النقيب مرقص باشا حنا أنشودة الوطنية  (3)

نشر بجريدة الأهرام الاثنين 15/11/2021

بقلم : الأستاذ/ رجائى عطية

بدأ الأستاذ مرقص حنا نضاله الوطنى من قبل ثورة 1919 ، وقبل تشكيل حزب الوفد ، فقد كان عضوًا مهمًا فى الحزب الوطنى القديم ، فالحقيقة أن سعد زغلول لم يكن أول من أشرك الأقباط فى الحركة الوطنية ، وإنما سبقه إلى ذلك مصطفى كامل ، الذى اصطفى إليه من قبل كلاًّ من الأستاذ ويصا واصف ، والأستاذ مرقص حنا ، ومع أن ظاهر دعوة مصطفى كامل تستند إلى الفكرة الدينية ، والتى كانت تربط آنذاك ــ بين الاستقلال ودولة الخلافة ، وتدعو للجامعة الإسلامية ، إلاَّ أن مصطفى كامل كان يدعو فى مقالاته وخطبه إلى ارتباط المسلمين والأقباط بالجهاد الوطنى ، وشهد بذلك المحامى المؤرخ عبد الرحمن الرافعى فى كتابه عن مصطفى كامل .

ونعرف أن مصطفى كامل ــ رحمه الله ، قد غادر الدنيا فى شبابه فى فبراير 1908 ، عن أربعة وثلاثين عامًا ، و لكن مرقص حنا لم ينقطع بوفاته عن الحركة الوطنية ، فانخرط فى ثورة 1919 ، وكان رئيسًا لجمعية « الشعلة » ومعه فيها نجيب باشا غالى ، لمؤازرة الثورة ، وقد تعددت تلك الجماعات التى جندت نفسها لدعم ثورة 1919 ، وشكل معظمها من المحامين الذين كانوا فى طليعة النضال الوطنى ، فبالإضافة للجهاز السرى الذى نهض عليه عبد الرحمن بك فهمى ، كان هناك « جمعية السيد السوداء » برئاسة المحامى عبد الحليم البيلى ، وجمعية « الدفاع الوطنى » وأكثر أعضائها من « جمعية السيد السوداء » وضبطت علامات السيد السوداء فى منزل محمد لطفى المسلمى طالب الحقوق ، المحامى فيما بعد ، وجمعية « اللجنة المستعجلة » ويرأسها حسن نافع وإبراهيم عبد الهادى طالب الحقوق ثم المحامى ، والوزير والباشا رئيس الوزراء فيما بعد .

والدال على بروز مرقص حنا فى قيادة ثورة 1919 ، أنه فيما أبدى الوفدى الكبير فخرى بك عبد النور فى مذكراته ، كان ضمن الثلاثة الذين وقع عليهم اختيار المظاهرة الكبرى فى مارس 1919 ، لدخول القصر الملكى ومقابلة السلطان فؤاد والحديث إليه .

فقد تم فى مارس 1919 اعتقال الزعماء الأربعة : سعد زغلول باشا ، ومحمد محمود باشا ، وحمد الباسل باشا ، وإسماعيل صدقى باشا ونفيهم إلى مالطة فى الثامن من مارس ، وقاد إلى هذه التداعيات ، أن حسين رشدى باشا رئيس الوزراء وعدلى يكن باشا وزير المعارف فى الوزارة ، قد طالبا بضرورة السماح لوفد سعد زغلول بالسفر إلى باريس لعرض القضية المصرية على مؤتمر السلام ، وطلبا الترخيص لهما وللوفد بالسفر للعمل على تحقيق « الأمانى الوطنية » ، ولكن الحكومة البريطانية أصرت على الرفض وعدم الترخيص لوفد سعد باشا بالسفر اطلاقًا ، فتقدم حسين رشدى ، باستقالة وزارته ، وقبلها السلطان فؤاد بعد فترة ، وأمرت سلطات الاحتلال فى 8 مارس باعتقال الزعماء الأربعة ، وساقتهم إلى ثكنات قصر النيل ( موضع جامعة الدول العربية والفندق المجاور لها الآن ) ، ورحلتهم فى اليوم التالى إلى مالطة .

والحق أن السلطان فؤاد لم يقبل الاستقالة فى البداية ، لعل الحكومة البريطانية تقبل ما عرضه رشدى باشا بشأن سفره وعدلى يكن باشا إلى لندن ، ولكن الانجليز أصروا على موقفهم من المنع ، فكتب رشدى باشا إلى السلطان ثلاث مرات مصرًّا على أن تسمح الحكومة البريطانية بالسفر إلى أوروبا لمن يشاء من المصريين ، كشرط أساسى لسحب استقالته . وإزار ذلك اضطرت الحكومة البريطانية للموافقة على سفر الوزيرين ــ دون غيرهما ــ إلى لندن ، وصمم رشدى باشا على موقفه بضرورة السماح لكل من يطلب السفر من المصريين ، فرفض الإنجليز هذا الشرط ، وتأزم الموقف ، فأضطر السلطان فؤاد إلى قبول استقالة الوزارة فى أول مارس 1919 .

بيد أن الثورة زادت اشتعالاً ، وتراجعت بريطانيا وعينت المارشال اللنبى القائد العام للقوات البريطانية مندوبًا ساميًا لإنجلترا فى مصر ، وما هى إلاَّ أيام قليلة حتى ظهرت بوادر السياسة الإنجليزية الجديدة ، وأذاع اللنبى قرارًا بالإفراج فورًا عن الزعماء الأربعة المنفيين فى مالطة ، مع السماح لهم ولمن يشاء من المصريين بالسفر إلى الخارج .

وتجاوبًا مع هذا الخبر ، قامت مظاهرات حماسية ، سلمية ، فى القاهرة وشتى مدن مصر ، وكان الواجب أن تمر هذه المظاهرات السلمية بأمان ، وفيها العلماء وطلاب الأزهر والآباء الروحيون ورجال القضاء بأوسمتهم ، والمحامون ، والأطباء ، والمهندسون ، وطلبة المدارس ، والعمال ، وغيرهم من طوائف الشعب ، يعبرون عن فرحتهم بسلام ، إلاَّ أن أحد الجنود الإنجليز أطلق الرصاص على المتظاهرين وهم فى ميدان الأوبرا ، فقتل عددًا من المصريين ، وكان من بينهم غلام يدعى « رجب إبراهيم » فحمله بعض المتظاهرين واستمروا فى سيرهم حتى قصر عابدين . وأرادوا الدخول به إلى القصر ، فطُلب إليهم اختيار وفد منهم فاختاروا ثلاثة هم : مرقص حنا بك نقيب المحامين ، ومحمد زكى الإبراشى بك من رجال النيابة ، ومحمد توفيق حقى بك من رجال القضاء . وقد قابلوا السلطان فؤاد . فتكلم مرقص حنا بك شارحًا ما حصل ، معلنًا باسم الجماهير استنكار الشعب لتمادى الإنجليز فى ارتكاب الحوادث الوحشية ضد الآمنين . فأظهر السلطان تأثره ، وأمر باستدعاء رشدى باشا ليتصل « بدار الحماية » لوضع حد لهذه الاعتداءات .

ثم خرج إلى الشرفة وأطل على المتظاهرين ، فقابلوه بالهتاف ، معربين عن شكواهم مما حدث ، وعن مطالبتهم بالاستقلال التام ، وهو هو ما نقله إليه النقيب مرقص حنا أنشودة الوطنية .

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى