الطِب مِن مَنظُور قَانُونِي

 

بقلم: الأستاذ/ محمد حمزة عبداللا

الطِب مِهنَة قَديمة قِدَم الإنسان ذاته، ولأن ليس كُل تَدخُل طِبي هو تدخل بَسيط، قَد يتَطَلب المَساس بالسَلامة الجَسدِية، وارتِكاب أفعال لو تَم إتيانها مُنفردة وبِدون مُقتضى؛ تَحقَقَت مَسئولية الفاعِل الجِنائية، لكِن كَون الطَبيب غرضُه العِلاج وراعى شروط العَمَل الطِبي تُباح شتى أفعاله.

مَضمون العَمل الطِبي

عمل لا يُتصَور إتيانه إلا من قِبِل شَخص مؤهل ومُصرَح لَه، أي أنه عمل من شخص مؤهل غايته الشِفاء يَتَفق في كَيفية وظُروف مُباشَرته مع القواعد المُقرَرة في عِلم الطِب، والأهداف المَرجوة مِن عِلم الطِب (التَشخيص والفَحص الطِبي،الوقاية، العِلاج) نرى أن التَعريف السابِق وَسَّع مِن نِطاق العَمل الطِبي، كَما تَميز بالإشارة الى العُنصُر القانوني للعَملية الطِبية وهو التأهيل العِلمي والتَصريح.

العَمَل الطبي في القانون الفرنسي: طِبقاً للتَشريع الفرنسي كان يُعَد عَملاً طِبياً عِلاج الأمراض، والجِراحات فَقَط، وكان القيام بها من غير طَبيب عمل غير مَشروع وظل ذلك قائما حتى صدور قانون الصحة العامة ديسمبر ١٩٤٥ الذي أضاف لما سبق، التَشخيص والعِلاج، والذي يُعاقِب على المُمارسة غير المَشروعة لأي من الأعمال الطِبية، والى صدور قَرار وزاري في يناير ١٩٦٢ بتحديد الأعمال الطبية بأنها؛ الأعمال التي يمارسها الأطباء ومُساعِديهم أو المساعدون بوَصفة كَمية ونَوعية من الطَبيب وتحت الإشراف الطبي، وإن كانت الغاية العلاجية شرطاً للتدخُل الطبي، فإنها لم تعد كذلك أصبح مَحض الوقاية مُبرراً للمَساس بالسلامة الجَسدية ،ونجد أن المشرع الفرنسي رَبَط العَمل الطِبي بصِفة القائم به، مع تَشديد المَسئولية على مُمارسة الطِب مِن غير مُتخَصِصين باستثناء حالات الضَرورة.

التَطبيب في القانون المصري: يُعَرف المُشَرِع المصري العَمل الطِبي؛ أنه أي تدخُل يَقوم به مُتخَصص، بقَصد شِفاء المَريض، حتى وإن لم تتحَقَق الغاية، وقد يكون بمُجرد الكشف أو الجِراحة التي قد يتخَلف عَنها إصابة أو جَرح أو موت، لكن لا يُتصَور إسناد أي من الجرائم السابِقة الى الطَبيب، لأن مُمارسة العَمَل الطِبي حَق، إذا جانَب شُروطه، تَحول عَمله الطِبي الى جَريمة يُعاقِب عَليها قانونا، واذا استوفاها، أي شروطه؛ حق له سُلوك شَتى طُرُق العِلاج، دون الالتِفات للعواقِب، مالَم يُنسَب إليه خطأ طِبي، نرى أن العَمل الطِبي يَدور وجوداً وعَدماً مع شُروط مُمارَسته، والتي اذا تخلَف شَرط أو أكثر مِنهُم، لا يُباح العَمل الطِبي.

 

التأهيل العلمي والترخيص من شُروط مُمارسة مِهنَة الطِب؛ التأهيل العلمي؛ أي إنهاء عدد سنوات الدراسة بإحدى كُليات الطِب حتى يحق له التقدم للحُصول على تَصريح لمُزاولة المِهنة، يأتي التَرخيص في مَرتبة تالية، قَد يكون عاماً او مقيداً، ذلك للوقوف  على توافر الأهلية والصلاحية للمُمارسة مِن عَدمه ومن أشكال مُخالفة شَرط التأهيل والترخيص؛ طبيب غير متخصص في مجال المخ والأعصاب، يشرُع في عِلاج مَريض، يتخلف عن علاجه بوادر سكتة دماغية، وصيدلي يعطي مَريض حُقنَة يتطَلب إعطائها إجراء اختِبار تَحت إشراف طِبي، على فَرض حدوث الوفاة للحالتين، يُسأل كُل مِنهم عن جَريمة عَمدية، نَرى أن المُشَرِع هُنا قد ساوى بين الذي يَفتَقِد شَرط الترخيص، ومن يَنقُصه التأهيل العِلمي من الأساس، نضيف لذلك أنه كان عدلاً وإنصافاً، وحماية لمهنة الطِب من المُمارسة الدَخيلة عَليها، تَغليظ عُقوبة الصَيدَلي إذا مارَس العَمَل الطِبي وخَلَف إضرار سَببَت الوفاة لتَصِل الى الإعدام، الأمر الذي أزعُم انه تعدي على مِهنة الطِب، يستَوجِب الرَدع، وعَدَم التَهاون فيه.

رِضاء المَريض: من ضَرورِيات العَمَل الطِبي؛ عَرض جَميع جوانِبه، وتَبعاته، المؤكَدة والمُحتَملة، للحُصول على موافَقة مُستَنيرة مِن المَريض، ويَصِح الرِضاء الصادِر مِن الوَكيل أو الوَصي، ويتحَقَق أثره في دَفع المَسئولية عَن الطَبيب حال حُدوث ضَرر للمَريض، وبتخَلُفه يُسأل الطَبيب عَن جَريمَة عَمدِية.

قَـصد العِـلاج: يَتحَتم أن يَكون غَرض مُمارِس العَمَل الطِبي هو عِلاج المَريض وشِفاءه، فإذا كان الغَرض في حَقيقته إحداث ضَرر بالمَريض تخليصاً لهُ مِن الخِدمة العَسكرية، أو إعطائه تَذكرة طِبية لتَسهيل تعاطي المُخَدِرات، أو تَجرِبة دَواء لَم تثبُت فاعليته بَعد، لا يَصِح العَمَل الطِبي، ويُسأل عن جَريمة عَمدية إذا خَلَف ضَرر.

مُراعاة الأصول العِلمية والعَملية: أن يَكون العَمل الطبي مُتفقاً والإجراءات المُقرَرة في قواعِد عِلم الطِب وعَدَم مُخالفتها، كإجرائه عملية بدون تَخدير، أو بأداة غير مُعقَمة، أو نسيان أداة داخِل جسد المريض، أو اتباع بروتوكول عِلاج لَم يتم اعتماده من الجِهات المُختَصة.

نستثني مما سَبق في شأن شُروط إباحة العَمل الطِبي

قَد يتخَلف شَرط أو أكثر ومع ذلك يظل العمل مُباح ولا يُسأل آتيه عن النتيجة مهما كانت.

على ذِكر شَرط التَرخيص، قَد يتخَلف التَرخيص والتأهيل العِلمي إلا انه يُباح العَمل الطِبي وتسقُط المسئولية الجِنائية استناداً إلى حالة الضرورة المنصوص عليها في قانون العُقوبات مادة (٦١) والتي جاء طَيِها “لا عِقاب على مَن ارتَكَب جَريمَة ألجأته الى ارتِكابِها ضَرورَة وِقاية نَفسه أو غَيره من خَطر جَسيم على النَفس على وشك الوقوع به أو بغَيره ولم يكُن لإرادته دخل في حُلوله ولا في قُدرته مَنعه بطَريقة أخرى” مَفَاد ما سَبق اذا حدث أن طالِب بالسنة النِهائية بكُلية الطِب، قاطِن قَرية نائية في الريف، تَندُر بِها وسائل الاتصال والمُواصَلات، طَرَق بابه أحد جيرانه ليلاً، يُخبِره بأن زوجته الحامل بالشهر الخامس مريضَة للغاية، ويطلُب مِنه إنقاذ الموقِف، في مُحاولة منه لإسعافها، إن ذَكرنا أن نتيجة تدخُل الطالِب طبياً، وفاة المرأة وجنينها، يتبادَر الى ذِهننا حَتمية مُعاقَبته عَن جَريمَة عَمدية، لكِن استناداً الى نص المادة(٦١) عقوبات سالف البيان، نَجِد أن فعله مُباح، حتى لو خَلَف ضَرَر بل لو أدى للوفاة.

وتَنسَحِب ذات النَتيجَة على شَرط رِضاء المَريض، قَد يتخَلف ورغم ذلِك يُباح العَمَل الطِبي، فإذا كان العَمل تنفيذاً لأمر القانون، كما في حالة تفشي وباء، أو حالة المريض فاقد الوعي والإدراك، والتي تستدعي حالته تدخُل طِبي عاجِل، كذلك المريض المُصاب بآفة عقلية تجعل منه خَطراً على أمن المواطنين، ورجال القوات المسلحة ضُباط نِظاميين واحتياط وصف ومُجندين، والمسجونين أيضا من الفئات التي لا يلزم رضائهم بالعمل الطبي لصحته، ونرى إضافة الآتي ذكرهم الى الفِئة السابِقة، وذلك حماية للعدالة؛ المَحبوسين احتياطياً، والمَقبوض عليهم في قضايا إرهابية، وتلك الماسة بأمن الدولة، والشهود في ذات القضايا اذا كانت الحالة الصحية تستدعي ذلك

أخيراً نذكر العُمال المُصابين في حوادث العَمل، كما كَفل لهُم القانون الرجوع على رَب العَمل بالتَعويض، ألزمَهُم بالخُضوع للعِلاج الذي يُعَينه لهم رب العَمل، ونؤكِد على حَتمِية رَبط الرِضاء بالعِلاج وإنهائه؛ بثُبوت حَق التقَدُم لطَلب التَعويض، إذا كان له مجال بعد أخذ العِلاج اللازِم.

وفي غير ما سَلَف؛ لا يُباح العَمل الطِبي إذا تخَلَف أحَد شُروطه، ويُعاقَب مَن يأتيه عَن جَريمَة عَمدية، ولا يُمكِنه التَعَلُل بأن فِعله جاء استعمالاً للحَق.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى