرمة الدين و السخرية منه، فليس له أن يحتمي في ذلك بحرية الاعتقاد. وتوافر القصد الجنائي هنا كما في كل الجرائم العمدية هو من الأمور التي تستخلصها محكمة الموضوع، طبقا لعقيدتها من الوقائع والظروف وملابسات الدعوى المطروحة أمامها . ولا يشترط في الحكم بالعقوبة أن يذكر فيه صراحة سوء نية المتهم، بل يكفي أن يكون في مجموع ومجمل عباراته ما يفيد ذلك.
حيث تنص المادة 98 من قانون العقوبات المصري على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز ألف جنيه لكل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أ بأي وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة، أو التحقير، أو ازدراء أحد الأديان السماوية، أو الطوائف المنتمية إليها أو الضرر بالوحدة الوطنية أو بالسلم الاجتماعي “.
كما تنص المادة 160 من قانون العقوبات المصري على أنه “مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد، يعاقب بالحبس مدة ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على 5 آلاف جنيه كل من شوش على إقامة شعائر ملة، أو دين، أو احتفال، أو رموز، أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس. فإذا كان الغرض من ارتكاب ذلك هو إحداث فتنة، أو تهديد، أو زعزعة الوحدة الوطنية ،تكون العقوبة المشددة لمدة سبع سنوات، مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون آخر، وتكون العقوبة الحبس 3 سنوات لكل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها، وتكون العقوبة السجن المشدد الذي لا تقل مدته عن 5 سنوات،
إذا ارتكبت أي من الجرائم السابقة لغرض إرهابي”.
وبمنتهي البساطة، ووفقا لهاتين المادتين، يمكن تقديم أي شخص للمحاكمة بمقتضاهما لمجرد أنه نشر مقالا، أو صورا، أو رسومات، أو بأي وسيلة أخرى من وسائل النشر، أو أي كلام عن دين من الأديان السماوية، أو شعائره، وكان هذا الكلام يحمل رأيا مخالفا أو وجهة نظر مغايرة لما هو مستقر عليه.
التحريض علي جريمة ازدراء الأديان:
كل من حرض واحدا أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علنا أو بفعل أو أشياء صدرت منه علنا، أو بكتابة، أو رسوم، أو صور شمسية، أو رموز، أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية، أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية، يعد شريكا في فعلها، ويعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب على هذا الإغراء وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل. أما إذا ترتب على التحريض مجرد الشروع في الجريمة، فيطبق القاضي الأحكام القانونية في العقاب علي الشروع . ويعد القول أو الصياح علنا إذا حصل الجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل في محفل عام، أو طريق عام، أو أي مكان آخر، أو إذا حصل الجهر به، أو ترديده بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان، أو إذا أذيع بطريق اللاسلكي أو بأية طريقة أخرى . ويكون الفعل أو الإيماء علنيا إذا وقع في محفل عام أو طريق عام، أو إذا وقع بحيث يستطيع رؤيته من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان.
وهذا هو كان الوضع في القانون الجنائي المصري، ولا يختلف كثيرا عن الوضع في القانون الدولي.
موقف القانون الدولي من جريمة ازدراء الأديان:
إن القانون الدولي كفل حرية الاعتناق لكل إنسان، إلا أنه لم يسمح بازدراء الأديان، وهذا ما نص عليه كذلك الدستور المصري، الذي يكفل حرية العقيدة والاعتقاد الديني، ويحرم في الوقت نفسه الإساءة لمعتقدات دينية للآخرين، لأن هناك فارقا بين حرية الرأي والتعبير، والتي تتيح للجميع حرية انتقاد الأفكار، وبين ازدراء الأديان، والتقليل من معتقدات الآخرين، وهو ما يعاقب عليه القانون المصري والقانون الدولي على حد سواء، وكذلك جميع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان كفلت هذه الحرية، وحرمت وجرمت ازدراء الأديان.
كما فرض القانون الجنائي الدولي حماية على الأماكن المقدسة فجرمها وجعلها جريمة حرب، طبقا لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م، والبروتوكولين الملحقين لها لعام 1977م، حيث عد مخالفة الاتفاقيات سالفة الذكر جريمة حرب، وهذا ما نصت عليه المادة (8) الفقرة الثانية (أ) والفقرة التاسعة من ذات المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث عدتها المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة ضد الإنسانية، وذلك لأنها تعبر عن اضطهاد وتمييز بسبب الدين. ويمكن عز طريق جميع الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية المنصوص عليها في المادة ( 112 / ز ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عد جريمة ازدراء الأديان جريمة ضد الإنسانية، لأنها تمثل اعتداء علي البشرية جميعا. ويمكن إدخالها ضمن الركن المادي لجريمة الاضطهاد الديني أو التمييز العنصري بسبب الدين أو المعتقد الديني .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى