الحِمَايَةُ الدَّوْلِيَّةُ مِنَ القَرْصَنَةِ في البرمجيات

بقلم:  الدكتور/ فرج الخلفاوي

قضية قرصنة البرمجيات من القضايا حديثة العهد؛ لذلك حاول البعض في البداية إدخالها في مجال الاختراعات المحمية بقوانين البراءات، غير أن المادة 52 من اتفاقيَّة البراءة الأوروبية الموقعة في ميونيخ عام 1973 نصت صراحةً على استبعاد البرمجيات من مجال حمايتها ، ويرجع ذلك من جهة إلى تجرد برامج الحاسب الآلي من أي طابع صناعي، ومن جهة أخرى إلى صعوبة إثبات جدة البرنامج لتقدير مدى استحقاقه للبراءة.

وتعددت محاولات حماية برامج الحاسب الآلي عن طريق نظام البراءات، غير أن هذا الاتجاه لم يلقَ قبولًا خاصة من منتجي البرامج ؛ حيث إن اعتبار البرنامج اختراع يؤدي إلى نشره في سجل سنوي يطرح للتداول العام؛ مما يترتب عليه ذيوع البرنامج وانتشاره وجعله في متناول للكافَّة، الأمر الذي يضر بالمصالح الاقتصاديَّة لمنتجه.

ومن ثم اتجه الفقه مؤيدًا لمصالح شركات البرمجيات إلى حماية البرامج عن طريق قوانين حماية حقوق المؤلف والتي تحمي الحقوق الأدبيَّة والماليَّة للمؤلف على مصنفه. خاصةً بعد أن وضعت منظمة الويبو القانون النموذجي أو الإرشادي عام 1978 بشأن حماية البرمجيات، وقد أخذت اتفاقيَّة الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكيَّة الفكريَّة ( التربس) بهذا المفهوم، حيث نصت المادة(10الفقرة1) منها على أن تخضع برامج الحاسب إلى أحكام اتفاقيَّة برن لعام 1971 الخاصة بحماية المصنفات الأدبيَّة.

ومنذ بداياتها في عام 1886 اعترفت اتفاقيَّة برن لحماية المصنفات الأدبيَّة والفنية، بتعابير محددة، بمشكلة القرصنة، وذكرت في نصها الأصلي المادة 13 أن “المصنفات المقرصنة يمكن حجزها عند ورودها إلى أي من دول الاتحاد حيث يتمتع المصنف الأصلي بالحماية القانونيَّة” لكن اتفاقيَّة بيرن ونسخها اللاحقة المتعددة لم تفرض التزامات مفصلة على الدول الأعضاء لمعالجة مشكلة القرصنة.

أما تفاصيل كيفية فرض الحقوق بموجب هذه الاتفاقيات فقد تُركت بشكل كبير للتطورات القانونيَّة الوطنيَّة . وهذه الهوة في الإطار القانوني الدولي تم سد جزء منها عبر اتفاقيَّة منظمة التجارة العالمية لعام 1994حول الجوانب المتعلقة بالتجارة من حقوق الملكيَّة الفكريَّة(التربس).

وقد أسفرت الجهود الدولية عن اصدار اتفاقية خاصة تطبيقا لحكم المادة 20 من اتفاقية برن وهى معاهدة الويبو بشأن حق المؤلف 1996wipo copyright treaty (wct)، وقد حرصت معاهدة الويبو بشأن حق المؤلف 1996فى المادة 4منها على تأكيد أن برامج الحاسب الألى تعتبر من قبيل المصنفات الأدبية فى مفهوم المادة 2من اتفاقية برن فنصت على أنه ” تتمتع برامج الحاسب بالحماية باعتبارها مصنفات أدبية فى مفهوم المادة 2من اتفاقية برن . وتطبق الحماية على برامج الحاسب أيا كانت طريقة التعبير عنها او شكلها”.

كما أكدت الاتفاقية فى المادة 8 منها على حماية المصنفات الرقمية التى تنشر عبر شبكة الانترنت حيث نصت على أنه( يتمتع مؤلفو المصنفات الأدبية والفنية بالحق الاستئثارى فى التصريح بنقل مصنفاتهم إلى الجمهور بأى طريقة سلكية أولاسلكية ،بما فى ذلك إتاحة مصنفاتهم للجمهور بحيث يكون فى استطاعة أى شخص من الجمهور الإطلاع على تلك المصنفات من مكان وفى وقت يختارهما أى فرد من الجمهور بنفسه……).

وقد تمّثلت حماية الأعمال وأنواع الصنّاع خارج نطاق اتفاقيَّة برن في اتفاقيَّة روما لعام 1961 والتي توفر حقوقًا مهمة لمنتجي التسجيلات وفناني التسجيل والهيئات الإذاعية، وأما الأعمال المتعلقة فقط بالتسجيلات الصوتية فهي معالجة في اتفاقيَّة جنيف لحماية منتجي التسجيلات الصوتية لعام 1972.

كما أبرمت اتفاقية أخرى تتوافق مع معاهدة الويبوبشأن حق المؤلف(wct )هى معاهدة الويبو بشأن فنانى الأداء ومنتجى التسجيلات الصوتية 1996(wppt ) ويطلق عليهم اتفاقيتا الانترنت لأنهما توافرن الحماية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة عبر شبكة الانترنت.

ووفقًا لاتفاقيَّة التربس فإن البرمجيات محل للحماية سواء كانت بلغة الآلة أم المصدر (م 10/1) ولمؤلفها كافَّة الحقوق الماليَّة والمعنوية لمصنفات حق المؤلف إضافة إلى حقه في إجازة أو منع تأجيرها شأنها شأن التسجيلات الصوتية والمرئية (م 11).

ويستثنى وفق هذه المادة حالة التأجير التي لا يكون فيها البرنامج الموضوع الأساسي للتأجير . وأما بخصوص مدة الحماية فإنها تمتد طوال حياة المؤلف و خمسون عاماً محسوبة بعد وفاته ، فان لم تكن كذلك فمن نهاية السنة التي أجيز فيها النشر أو تم فيها إنتاج العمل طبقًا للمادة (12) من اتفاقيَّة التربس. وقد أيدتها المنظمة العالمية للملكية الفكريَّة(الويبو) بواسطة “اتفاقيَّة جينيف” لسنة 1996، حيث أضيفت البرمجيات إلى المصنفات الأدبيَّة، وأعطت لصاحبها كافَّة الحقوق الماليَّة والمعنوية إضافة إلى حقه في إجازة تأجيرها أو منعه. وتمتد حماية هذه الملكيَّة مدة خمسين عاما ابتداء من تاريخ إنجاز البرمجية.

وتلزم اتفاقيَّة التربس كل أعضاء منظمة التجارة العالمية بالامتثال للنصوص الأساسية لاتفاقيَّة بيرن، وتفرض التزامات تعكس الحماية التي توفرها اتفاقيَّة روما. ضد الَنسخ غير المصرح به للتسجيلات الصوتية طبقًا للمادة(14) ، ولكنها تطبقها على عدد من الدول يفوق بكثير تلك التي تخضع لاتفاقيَّة روما وتوفر متطلبات مفصلة تتعلق بفرض الحقوق. والغاية من نصوص التنفيذ الواردة اتفاقيَّة التربس هي: “السماح باتخاذ إجراء فعال ضد أي فعل انتهاك لحقوق الملكيَّة الفكريَّة” المشمولة طبقًا لنص المادة (41الفقرةا).

وتطبق اتفاقيَّة التربس حاليًا على جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بعد ما أصبحت سارية المفعول في الدول النامية ابتداءً من 1 يناير2005 ،أما بالنسبة للدول الأقل نموآ فتمتد فترة السماح لعام 2016 ويجوز تمتد فترة السماح بتقديم الدول الراغبة طلبا بذلك، وتلزم اتفاقيَّة التربس الدول الأعضاء إدراج نصوص مهمة ومفصلة في قوانينها لتردع بفاعلية وتعاقب القرصنة على الملكيَّة الفكريَّة . وفي حالة فشل الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية في التطبيق الفعال للحد الأدنى من نصوص التنفيذ في اتفاقيَّة التربس وهو الفشل الذي كثيرًا ما يشتكي منه أصحاب الحقوق- فإن الاتفاقيَّة، كغيرها من الاتفاقيات التي تدار من قبل منظمة التجارة العالمية، قد تُفرض في نهاية الأمر عن طريق تقدم إحدى الدول الأعضاء بشكوى ضد دولة أخرى عضو.

ونحن من جانبنا نرى : أن من أسباب تفشي ظاهرة التَّقليد والقرصنة في مصر هو ضعف العقوبات الواردة بقانون حماية حقوق الملكيَّة المصري رقم 82لسنة 2002 وافتقاده للتشديد مما لا یتناسب مع ما یتكبده صاحب الحق من خسائر وما یمكن أن یحققه المتعدي من مكاسب تفوق الغرامات المنصوص عليها وهو ما یجعل من القانون 82 لسنة 2002 لا یمثل الرادع لحمایة حقوق الملكية الفكرية ویجعل من التعدي عليها أمرا سائدًا في الواقع المصري الحالي.

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى