الحبس الاحتياطى فى التشريع المصرى( الجزء 1)

بقلم: أحمد سعيد نصر المحامى

سوف نتناول موضوع الحبس الاحتياطى ان شاء الله فى عدة مقالات.

بداية نعرض لمفهوم الحبس الاحتياطى فالحبس هو سلب حرية شخص متهم بارتكاب جريمة فترة من الزمن بإيداعه أحد السجون لحين إتمام تحقيق يجرى معه . والأصل فى الحبس باعتباره سلبا للحرية أنه عقوبة وبالتالى يجب ألا يوقع إلا بحكم قضائى بعد محاكمة عادلة تتوفر فيها للمتهم ضمانات الدفاع عن نفسه وذلك إعمالا لأصل عام من أصول المحاكمات الجنائية ـ بل هو حق من حقوق الإنسان.

فالأصل فى الانسان البراءة ومع ذلك أجازه المشرع للمحقق فى التحقيق الابتدائى بصفة احتياطية بمجرد أن يبدأ التحقيق أو أثناء سيره فالحبس الاحتياطى اجراء من اجراءات التحقيق ويتعارض مع أصل البراءة المفترض فى الانسان. فهو اجراء بالغ الخطورة يتعين أن يحيطه المشرغ بضمانات كبيرة ويتعين ألا يلجأ اليه المحقق إلا للضرورة ملحة.

يشترط لصدور الأمر بالحبس الاحتياطى توافر عدة شروط
ثبوت الأمر بالكتابة فيشترط أن يثبت مصدر الأمر بالحبس الاحتياطى هذا الأمر فى محضره كتابة ويوقع عليه مصدر الأمر وبالتالى يجب أن يثبت الأمر بالإفراج عن المتهم كتابة أيضا . وقد أوجبت المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل أمر الحبس الاحتياطى على اسم المتهم ولقبه وصناعته ومحل اقامته والتهمة المنسوبة إليه ومواد القانون المنطبقة على الواقعة وتاريخ صدور الأمر وأن يوقع عليه مصدر الأمر سواء كان القاضى أو وكيل النيابة وأن يوضع ختم المحكمة أو النيابة حسب الأحوال.
صدور الأمر بالحبس الاحتياطى من جهة قضائية : يجب أن يصدر الأمر بالحبس الاحتياطى من سلطة التحقيق ( قاضى التحقيق أو النيابة العامة ) أو سلطة الحكم أى المحكمة . فلا يجوز صدوره من سلطة أدنى كمأمور الضبط القضائى . بل ولا يجوز ندبه لذلك . فإذا كانت سلطة التحقيق هى قاضى التحقيق وجب عليه أن يسمع أقوال النيابة ودفاع المتهم قبل إصدار الأمر ( م136 إجراءات معدلة بالقانون 145 لسنة 2006 ) وللنيابة العامة فى أى وقت أن تطلب حبس المتهم احتياطيا (م137) ولكن ليس للمدعى المدنى ولا المجنى عليه طلب حبس المتهم احتياطيا (م152 اجراءات ) ولا تسمع منه أقوال فى المناقشات المتعلقة بالافراج منه.

الجريمة التى يصدر بشأنها الأمر.

لا يجوز صدور الأمر بالحبس الاحتياطى إلا فى الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ( م134/1 من قانون الإجراءات الجنائية معدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 ) والعبرة فى هذه الجنح بالحد الأقصى المنصوص عليه فى القانون للعقوبة التى يجوز للمحكمة توقيعها على مرتكب الجريمة فإذا كان من الجائز للقاضى توقيع عقوبة الحبس مدة سنة جاز للمحقق إصدار الأمر بالحبس الاحتياطى ويكون هذا الحبس صحيحا حتى ولو حكم القاضى بعقوبة أقل من هذا الحد بل ولو حكم بالبراءة إذ العبرة بالعقوبة المنصوص عليها فى القانون لا بما يحكم به القاضى.

وعلى ذلك لا يجوز الحبس الاحتياطى فى الجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط أو بالحبس الذى يقل الحد الأقصى له عن سنة ولكن يجوز الحبس الاحتياطى فى أية جريمة أخرى معاقب عليها بالحبس ولو بمدة أقل من هذا الحد إذا لم يكن للمتهم محل اقامة ثابت ومعروف فى مصر (م134/2 إجراءات جنائية ) تحوطا لخشية هروب المتهم.

والواقع أن تحديد سنة كحد أقصى للعقوبة لجواز الحبس الاحتياطى لا يزال محلا للنقد رغم تقدمه على الحال السابق عليه الذى كان يجيز الحبس الاحتياطى فى الجنح المعاقب عليه بالحبس أكثر من ثلاثة أشهر . فالحبس الاحتياطى اجراء خطير يجب ألا يتم اللجوء إليه إلا فى جرائم على جانب كبير من الأهمية . وقد أدى الوضع الحالى إلى الاسراف فى الحبس الاحتياطى دون مبرر لذلك بينما اشترطت بعض التشريعات الأجنبية لجواز الحبس الاحتياطى أن تكون الجريمة الصادر بشأنها الحبس معاقبا عليها بمدد أكبر من ذلك مثل التشريع الفرنسى الذى لا يجيز الحبس الاحتياطى إلا فى الجرائم التى يصل الحد الأقصى للعقوبة فيها إلى ثلاث سنوات على الأقل . بل إن قانون تحقيق الجنايات الأهلى المصرى ذاته كان لا يجيز الحبس الاحتياطى إلا إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقب عليها كحد أقصى بالحبس سنتين على الأقل أو كانت جنحة من الجنح الواردة على سبيل الحصر فى المادة 36/ من هذا القانون.

ولذلك نرى أنه يتعين أن ينص القانون على أن تكون الجرائم التى يجوز فيها الحبس الاحتياطى فى التشريع المصرى ـ فى الوقت الحاضر على الأقل ـ معاقبا عليها بالحبس الوجوبى الذى يزيد حده الأقصى على سنة واحدة أو الحبس التخييرى الذى تزيد مدته على سنتين.

حظر الحبس الاحتياطى فى جرائم النشر والأحداث وهناك بعض أحوال حظر فيها القانون الحبس الإحتياطى حتى ولو توافرت شروطه من ذلك ما نصت عليه المادة 41 من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة من أنه ” لا يجوز الحبس الاحتياطى فى الجرائم التى تقع بواسطة الصحف إلا فى الجريمة المنصوص عليها فى المادة 179 من قانون العقوبات “(9). وحظر الحبس الاحتياطى فى الجرائم التى تقع بواسطة الصحف الغرض منه كفالة حرية الصحافة حتى لا يهدد أصحاب الرأى باجراء خطير مثل الحبس الاحتياطى . إلا أن هذا لا يمنع القبض على المتهم فى هذه الجرائم ذلـك أن المادة 130 من قانون الإجراءات الجنائية أجازت القبض على المتهم ولو كانت الجريمة مما لا يجوز فيها الحبس الاحتياطى فى الأحوال التى ذكرتها(10) فإذا وجه إلى المتهم باحدى هذه الجرائم أمر بالحضور فلم يمتثل فيجوز للمحقق إصدار أمر القبض عليه واحضاره ثم يصدر المحقق بعد سؤاله أمرا بالافراج عنه ولا يصدر أمرا بحبسه احتياطياً.

كذلك لا يجوز الحبس الاحتياطى بالنسبة للأحداث الذين لم تتجاوز أعمارهم خمس عشرة سنة وعلى ذلك نصت المادة 119 من القانون رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل من أنه لا يحبس احتياطيا الطفل الذى لم يبلغ خمس عشرة سنة ويجوز للنيابة العامة إيداعه إحدى دور الملاحظة مدة لا تزيد على أسبوع وتقديمه عند كل طلب اذا كانت ظروف الدعوى تستدعى التحفظ عليه على ألا تزيد مدة الايداع على أسبوع ما لم تأمر المحكمة بمدها وفقا لقواعد الحبس الاحتياطى المنصوص عليها فى قانون الإجراءات الجنائية ويجوز بدلا من الاجراء المنصوص عليه فى الفقرة السابقة الأمر بتسليم الطفل إلى أحد والديه أو لمن له الولاية عليه للمحافظة عليه وتقديمه عند كل طلب ويعاقب على الاخلال بهذا الواجب بغرامة لا تجاوز مائة جنيه . ومبرر حظر الحبس الاحتياطى بالنسبة للأحداث قائم فى أن هؤلاء غير قادرين على التأثير فى التحقيق كما أن خشية هربهم محدودة.

تسبيب الأمر بالحبس الاحتياطى و لم يكن المشرع المصرى يلزم سلطة الأمر بالحبس الاحتياطى أن تبين أسبابا محددة لاصدار أمرها بالحبس الاحتياطى وكنا قد انتقدنا هذا الوضع وقد تدخل المشرع مؤخرا بالقانون رقم 145 لسنة 2006 فحدد أسبابا للحبس الاحتياطى لا يجوز اصدار الأمر بالحبس إلا إذا توافر أحدها . فنصت المادة 134 من قانون الاجراءات الجنائية بعد تعديلها بهذا القانون على أنه ” يجوز لقاضى التحقيق بعد استجواب المتهم أو فى حالة هربه إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة والدلائل عليها كافية أن يصدر أمرا بحبس المتهم احتياطيا وذلك اذا توافرت احدى الحالات أو الدواعى الآتية
الخشية من هروب المتهم و إذا كانت الجريمة فى حالة تلبس ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره

وخشية الاضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجنى عليه أو الشهود أو بالعبث فى الأدلة أو القرائن المادية أو باجراء اتفاقات مع باقى الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها
توقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذى قد يترتب على جسامة الجريمة ومع ذلك يجوز حبس المتهم احتياطيا إذا لم يكن له محل اقامة ثابت معروف فى مصر وكانت الجريمة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس.

والواقع أن هذه الأسباب ترتكز على أن الحبس الاحتياطى وسيلة تحوطية ضد احتمالات الاضرار بحسن سير التحقيق فهو يسهل على المحقق اجراء التحقيق لأنه يمكنه من أن يجد المتهم فى أى وقت كلما احتاج التحقيق إلى مواجهته بشىء أو بشهود أو اطلاعه على شىء . ولذلك لا يجوز أن يكون من أسباب الحبس الاحتياطى مجرد جسامة الجريمة المنسوب ارتكابها للمتهموقد قيل أن قاعدة أن الأصل فى الانسان البراءة تجد أقصى تطبيق لها فى مرحلة المحاكمة حيث يفسر الشك لمصلحة المتهم أما فى مرحلة التحقيق الابتدائى فإن الشك يفسر ضده(. هذا بالإضافة إلى أن الحبس الاحتياطى يتيح الفرصة لتحقيق عادل إذ قد يكون للمتهم تأثير على حسن سير التحقيق سواء بإرهابه للشهود أو بمحاولة التدخل فى تقارير الخبراء أو غيرها . ومن جهة أخرى فإن الحبس الاحتياطى فيه حماية للمتهم من الاعتداء عليه من خصومه وفيه ارضاء لنفسية المجنى عليه بل والمجتمع كله الساخط على مرتكب الجريمة.

ولكن الحبس الاحتياطى قد يكون فيه ما يحول دون تحقيق دفاع المتهم كاملا خاصة فى قضايا الأموال إذ قد يمكنه ـ دون غيره ـ لو كان طليقا أن يقدم للمحقق المستندات التى تنير الطريق له فضلا عما يصيبه من أضرار مادية وأدبية لذلك يجب على المحقق ألا يلجأ للحبس الاحتياطى إلا لضرورة باعتباره استثناء على أصل البراءة المفترض فى كل انسان والمنصوص عليه فى الدستور . فيجب على المحقق قبل اصداره أمره بالحبس الاحتياطى أن يستوثق من توافر سبب من أسبابه وبانتهاء التحقيق الابتدائى تنتفى أسباب الحبس الاحتياطى الأساسية.

ووجود أدلة ضد المتهم من شروط سلامة الأمر بالحبس الاحتياطى أن تكون أمام المحقق فى التحقيق أدلة كافية على نسبة الجريمة إلى المتهم سواء بوصفة فاعلا أصليا أو شريكا ( م134 أ.ج ) وقد استعمل المشرع كلمة الدلائل الكافية دون افصاح عن مقصده منها بمعنى هل تكفى الشبهات أو الدلائل أم يجب أن تكون هناك أدلة قوية على نسبة الجريمة إلى المتهم . الواقع أن التعرض لحريات الناس بالحبس أمر فى غاية الخطورة لذلك يجب أن تكون هناك أدلة بالفعل يقدر المحقق أنها لو رفعت للمحكمة فسوف تعتمد عليها فى الحكم بادانة المتهم أما الشبهات والدلائل فلا تكفى للحكم بالادانة ولذلك فما لم تكن هناك أدلة واضحة فلا يجوز للمحقق إصدار أمره بالحبس الاحتياطى وسندنا فى ذلك أنه إذا كان الحبس فى أصله عقوبة لا تصدر إلا بحكم قضائى وكان هذا الحكم لا يصدر إلا بناء على أدلة يقينية فإن الحبس الاحتياطى هو حبس أجيز استثناء بغير حكم ولكن بقرار من المحقق فلا أقل أن يكون مستندا فى نظر هذا المحقق على أدلة واضحة فإن لم يكن الأمر كذلك فلا ضير من تقديم المتهم إلى المحاكمة وهو مفرج عنه لتقضى المحكمة فى شأنه.

وللحديث بقية فى الجزء الثانى من مقالنا هذا لنستوضح عدة نقاط منها ضرورة ابلاغ المحبوس احتياطيا بأسباب حبسه وماهية بيانات أمر الحبس ومدته وسلطة القاضى الجزئى وسلطة غرفة المشورة والحبس الاحتياطى فى جنايات أمن الدولة والمفرقعات والأموال العامة وجرائم الرشوة ومدى التوسع فى سلطة النيابة العامة فى جرائم الإرهاب والحد الأقصى لمدد الحبس الاحتياطى و بدائل الحبس الاحتياطي.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى