الدساتير والحقوق والحريات في العصر الرقمي (1)

الحلقة الأولى.. السلطة المطلقة لشركات التواصل الاجتماعي في تطبيق سياسات عملها.

كتب: الدكتور/ أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة.

 

في يوم الجمعة الموافق الخامس عشر من يناير 2021م، حذف موقع الفيديوهات العالمي (YOUTUBE) أغنية الفنان الكبير (محمد منير) الجديدة (فينك يا حبيبي)، بعد أقل من ثلاثة أيام من طرحها رسميًا. وبحسب المتداول في وسائل الإعلام، يبدو أن ذلك لثمة مشكلات في خاصة بحقوق الملكية الفكرية بخصوص التصاريح الخاصة بالأغنية، حيث طلبت إدارة (YOUTUBE) توضيحات خاصة بالتصاريح، نظرًا لأن مالك الأغنية الأصلي هو المطرب النوبي الراحل (بحر أبو جريشة) الملقب بملك موسيقى البلوز المصري.

ورغم قيام يوتيوب بحذف الأغنية من منصتها الإلكترونية، إلا أنها ما زالت متداولة بين جمهور الأغنية المصرية والعربية، حيث أنها إحدى أغنيات الألبوم الجديد (باب الجمال). وقبل هذه الواقعة بأسبوع واحد، وفي يوم الجمعة الموافق الثامن من يناير 2021م، أخذ موقع التدوينات القصيرة (تويتر) زمام المبادرة إزاء أحداث اقتحام الكونجرس الأميريكي، حيث كان أول موقع للتواصل الاجتماعي يحظر الرئيس الأميريكي المنتهية ولايته من التدوين والتعليق والمشاركة. وقالت (تويتر) أنها علقت حساب (ترامب) بشكل دائم بسبب خطر استغلاله في التحريض على العنف. وأوضحت في بيان لها أنه “بعد المراجعة الدقيقة للتغريدات الحديثة الصادرة عن حساب الرئيس (دونالد ترامب) والسياق المحيط بها، وتحديدًا كيفية تلقيها وتفسيرها على الموقع وخارجه، قمنا بتعليق الحساب نهائيًّا بسبب خطر حدوث مزيد من التحريض على العنف”. ورغم توافر الأسباب القوية التي تقف وراء هذا الإجراء، إلا أن (دونالد ترامب) اتهم موقع تويتر بالتآمر ضده، من أجل إسقاطه، وعدم وصول صوته لمؤيديه، حيث كتب (ترامب) تغريدة من حسابه الرئاسيّ، قائلًا “لقد نسق موظفو تويتر مع الديمقراطيين واليسار الراديكالي لإزالة حسابي من منصتهم ولإسكاتي”.

وتجدر الإشارة إلى أن عدد متابعي حساب ترامب في تويتر يصل إلى نحو تسعين مليونًا، وكان المنصة المفضلة للرئيس الأميريكي طوال فترة حكمه، لإعلان مواقفه، وإقالة كثير من المسؤولين في الحكومة.

وبدوره، وتفاعلًا مع الحادث ذاته، أي واقعة اقتحام الكونجرس الأمريكي بواسطة المتظاهرين من مؤيدي دونالد ترامب، اتخذ موقعا التواصل (فيسبوك) (وأنستاجرام) قرارًا بحظر حسابات ترامب إلى أجل غير مسمى، قبل أن يتم الإعلان عن امتداد الحظر حتى يوم تنصيب (بايدن) رئيسًا للولايات المتحدة الأميريكية في 20 يناير الجاري.

وفي ذات الاتجاه، ومساء يوم الثلاثاء الموافق الثاني عشر من يناير 2021م، قام  (يوتيوب) بمنع حساب ترامب من تحميل مقاطع فيديو بسبب مخالفته لسياسة الموقع، كما قال في بيان له، أن ذلك لمدة أسبوع اعتبارًا من تاريخ صدور القرار، قابلة للتمديد. وقال (يوتيوب) في بيانه: “في ضوء المخاوف بشأن احتمال استمرار عمليات العنف، أزلنا المحتوى الجديد الذي تم تحميله على قناة دونالد ترامب وأصدرنا إنذارًا لانتهاك سياساتنا الخاصة بالتحريض على العنف”. كما عطل يوتيوب التعليقات في حساب قناة ترامب التي تضم أكثر من مليوني مشترك.

وفي يوم الخميس الموافق الرابع عشر من يناير 2021م، انضم موقع (سناب شات) إلى قائمة مواقع التواصل الاجتماعي التي اتخذت قرارًا بحذف حساب الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته (دونالد ترامب)، حيث أكد الموقع الشهير أن الهدف من وراء هذا الإجراء هو الحفاظ على السلامة العامة، وأن السبب وراءه هو قيام (ترامب) بنشر معلومات مضللة وإثارة وتأجيج خطاب الكراهية والتحريض على العنف. وقد أتي هذا الإجراء بعد بضعة أيام من واقعة اقتحام مبنى الكونجرس الأميريكي في العاصمة (واشنطن)، والتي حدثت في السادس من يناير الحالي.
وهكذا، فإن رئيس الدولة الأولى والأقوى في عالم اليوم يجد نفسه تحت مقصلة قرارات صادرة من الرؤساء التنفيذيين لكبرى شركات التواصل الاجتماعي في العالم (فيسبوك، تويتر، وسناب شات).

وإذا كان الأفراد في الماضي يشتكون من الإجراءات التي قد تلجأ إليها السلطة العامة للحد من حقوقهم وحرياتهم، فإن الوضع يبدو عكسيًّا في الحاضر إلى الحد الذي نشاهده في واقعة اقتحام الكونجرس الأميريكي وما تلاها من قرارات صادرة عن مواقع التواصل الاجتماعي ضد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى