الغش والخِدَاعِ التِّجَارِيِّ فى التشريع المصرى

بقلم: الدكتور/ فرج الخلفاوي

كانت ولم تزل ظاهرة الغش التجارى ظاهرة تعكس وجهًا قبيحًا لسلوك بعض بني البشر ترتكبها قلة فتعاني منه الكثرة وتثرى منه فئة جشعة مجرمة لتدفع فئات شريفة كادحة ثمن ذلك الثراء السريع والربح الوفير مالًا ودمعًا ودمًا دون وازع من ضمير أو دين، ولو كان ذلك على جثث الآخرين.

الغش التِّجاري يرتب آثارا وانعكاسات ضارة ليس على صعيد الاستقرار التِّجاري فحسب وإنما على صحة الإنسان والبيئة، فضلًا عن إضراره بسمعة الدول الائتمانية؛ ولذلك تحرص الدول على مواجهة هذه الظاهرة بشتى السبل والوسائل للحد منها ومعالجتها حفاظًا على الإنسان والبيئة وحمايةً لمراكز الدول وسمعتها التجاريَّة.

ويقع الغش -بصورة عامة- بفعل الخداع والذى هدفه المستهلك، أو الغش -بمعناه المادي-، ويكون هدفه السلعة أو المال، وقد استعمل المشرع الفرنسي لفظ tromper للخداع ولفظ falsifier للغش، إلا أنه خلط بين اللفظين حين عرف الغش في المادة الأولى من قانون

أو ل اغسطس 1905 في فرنسا والتي نصت على تعريف الغش بأنه ” خداع المتعاقد -ولو بواسطة الغير- فيما يتعلق بطبيعة منتج معين أو صفاته الجوهرية أو تكوينه أو نوعه أو طريقة الاستخدام أو المخاطر المتعلقة باستخدامه”، ويلاحظ أن هذا التعريف قد عرف الغش بالخداع في حين أن هناك فروقًا جوهريَّةً بين الغش والخداع الموجه إلى شخص المتعاقد ؛ لذلك فان النصوص القانونيَّة الفرنسية لم تورد تعريفًا محددًا للغش.

لم يعرف المشرع المصري الغش التِّجاري في قانون قمع الغش والتدليس رقم 48لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281لسنة 1994، لكنه أو رد تطبيقات عديدة تبين مضمون الغش وتحدد عناصره تاركًا ذلك لاجتهادات الفقهاء وأحكام القضاء ، وقد أصاب المشرع المصري بعدم وضعه تعريفًا محددًا؛ حتى لا يكون التقنين قوالب جامدة، فيظل يتسم بالمرونة والتطور الذي يسمح بإدراج كل ما يستجد من أنواع الغش مستقبلًا.

وقد فرق المشرع المصري بين الخداع والغش، حيث نص في المادة الأولى من قانون قمع الغش والتدليس رقم 281لسنة 1994 على مصطلح الخداع للدلالة على فعل الغش والخداع في حين جاءت المادة الثانية بمصطلح للدلالة على فعل الغش بمعناه المادي، كما أنه قرر عقوبة لجريمة الغش أشد من عقوبة جريمة الخداع.

وكان لمحكمة النقض المصرية دورٌ مهمٌّ في تعريف للغش، حيث أو ضحت أنه” يقع الغش بإضافة مادة غريبة إلى السلعة أو بانتزاع شيء من عناصرها النافعة، كما يتحقق أيضًا بإخفاء البضاعة تحت مظهر خادع من شأنه غش المشتري، ويتحقق ذلك بالخلط أو بإضافة مادة مغايرة لطبيعة البضاعة أو من نفس طبيعتها، ولكن من صنف أقل جودة بقصد الإيهام بأن الخليط لا شائبة فيه أو بقصد إخفاء سوء البضاعة أو إظهارها في صورة أجود مما هو عليه في الحقيقة”.

ولقد قررت محكمة النقض المصرية ذلك في أحكامها حيث ذهبت إلى أنه” يكفي لتحقق الغش خلط الشيء أو إضافة مادة مغايرة لطبيعته أو من نفس طبيعته ولكن من صنف أقل جودة بقصد الإيهام بأن المادة المخلوطة خالصة لا شائبة فيها أو بقصد إظهارها في صورة أحسن مما هي عليه ……” وقد اعتمدت محكمة النقض في هذا القضاء على البند الأول من المادة 6من قانون الأغذية.

وعرفت محكمة النقض الفرنسية الغش : بأنه ” الالتجاء إلى تحوير أو معالجة غير مشروعة أو غير متفقة مع اللوائح يكون من شأنها تغير التركيب المادي للمنتج، وقد يكون ذلك بالإضافة أو بالإحلال أو التحوير”.

وكان التعريف السائد في قانون قمع الغش والتدليس رقم48 لسنة 1941 يقتصر على مفهوم الغش والفساد في السلعة بصرف النظر عن انتهاء تاريخ الصلاحية، إلا أن مفهوم الغش التِّجاري في القانون رقم 281 لسنة 1994 قد ساوى بين الغش في المواد وفسادها أو انتهاء تاريخ الصلاحية مع علم الجاني بذلك.

وكذلك مد المشرع المصري نطاق التجريم إلى المواد منتهية الصلاحية في القانون رقم 281لسنة 1994بشأن قمع الغش والتدليس بعد أن كان مقتصرًا على الغش والفساد في القانون رقم 48 لسنة 1941، وقد سوى بينهم في التجريم.

وتوسع المشرع في قانون حماية المستهلك رقم 181لسنة2018 ؛ حيث عرف العيب في السلعة بأنه” كل نقص في قيمة أو منفعة أي من المنتجات بحسب الغاية المقصودة منها، ويؤدي بالضرورة إلى حرمان المستهلك كليًّا أو جزئيًّا من الاستفادة بها فيما أُعِدَّتْ من أجله بما في ذلك النقص الذي ينتج من خطأ في مناولة السلعة أو تخزينها، وذلك كله مالم يكن المستهلك قد تسبب في وقوع هذا النقص”.

الخِدَاعِ التِّجَارِيِّ:

لم يعرف المشرع لفظ الخداع الذي نص عليه في المادة الأولى من القانون ، وإنما ترك أمر تعريفه للفقه والقضاء . وقد عرف الفقه الخداع بأنه” القيام بأعمال أو أكاذيب من شأنها إظهار الشيء على غير حقيقته أو إلباسه مظهرًا يخالف ما هو عليه في الحقيقة والواقع”. فهو عبارة عن تصرف من شأنه إيقاع أحد المتعاقدين في الغلط حول البضاعة التي استلمها أو وصلت إليه. وعرف الخداع “بأنه إيقاع المتعاقد الآخر في غلط بشأن العقد محل التعاقد بإدخال اللبس إلى نفسه لتضلليه وحمله على التعاقد بحيث لولا هذا الخداع لما أبرم العقد. وذهب اتجاه آخر إلى اعتبار الخداع ” هو استخدام أفعال غير مشروعة أو أكاذيب يكون الغرض منها هو إخفاء الحقيقة بقصد انعقاد العقد.

أما قانون حماية المستهلك المصري رقم 181لسنة 2018 فقد عرف في( المادة الأولى البند 10) السلوك الخادع بأنه” كل فعل أو امتناع عن فعل من جانب المنتج أو المعلن يؤدي إلى خلق انطباع غير حقيقي أو مضلل لدى المستهلك أو يؤدي إلى وقوعه في خلط أو غلط”.

وتوسع المشرع المصري في مدلول الخداع التِّجاري؛ إذ ألزمت المادة 9 من ذات القانون المورد أو المعلن تجنب أي سلوك خادع، وذلك متى انصب هذا السلوك على أي عنصر من العناصر الآتية :

1- طبيعة السلعة أو صفاتها الجوهرية أو العناصر التي تتكون منها أو كميتها.

2- مصدر السلعة أو وزنها أو حجمها أو طريقة صنعها أو تاريخ إنتاجها أو تاريخ صلاحيتها أو شروط استعمالها أو محاذيره.

3- خصائص المنتج والنتائج المتوقعة من استخدامه.

4- السعر أو كيفية أدائه، ويدخل في ذلك أي مبالغ يتم إضافتها للسعر وعلى وجه الخصوص قيمة الضرائب المضافة.

5- جهة إنتاج السلعة أو تقديم الخدمة .

6- نوع الخدمة ومكان تقديمها ومحاذير استخدامها وصفاتها الجوهرية سواء انصبت على نوعيتها أو الفوائد من استخدامها.

7- شروط التعاقد وإجراءاته وخدمة ما بعد البيع والضمان.

8- الجوائز والشهادات أو علامة الجودة التي حصل عليها المنتج أو السلعة أو الخدمة.

9- العلامات التجاريَّة والبيانات أو الشعارات.

10- وجود تخفيضات على السعر على خلاف الحقيقة.

11- الكميات المتاحة على المنتجات.

وقد توسعت اللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك بإضافتها بنص المادة 8 عدة عناصر أخرى يجب على المورد أو المعلن تجنبها والا اعتبر سلوكه خادعا وهي:

1- العبارات أو الاشتراطات المبينة لحقوق المستهلك.

2- الإعلان عن توافر المنتج.

3- الإعلان عن المسابقات دون ذكر رقم تاريخ وإخطار جهاز حماية المستهلك بالمسابقة.

4- الإعلان عن المنتجات التي يتطلب الإعلان عنها تصريحًا من الجهات المختصة دون الحصول عليها.

وكذلك ألزم قانون حماية المستهلك المنتج والمعلن بعدم وضع أية بيانات يكون من شأنها خداع أو تضليل المستهلك، وفي سبيل تحقيق ذلك ألزم القانون المنتج بوضع بيانات على السلع حماية للمستهلك، ومن تلك البيانات اسم السلعة، وبلد المنشأ، اسم المنتج أو المستورد واسمه التِّجاري وعنوانه وعلامته التجاريَّة إن وجدت، وتاريخ الإنتاج ، ومدة الصلاحية للسلع التي لها فترة زمنية لصلاحيتها للاستهلاك، كما ألزم المنتج ببيان شروط التداول والتخزين وطريقة الاستعمال والأنواع والسمات والأبعاد والأوزان والمكونات، ومدة الضمان للسلع المشمولة بالضمان والعمر الافتراضي، كما ألزم المشرع المنتج في الأحوال التي قد تؤدى فيها استخدام المنتج إلى أضرار بصحة وسلامة المستهلك بأن يضع على المنتج ما يبين الطريقة الصحيحة لاستخدامه وكيفية الوقاية من الأضرار المحتملة وكيفية علاجها في حالة حدوثها.

   ونحن من جانبنا نرى: أن المشرع المصري قد أصاب فلم يقصر الخداع على التعاقد، بل امتد ليشمل الإعلان عن السلع ، كما توسع قانون حماية المستهلك رقم 181لسنة 2018 في المادة 9 من ذات القانون في العناصر التي ينصب عليها سلوك الخداع، وكذلك منحت المادة مرونة حيث أعطت الحق للائحة التنفيذية إضافة عناصر أخرى . الأمر الذي مكن اللائحة التنفيذية من إضافة في المادة 8 عناصر أخرى.

ويعمل كلٌّ من قانون قمع التدليس والغش رقم 281لسنة 1994 وقانون حماية المستهلك رقم 181لسنة 2018 كمنظومة تشريعية تهدف لحماية المستهلك من الممارسات غير المشروعة وضبط الممارسات التجاريَّة . لذا يمكننا وضع تعريف موحد للخداع التِّجاري بأنه” كل فعل أو امتناع عن فعل من جانب المنتج أو المعلن يؤدي إلى إظهار السلعة على خلاف حقيقتها، ويكون سببًا لوقوع المستهلك في خلط أو غلط “.

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى