جائحة كورونا وانعكاساتها على المحاماة في المملكة المتحدة (رؤية مقارنة)

 

بقلم: أ. مازن السباعي

لا شك أن جائحة كوفيد 19 أصابت مهنة المحاماة ففي العديد من بلدان العالم.

ففي انجلترا، أصدرت نقابة المحامين في شهر إبريل الماضي تقرير، تحذر فيه بأن هناك ما لا يقل عن 79% من المكاتب التقليدية للمحاماة المعروفة بـ High Street Firms، التي تعد الأكثر اتصالًا بالمسائل القانونية لرجل الشارع العادي أصبحت مهددة بالغلق بسبب تداعيات كوفيد 19.

ويرجع ذلك لسبب قلة التدفقات المالية التي أدى إليها غلق الأسواق، وصعوبة إجراء العقود المدنية، كعقود الايجارات والبيع وغيرها من المعاملات اليومية لرجل الشارع العادي، وكذلك بسبب استمرار الحظر الذي فرضته الحكومة بسبب تفشى جائحة كورونا، فضلًا على تأثر العديد من القطاعات التي يعمل فيها رجل الشارع العادي وما نتج عنه من غلق محل أعمالهم مما أدى لتهديد حقيقي يواجه أعمال تلك المكاتب.

وحين أعلنت الحكومة البريطانية عن إعادة فتح الأسواق، أصدرت دليل استرشادي عام يسري على جميع الأنشطة والقطاعات لفتح مقار العمل، كما قامت نقابة المحامين بوضع دليل آخر استرشادي يخص بيئة النشاط القانوني في المملكة المتحدة.

وقد رأينا أن نعرض بعض ما جاء في هذا الدليل الصادر من نقابة المحامين في انجلترا وويلز لعل يكون فيه إفادة وإرشاد يمكن الأخذ به في مصر في ظل رفع الحظر وعودة العمل لمجراه الطبيعي كما كان قبل الحظر.

الدليل الاسترشادي الصادر من نقابة المحامين في انجلترا بشأن نظام العمل الأمثل لإعادة فتح مكاتب المحاماة

صدر هذا الدليل بتاريخ 16 يونيو 2020، والغرض منه هو فهم إطار العمل القانوني القابل للتطبيق لإدارة القوى العاملة أثناء استمرار جائحة كورونا ومساسها بالصحة العامة، وكذلك لوضع منهجية استراتيجية طويلة الآجل لمكاتب وشركات المحاماة قبل قيامهم تبني منهجية واستراتيجية جديدة لإعادة فتح مقرات العمل.

ولما كان قانون العمل واللائحة التنفيذية بشأن الصحة والسلامة المهنية في المملكة المتحدة لم يُسن للتعامل مع ظروف الجائحة، فتم عمل هذا الدليل الاسترشادي من قبل نقابة المحامين لتنظيم هذا الظرف الاستثنائي.

وينصح بالعمل بهذا الدليل الاسترشادي في ظل إعلان الحكومة على استمرار الخطورة الكبيرة لجائحة كورونا على خدمات الصحة العامة، وفي ظل حالة ارتفاع وتصاعد الإصابات بشأن العدوى، واستمرار انتشاره بين الناس.

ونص الدليل الاسترشادي على ضرورة أن يضع أصحاب الأعمال جميع المعلومات الحكومية بشأن فيروس كورونا محل النظر، وكذلك بطلب مشورة إدارة الصحة والسلامة المهنية (HSE).

ونبين في هذا المقال بعض أهم ما جاء في هذا الدليل الاسترشادي بشأن إعادة فتح مقار العمل لمكاتب وشركات المحاماة في المملكة المتحدة، لما فيه من نظرة مقارنة بشأن كيفية التعامل مع الأزمة الحالية.

1-مسئوولية أصحاب المكاتب والشركات على تعويض المحامين لديهم حال اصابتهم بفيروس كورونا بسبب اتصالهم بمحل العمل:

– يقع عبء الاثبات على اسناد تلك المسئولية على العاملين لدى المؤسسة القانونية في اثبات تعرضهم للمرض بسبب العمل، وكذلك اثبات إهمال أصحاب المؤسسة القانونية في ادارتهم للمخاطر، فأصحاب المؤسسات القانونية عليهم التزام واسع بأخذ الاجراءات العملية لدعم الصحة الجسدية والعقلية للعاملين لديهم.

2-الإطار القانوني:

يجب على أصحاب الأعمال أن يحيطوا علمًا بالإطار القانوني الخاص بإدارة أعمال الموظفين لديهم، ووضع نظام عمل في مؤسساتهم القانونية خلال تفشى جائحة كوفيد 19.

وينقسم الإطار القانوني إلى أمرين محددين وهما:

أولًا: الإطار القانوني الذي يتصل بعدوى كوفيد 19.

ثانيًا: الإطار القانوني فيما يتعلق بالتطبيقات المستمرة بشأن بطرق إدارة أعمال الموظفين والقوى العاملة لدى الكيانات القانونية.

أما بالنسبة للإطار القانوني الخاص بمعرفة ما يتصل بكوفيد 19، فيجب على أصحاب الأعمال أن يلتزموا بالآتي:

– اللائحة التنفيذية الخاصة بحماية الصحة العامة الصادرة في 2020(كورونا فيروس، القيود) (انجلترا).

-الدليل الاسترشادي للحكومة بشأن الصحة العامة وفيروس كورونا.

-الاشتراطات الآمرة والخاصة التي تم وضعها بواسطة الحكومة والجهات المفوضة في المملكة المتحدة.

أما بالنسبة للإطار القانوني الخاص بإدارة الموظفين والعمال، فيجب على أصحاب الأعمال الالتزام بالآتي:

– تطبيقات قانون العمل.

– قانون المساواة وعدم التمييز.

– شروط الصحة والسلامة المهنية.

– اللائحة التنفيذية بشأن حماية البيانات العامة (GDPR).

3- السياسة الواجب الاعتناء بها من أصحاب الكيانات القانونية لإعادة فتح مقار أعمالهم.

ينغي إعادة مراجعة قواعد السلامة والصحة المهنية لتشمل الخطورة الناشئة من الاصابة بفيروس كورونا، فمن المحتمل أن يُطالب أصحاب المؤسسات القانونية بالعزل المنزلي، لذا من المفيد إنشاء سياسة عمل بشأن ما هو الواجب فعله حال غيابهم بسبب اصابتهم بالوباء لضبط سياسة العمل واللوائح الخاصة به.

من المهم وضع سياسة اجرائية بشأن التعامل مع شكاوى العاملين لدى القانونية الخاصة بالصحة والسلامة المهنية، والتي من الممكن أن تؤدى إلى تعديل سياسة رفع شكاوى العاملين إلى الجهات الرسمية المختصة المعروفة بـ (Whistblowing policy).

-قد تمتد تلك السياسة لتشمل إمكانية وضع سياسة بشأن التحكم في غرف للقاءات عبر الفيديو الكونفرانس وتحديد مسئولية من يديروا هذه اللقاء، والأشخاص الذين في حوزتهم البيانات والمعلومات الخاصة بالاجتماعات، وما هو نطاق المسئولية الملقى عليه مند استضافة اللقاءات المباشرة عن بعد.

وتسري تلك السياسات أيضًا بالنسبة للمنظمات القانونية التي تمد العاملين لديها بمعدات وقائية شخصية المعروفة بـ(PPE)، فمن المهم وضع سياسة بشأن استخدام تلك المعدات، ومدى مسئولية العاملين لدى المنظمة عند استخدامها، مثل وضع سياسة بشأن ضرورة التدريب المناسب لاستخدام المعدات بُطرق آمنة.

ووفقًا للدليل الاسترشادي الحكومي الصادر في المملكة المتحدة، فإن شركات المحاماة والمكاتب المماثلة يجب ألا تشجع العاملين لديها بالاستخدام الوقائي لمعدات الحماية الشخصية (PPE)، فقد نص الدليل الاسترشادي الحكومي على أن أفضل التدابير لمحاربة فيروس كورونا هو التباعد الجسدي والتخلص من القمامة والنفايات، ومع ذلك، إذا أختار العاملين لدى شركات المحاماة والمكاتب المماثلة استخدام الكمامة والتي تختلف عن الأدوات الوقائية الشخصية، فعلى صاحب العمل التزام بتوجيه العاملين لديه بكيفية الاستخدام الأمثلة للكمامة.

ويجب اخطار جميع العاملين لدى المؤسسة بشأن أية تعديلات تخص سياسة العمل الداخلية، ويجب أن يكون الإخطار بشكل واضح، ويجب على المؤسسات القانونية تدريب العاملين لديها على الطرق العملية لتنفيذ تلك السياسات التي يتم اعتمادها.

كما يتعين على أصحاب المؤسسات القانونية وضع لائحة تأديبية في حال مخالفة العاملين لديهم لتلك السياسات، ففي حالة عدم وضع لائحة تأديبية، فسوف يكون أصحاب الأعمال مسئولين عن دعوى الإهمال التي تقام ضدهم بشأن الصحة والسلامة المهنية تجاه العاملين لديهم، حيث من الممكن أن يكون ذلك دليل على عدم قيامهم بوضع الاجراءات اللازمة لتقليل خطورة الاصابة بفيروس كورونا.

4- إعداد خطة تقييم للمخاطر وإعلام الموظفين بنتائجها

جاءت تعليمات الدليل الاسترشادي الحكومي بشأن فتح الأسواق بنصائح خاصة لأصحاب الأعمال بشأن وضع وإعداد ما يُعرف بخطة تقييم للمخاطر.

ويعتبر هذا التقييم من الأمور التي تنصح الحكومة بالقيام به بالنسبة لأصحاب الأعمال الذين لديهم أكثر من 50 موظفًا، ويتعين على أصحاب الأعمال الإعلان عن نتائج تقييم المخاطر على موقعها الرسمي حتى يتمكن الموظفين لديها من الاطلاع عليه.

وبتطبيق خطة “التقييم على المخاطر” على مكاتب وشركات المحاماة، ينصح بوضع تقييم للمخاطر مختصرًا، نظرًا لصعوبة المصطلحات واللغة المستخدمة في مثل هذه التقييمات، وأن يُكتب بشكل مبسط لغير المتخصصين.

ولما كانت جائحة كوفيد 19 من المتوقع أن تستمر لمدة طويلة، فإن الموظفين لدى أصحاب الكيانات القانونية في حاجة أن يكونوا على دراية بأي تطورات تخص بيئة ومحل العمل، حتى يضمنوا سلامتهم، وكي يعلموا أيضًا سبب اتخاذ إجراءات معنية من قبل أصحاب المكاتب والشركات القانونية.

وهناك واجب على أصحاب الكيانات القانونية بطلب مشورة الموظفين لديهم، بشأن مسائل الصحة والسلامة المهنية.

الخلاصة:

تعد ثقافة إدارة الأزمات الملقاة على الكيانات القانونية اليوم من أهم ما أنتجته جائحة كورونا على بيئة أعمال المحاماة في العالم، ونخص منها المملكة المتحدة في هذا المقال، حيث أن هذه الثقافة امتدت لوضع آليات تنفيذ في شكل دليل استرشادي لحماية أصحاب الكيانات القانونية والعاملين فيها من مخاطر الاصابة بجائحة كورونا وللحث على وضع سياسة ولوائح تنظيمية تحدد فيه نطاق مسئولية كل طرف تجاه الآخر بشأن تضرره من هذه الاصابة بمناسبة اتصاله بهذا العمل.

وهو الأمر الذي يستدعي أن يكون هناك عناية متزايدة بعلوم الإدارة، وإدارة الأزمات و المخاطر، وانعكاسها على ثقافة مكاتب و شركات المحاماة في مصر من أجل القدرة على التعايش والتعامل مع هذه الجائحة في ظل توقع استمرارها حتى نهاية 2021.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى