الحجر والعزل الصحي بين الضرورة الصحية والحقوق الدستورية

كتبه: الأستاذ / طارق يحيى سلطان

نص المقال :لم تكن مصرنا الحبيبة بمأمن من فيروس كورونا الخطير الذي أجتاح دول العالم شرق وغرباً، حيث وصل عدد المصابين في مصر حتى كتابة هذه السطور إلى (985) إصابة وبلغ عدد الوفيات (66) حالة وفاة، وهذه الأعداد في زيادة مستمرة من يوم إلى أخر، وفي ظل هذه الانتشار الخطير لهذا الفيروس اتجهت الحكومة المصرية إلى تطبيق العديد من الإجراءات التي تهدف إلى وقف انتشار هذا المرض ومن هذه الإجراءات الحجر والعزل الصحي.
ويتمثل الحجر الصحي: في وضع المصابين بمرض معدى وعزلهم عن الأشخاص الأصحاء في مكان مُعد لذلك سواء تمثل في مستشفى أو منشأة صحية أو غير ذلك من الإمكان التي يتم تخصيصها من قبل الجهات الحكومية لذلك.

أما العزل الصحي: فيتمثل في تقييد حركة الأشخاص الذين يحتمل تعرضهم لمرض معدي ولم تظهر عليهم الأعراض، لذا يتم عزلهم في مكان مخصص لنرى هل أصيبوا بالمرض أم لا.

ومنذ أيام قررت وزارة الصحة عند دخول المصريين العالقين بالدول المختلفة ضرورة كتابة إقرار قبل ركوب الطائرة بدخول الحجر الصحي فور الوصول للبلاد، ورغم ذلك وفور هبوط الطائرة القادمة من دولة الكويت لمطار القاهرة الدولي وخضوع ركابها لقياس درجة الحرارة رفضوا الخضوع لتعليمات الدولة المصرية في الخضوع للمكوث بالحجر الصحي لمدة 14 يوم ومتابعتهم للتأكد من عدم إصابتهم بفيروس كورونا المستجد.

والسؤال هنا هل تملك الحكومة قانوناً تطبيق تلك الإجراءات الصحية وتجبر المواطنين عليها، والتي قد تُمثل في ظاهرها أنها تقييد للحرية الشخصية التي نص عليها الدستور المصري في المادة (54) بقوله : ” الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد”

كما قد تمثل بعض تلك الإجراءات إجراء تجربة طبية بغير رضاء الشخص وذلك ممنوع بنص الدستور في المادة (60) والتي تنص على أنه :” لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون. ويحظر الإتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أية تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقا للأسس المستقرة فى مجال العلوم الطبية، على النحو الذى ينظمه القانون” ، كما تمثل في ظاهرها أيضا اعتداء على الحق في التنقل ذلك الحق الذي نص عليه الدستور في المادة (62) والتي تنص على أن : “حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة”

والحقيقة أنه لا تعارض بين إجراءات الحجر والعزل الصحي وبين تلك الحقوق التي تناول الدستور النص عليها، خاصة أن قيام الحكومة بتلك الإجراءات له سند قانوني وهو قانون (إجراءات الحجر الصحي) رقــم 44 لسنة 1955 وتعديلاته والذي تناولت المادة (25) منه النص على أنه : ” عند وصول سفينة أو طائرة أو قطار أو أية وسيلة أخرى من وسائل النقل يجوز نقل أي شخص مصاب عليها وعزله”

كذلك نصت المادة(28) من ذات القانون على أنه : ” مع عدم الإخلال بأحكام الباب الخامس يجوز للسلطة الصحية أن تضع تحت المراقبة أي شخص مشتبه فيه يكون في رحلة دولية قادما من دائرة محلية ملوثة وتستمر هذه المراقبة حتى نهاية مدة حضانة المرض المشتبه فيه، ولا يجوز الاستعاضة عن المراقبة بالعزل إلا إذا رأت السلطة الصحية أن هناك خطرا بالغا من انتقال العدوى من الشخص المشتبه فيه”

كما نصت المادة (32) من القانون سالف الذكر على أنه : ” يجوز للسلطة الصحية أن تفرض على الأشخاص القادمين إلى مصر من جهات موبوءة للإقامة بها ولو بصفة عارضة رقابة صحية وفقا للإجراءات التي يصدر بتعيينها قرار من وزير الصحة العمومية”

كذلك ومع إصدار وزارة الصحة والسكان، القرار رقم (145 لسنة 2020)، بإدراج المرض الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد ضمن الأمراض المعدية في القسم الأول من جدول الأمراض المعدية الملحق بالقانون رقم (137 لسنة 1958)، بشأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية، فيكون للحكومة له الحق في وضع الأشخاص في العزل والحجر الصحي ، حيث نصت المادة (10) من هذا القانون على أنه :”يجوز لوزير الصحة أن يصدر القرارات اللازمة لعزل أو رقابة أو ملاحظة الأشخاص والحيوانات القادمة من الخارج”

كما أن هذا القانون يلزم كل شخص أصيب بفيروس كورونا أو اشتبه في إصابته أو علم بإصابة شخص آخر أن يبلغ الجهات الصحية والإدارية المختص خلال أربعة وعشرون ساعة وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة (12) من هذا القانون.

وفي حالة مخالفة أحد أحكام هذا القانون فإن المخالف يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن خمسين جنيها ولا تتجاوز مائة جنيه أو الحبس مدة شهرين ويجوز الحكم بمصادرة وسائل النقل وغيرها من الأشياء التي تكون قد استعملت في ارتكاب الجريمة وذلك مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضي بها قانون العقوبات أو أي قانون آخر” وفقاً لما نصت عليه المادة (26) من هذا القانون.

فالنصوص السابقة توضح حق الجهات الإدارية قانوناً في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة والتي تهدف إلى منع تفشي وانتشار هذا الوباء الخطير، وبما يشمل ذلك إجراءات الحجر والعزل الصحي أو أي إجراءات أخرى قد تلجأ إليها الدولة لمواجهة هذا الفيروس.

لذا فإنه يجب على كافة المواطنين في الدولة الالتزام بكافة الإجراءات التي تصدرها وزارة الصحة والجهات الإدارية الأخرى، وبما يساعد على منع انتشار هذا الوباء الخطير، ونسأل الله لمصرنا العزيزة أن يحفظها وشعبها من كل سوء وسائر بلاد المسلمين.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى