العلاقةُ الجدليَّةُ بين برامجِ الذكاء الاصطناعيِّ وآلاتِه وعلومِ القانونِ وصناعاتِه [5]

بقلم الدكتور/ محمد عبد الكريم أحمد الحسيني

رئيس قسم القانون والسياسة الشرعية – كلية الشريعة والقانون، والمحامي

تحدثنا فيما سبق عن “المنطق القانوني” وأدواره في “الذكاء القانوني الاصطناعي “، وها نحن ذا نتحدث عن المحور الثاني من محاور الذكاء الاصطناعي بعامة “والذكاء القانوني الاصطناعي ” بخاصة وهو ذلك النوع الآخر منه وهو “الذكاء اللغوي القانوني” وفق ما طرحناه في المقالات السابقة.

وإذا كان المنطق القانوني يرتبط بشكل كبير بالمنطق العام والذي هو بدوره يرتبط بالمنطق الحسابي الأساسي للبرمجة الحاسوبية للذكاء الاصطناعي فإنه يرتبط أيضا بالضرورة بـ”خوارزميات الذكاء الاصطناعي” ، فكذلك “اللغة القانونية” تقوم على “منطق لغوي موضوعي” ، وموضوعية هذا المنطق اللغوي تكمن في “المقوم القانوني”، فهي إذن “لغة قانونية ذكية” لأن مضمونها وموضوعها الجوهري هو القانون وهو موضوع ومحور مفهوم ” الذكاء القانوني الاصطناعي “.

ويتمحور المنطق القانوني كما عبرنا في المقال السابق حول “القاعدة القانونية” وبالأحرى حول “منطق القاعدة القانونية” ، وهو منطق نظامي مطرد يناسب القاعدة القانونية ويلائمها، ومن دالات تلم الملاءمة أن تعريفها وخصائصها تعبر عن هذا المنطق، فهي ” قاعدة عامة مجردة ملزمة.. غايتها تنظيم سلوكيات الأفراد في المجتمع وتحقيق العدالة” إلى غير ذلك من الخصائص والدلالات المنطقية التي فصَّلناها في المقال السابق.

وحال ثبوت الفرضية السابقة وهي فرضية التماسك المنطقي القانوني -بما يعنيه من معنى واسع على رأسه تحقق منطق القاعدة القانونية- والمنطق اللغوي مع منطق الحاسوب والبرمجيات ومنطق الخوارزميات الحاسوبية فحينئذ يمكن رصد أدوار وأهمية “ذكاء اللغة القانونية ومنطقيتها” تلك اللغة الطبيعية والتي يمكن التعامل بها مباشرة من خلال الشات جبي تي في إصداره الرابع والأخير ( من وقت كتاب هذا المقال ) .

(1) مقتضيات اللغة القانونية الذكية

وهذا يوجب مقتضيات بالنسبة لـ”اللغة القانونية الذكية” (أو “اللغة القانونية المنطقية” أو “لغة الذكاء القانوني الاصطناعي” ) أهمها:

المقتضى الأول: أن اللغة القانونية المنطقية ترتبط بالمنطق القانوني والمنطق الحاسوبي للذكاء الاصطناعي ارتباطا عاما وشاملا فهي أداتهما بل ووعائهما في تحقيق المعالجات والاستجابات القانونية في الذكاء القانوني الاصطناعي .

المقتضي الثاني : ارتباطها الحتمي باللغات القانونية الحاسوبية (البرمجية ) سواء أكان

أ-ارتباطا مباشرا حال تعامله باللغة الطبيعية (وهي اللغة القانونية المنطقية، أو اللغة القانونية الذكية هنا) .

ب-أم كان ارتباطا غير مباشر في البرمجيات الأخرى ذات اللغة البرمجية المتخصصة.

المقتضى الثالث : تلازمها الضروري مع الخوارزميات القانونية التي تحكم الذكاء الحاسوبي بعامة والذكاء الاصطناعي في المجال القانوني والذكاء القانوني الاصطناعي بخاصة.

(2) أهم المصطلحات المعبرة عن اللغة القانونية الذكية :

تعبر اللغة القانونية ابتداء في صورتها الطبيعية عن القانون في كل علومه وتطبيقاته وفي كافة مساراته ( المعرفية والتطبيقية ، الكتابية والشفاهية). كما وتعبر في صورتها البرمجية عن القاعدة القانونية المنطقية وعن المنطق القانوني، ومن ثم فإنني اقترحت تسميتها وفقا لدراستي ” اللغة التقنينية الموحدة” بنفس الاسم، وهذا مصطلح نوعي وفي غاية الأهمية بل والخطورة بالنسبة للذكاء الاصطناعي القانوني والذكاء القانوني الاصطناعي ولسوف نأتي على تفصيله بإذن الله تعالى.

كما ونعبر أيضا عن هذه اللغة بمسميات مقاربة أيضا من مثل:

المسمى الأول: اللغة القانونية التقنينية.

المسمى الثاني: لغةُ التِّقْنية القانونية ، ويلاحظ هنا اختلاف التقنينية عن ” التِّقْنية” ، فهي من التِّقْنية، ومصدرها التقانة وفعلها الرباعي أتقن – يتقن-إتقانا)

المسمى الثالث: لغة التقنينات القانونية الذكية

المسمى الرابع: اللغة القانونية الذكية

المسمى الخامس: لغة التقنية القانونية الذكية .

المسمى السادس: اللغة القانونية المنطقية

وعلى رغم تقارب المسميات واشتراكها في أصل الدلالة وغايتها، إلا أن كل واحدة منها تعبر عن جانب دلالي مقصود بعينه

(3) أهم المصطلحات ذات الصلة باللغة القانونية الذكية وعملياتها في الذكاء القانوني الاصطناعي :

وعلى نحو ما سبق فهذه بيان لأهم المصطلحات -المقترحة – في التعبير عن مصطلحات الذكاء اللغوي القانوني ، وهي إطلاقات تبدأ بمصطلح الذكاء لتراعي وظيفتها في جهاز الذكاء القانوني الاصطناعي، حيث يمكننا أن نطلق ما يلي:

الإطلاق الأول: الذكاءُ القانونيُّ.

الإطلاق الثاني: الذكاءُ اللُّغويُّ.

الإطلاق الثالث: الذكاءُ القانونيُّ اللُّغويُّ.

الإطلاق الرابع: الذكاءُ اللُّغويُّ القانونيُّ.

الإطلاق الخامس: الذكاءُ الاصطناعيُّ اللُّغويُّ.

الإطلاق السادس: الذكاءٌ الاصطناعيُّ القانونيُّ.

الإطلاق السابع: الذكاءٌ القانونيُّ الاصطناعيُّ.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو :

(1) ما معنى تلك المصطلحات وما مدلولات تلك المفاهيم؟

(2) ما العلاقات والترابطات التناسبية والتلازمية بين تلك المصطلحات وبين اللغة القانونية الذكية أو لغة الذكاء القانوني الاصطناعي؟

(3) كيف نستطيع أن نستفيد منها نظريا وممارسةً وفي كتاباتنا وفي مشافهاتنا القانونية؟

وهو ما سوف نجيب عنها إلا أن المقام يفترض تعريف المصطلح المركزي ألا وهو مصطلح ” الذكاء القانوني” قيما يلي

 

التعريف الأول: تعريف “الذكاء القانونيُّ اللُّغويُّ”

يتكون هذا المفهوم من مفردات ثلاثة أساسية:

المفردة الأولى: الذكاء.

المفردة الثانية: القانون .

المفردة الثالثة: اللغة .

وبمعرفة معانيها والجمع بينها جمعا نظاميا يتحدد معنى هذا المفهوم القانوني

أولا: تعريف الذكاء

أ- يقصد بالذكاء مفردا ما يلي من الدلالات :

الدلالة الأولى: الذكاءُ هو القدرةُ على التحليل، وعلى التفسير، وعلى الفهم، وعلى التخطيط للاستجابة

الدلالة الثانية: الذكاء يعبِّرُ عن القدرات الآتية :

الأولى: القدرة على التحليل .

الثانية: القدرة على الفهم.

الثالثة: القدرة على التفسير.

الرابعة: القدرة على التخطيط للاستجابة الذكية.

ب- غاية الذكاء هي: التخطيط للاستجابة

 

ثانيا: تعريف الذكاء القانوني:

أ-التعريفات الإجرائية الفنية المقترحة :

التعريف الأول:

يمكننا تعريف الذكاء القانوني بأنه :”حسن فهم الظواهر القانونية وحسن تفسيرها وحسن تفصيلها وتنميطها… ثم إعادة تركيبها للاستجابة الذكية في المواقف المختلفة.

التعريف الثاني:

الذكاء القانوني هو قدرة على الإلمام بالظواهر القانونية أيًّا كان نوع الظاهرة.

التعريف الثالث:

الذكاء القانوني العملي (التطبيقي) هو القدرة على الاستجابة للمواقف القانونية المتعددة، بدقة وكفاءة متزامنة.

ب- غاية الذكاء القانوني:

للذكاء القانوني غايات كثيرة يمكن الإشارة إلى أهمها بأنه القدرة على التصرف القانوني والاستجابة الذكية بناء على الموقف

 

 (4) المبادئ العشرة للغة القانونية الذكية أو لغة الذكاء القانوني

يمكننا إجمال أهم مبادئ هذه “اللغة القانونية الذكية” أو “الذكاء اللغوي القانوني” بالنسبة للقانون في عمومه ثم بالنسبة للذكاء القانوني الاصطناعي فما يلي من النقاط :

المبدأ الأول: مبدأ الآلية

الذكاءُ اللُّغويُّ القانونيُّ آلةُ التَّعْبيرِ عنِ الوقائِع والنُّصوص القانونيَّة وتفسيرِها

المبدأ الثاني: مبدأ الشكلية التعبيرية

الذكاءُ اللُّغويُّ القانونيُّ هو روح الشكل التعبيري عن ملاحظات الظواهرِ القانونيّة وعن توْصيفها.

ثالثا: مبدأ الوضوحية

الذكاءُ اللُّغويُّ القانونيُّ هو الضامن لدقة ووضوح وصفِ الظواهرِ القانونيّةِ

رابعا: مبدأ التفسيرية

الذكاءُ اللُّغويُّ القانونيُّ هو سبيل تحليل وتفسير الخطاب والسياق القانونيين .

خامسا: الاقتران المنطقي الشكلي معا

يقومُ الذكاء القانوني اللغوي في عملياته التحليلية على شكليَّةٍ لغويَّةٍ سديدة ( أحلَّلُ، أفصِّلُ…)

سادسا: مبدأ لزوم القيمة اللغوية المنطقية

تسْتخدمُ اللُّغةُ القانونيّةُ في عمليَّة التَّحْليلِ القانونيّ في إطار منْطقيٍّ دقيقٍ يحافظ على القيمة اللغوية القانونية والقيمة المنطقية معا.

سابعا: مبدأ ضمانة القيمية الصياغة والدقة النظيمة الكتابية

يعبر الذكاءُ اللُّغويُّ القانونيُّ عن ضمانة القيمة الصياغية، بصحة صوغها ودقة نظْمَها في تقريراتك وفي كتاباتك، بلغةٍ وضيحةٍ صحيحةٍ ، إن كان التعامل القانوني تعاملا كتابيا.

ثامنا: مبدأ ضمانة القيمية الصياغة والدقة النظيمة الشفاهية

يتجلَّى الذكاءُ اللُّغويُّ القانونيُّ –أيضًا- إن كان التعامل مع اللُّغةِ شفاهيًّا في حُسْنِ ألفاظِها وفي جَمالِ صوْغِها وسبْكِها وفي طريقةِ أدائِها بنطقٍ صحيحٍ أداءٍ فصيحٍ .

تاسعا: مبدأ الكفاية

الذكاءُ اللُّغويُّ القانونيُّ الكتابيُّ ضامن للسرعة والدقة والكفاية في الاستجابة للمتطلبات القانونية في كافة مواقفها

عاشرا: مبدأ التقييم والمراجعة

تضمن القواعد العامة للمنطق القانوني ولغته المنطقية الذكية تقييم ومعايرة المخرجات لتكشيف تناقضها ومعالجة أوجه قصورها

نكمل بإذن الله تعالى في المقالات القادمة، وكل عام معاليكم بخير وصحة وعافية ورفاه بمناسبة عيد الفطر المبارك.

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى