انتخبوا سعد بن عبادة!!

بقلم: أ/ محمد شعبان

سعد بن عبادة، صحابي جليل، وسيد الخزرج، ومن أوائل المبايعين للنبي صلى الله عليه وسلم في العقبة، وقد ناله ما ناله من قريش لما انفضح أمر بيعته للنبي صلى الله عليه وسلم مع بقية الرجال الذين بايعوا على نصرته ومنعه من قريش وغيرها من القبائل التي ناصبت الدعوة الإسلامية العداء، فتعرض للتعذيب ولاقى ما لاقى من شدة بأس قريش.
ضرب سعدُ بن عبادة أروع المثل في الإخلاص لقائده وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعه وآزره في شدته وعسره وحارب بجانبه حتى قويت شوكة الدعوة الإسلامية آنذاك، وكان مثالاً طيباً في الطاعة والاجتهاد في الانتصار للدولة وهي في طور البناء والتكوين.
وكان سعد بن عبادة على موعد مع حادثة مع النبي صلى الله عليه وسلم تركت دروساً بالغة الأهمية في فقه سياسية الدولة والقيام على شئون الرعية بما ينصلح به حالهم، ويبدد الشكوك التي في صدورهم، مما يسهم في وأد الفتة، ويحفظ وحدة الصف الوطني داخل الدولة.
هذه الحادثة بطلاها هما النبي صلى الله عليه وسلم وسعد بن عبادة.وهذه الحادثة دارت وقائعها في أعقاب غزوة حنين في شوال من السنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة.
فبعد انتصار المسلمين في هذه الغزوة بقدرة الله الذي أنزل على رسوله وعلى المؤمنين جنوداً لم يروها فكانت هزيمة المشركين، ففروا وتركوا خلفهم الآلاف من الأبقار والأنغام والإبل والذهب والفضة، فأخذ الرسول يوزع الغنائم، وكان أكثر من استحوذوا عليها من دخلوا الإسلام حديثاً من أهل قريش وبعض قبائل العرب الأخرى. ولم يكن نصيب الأنصار متكافئاً مع ما حصل عليه أبناء قريش وبعض القبائل الأخرى. فامتعض جانبٌ من الأنصار، ووجدوا في أنفسهم شيئاً من رسول الله حتى قال أحدهم ( والله لقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم قومه ) !!!!
وقد بلغ هذا الكلام سعداً بن عبادة، وما كان من سعدٍ إلا أن هم بالذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن لماذا ياترى؟! هل من أجل أن ينقل إليه هموم بني قومه؟ أم ليتقرب منه وينقل إليه خبر ما سمعه ويبدي اعتراضه على ذلك مداهنة وتملقاً وتأييداً مطلقاً للنبي صلى الله عليه وسلم حتى دون أن يقف على السبب في إيثار بني قريش وغيرهم باكثر الغنائم؟
الموقف لسعد بن عبادة يثير التساؤلات العديدة. فسعد رجل دولة، وقد يجد البعضُ غضاضةً على رجل الدولة بالمفهوم الحديث، إذا ما اختلف مع قائده. فالجميع مُجمع على أن رجال الدولة هم رجال القائد ولو على حساب قومهم وبني أوطانهم. هكذا يظن البعض. ولكن التربية القيادية للنبي صلى الله عليه وسلم تختلف، فهو الذي علم صحابته فن الاعتراض والنقد.
فضرب سعد بن عبادة مثالاً رائعاً في القيام بالواجبات النيابية تمثيلاً لقومه وتعبيراً عن مشكلاتهم. فكان في موقفه درساً بليغاً في تجسيد المسئولية السياسية لرجل الدولة، الذي ينشغل بهموم بني وطنه، وفي ذات الوقت يحترم قائده ويعطيه قدره ولكن دون أن يختل ميزان العدالة في يده.
ها هو سعد بن عبادة، يهم مسرعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائده الذي ضحى بنفسه لأجل سلامته وسلامة دعوته. ذهب سعدٌ إلى النبي للمسائلة لا للمداهنة، للمكاشفة لا للممالقة.
فدخل على رسول الله وقال له ( يارسول الله إنّ هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فيم) !؟ قال: فيما كان من قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، ولم يكن فيهم من ذلك شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأين أنت من ذلك يا سعد؟) فرد سعدٌ برده الشهير والبليغ قائلاً ( ما أنا إلا امرؤ من قومي) .
وهنا يتحول المشهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يستكمل الدرس ليعلمنا أن المهارة الحقيقية للقائد في الاحتواء، وليس في الإقصاء والنهر. قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعدٍ ( اجمع لي قومك في هذه الحظيرة، فإذا اجتمعوا فأعلمني).
فخرج سعدٌ فصرخ فيهم، فجمعهم في تلك الحظيرة ثم أتى النبيَ فقال ( يا رسول الله قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، حيث أمرتني أن أجمعهم) .
فخرج رسول الله فقام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (يا معشر الأنصار! ألم آتكم ضُلّالاً فهداكم الله بي؟ وعالةً فأغناكم الله بي؟ وأعداءً فألف الله بين قلوبكم؟)، قالوا: بلى، ثم قال رسول الله: (ألا تجيبون يا معشر الأنصار!؟) قالوا: وماذا نقول يا رسول الله، وبماذا نجيبك؟ المنّ لله ولرسوله، قال: (والله لو شئتم لقلتم فصَدقتم وصُدِّقتم: جئتنا طريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك، وخائفاً فأمنّاك، ومخذولاً فنصرناك)، فقالوا: المنّ لله ولرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألّفتُ بها قوماً أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم!؟ فوالذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار)، فبكى القوم حتى اخضلّت لحاهم، وقالوا: رضينا بالله رباً وبرسول الله قسّماً، ثم انصرف وتفرقوا. وانتهى المشهد.
هكذا انحلت العقدة، وتبددت الشكوك، وازدادت الرابطة السياسية بين الشعب وقائده بفضل إيجابية الممثل الذي أناب عن الشعب في طرح القضية بكل صدق وإخلاص ، ودون رياء أو تملق.
هكذا كانت كانت سياستنا الإسلامية، فمن هذه الدروس نتعلم ونعلم الدنيا كيف تكون سياسة أمور الرعية، وكيف تُمارس الديمقراطية النيابية،
هاهم النواب الحقيقيون الذين يعبرون عن وجدان وضمير أمتهم، لا تأخذهم في الحق لومة لائم، وهم للحق غير كارهين، ولا يأتون الباطل بزينة فيصيرون من الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
لذلك فابحثوا عن سعد بن عبادة فإن وجدتموه بين أظهركم فانتخبوه. انتخبوا من يقول إنما أنا امروء من قومي.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى