التخبيب جريمة بلا عقاب في مصر

حسام عبدالشافي
محام وباحث قانوني

ما هو التخبيب ؟

التخبيب في اللغة

التخبيب، هي مصدر فعل خبب، وخبب في اللغة يعني، إفساد شخص على شخص أخر كأن يفسد الرجل عبد لغيره، أو تفسد المرأة أمه لغيرها، أو يفسد الشخص صديق على صديقه، ويقال خبب فلان أي أفسد فلان، وخبب فلان عبدي أي خدعه، والخب بمعنى الخبث أو الفساد، وعكس الغر وهو الشخص الذي لا يعرف الشر، و جاء في قاموس المُحيط أن التخبيب مشتق من الخبَّ، والخبب هو ضرب رجل من عدوه، والخب أيضا بمعنى الخداع، والتخبيب، إذا قام شخص فخبب آخر أي أفسده ، والخب أيضا ، هيج البحر .

وفي لسان العرب أن كلمة الخَبُّ تعني الخداع والغش، ورجل مُخابٌّ ، أي منخدع.

التخبيب في الشرع

يشبه المعنى الاصطلاحي للتخبيب إلى حد ما المعنى اللغوي ، فهو يجمع بين مرادفات الإفساد، والخديعة، والخبث، والغش، وقد روي عن أَبِى هريرة قال قال رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ غِرٌّ كَرِيمٌ وَإِنَّ الْفَاجِرَ خَبٌّ لَئِيمٌ).

صور التخبيب، و إفساد المرأة على زوجها كصورة من صور التخبيب

للتخبيب صور كثيرة، ولكن الصورة الأكثر شيوعًا بين الناس، والتي تعتبر من أشر أنواع التخبيب، هي إفساد قلب المرأة الصالحة على زوجها بهدف التفريق بينهما لسبب ما، فالتفريق بين زوجة وزوجها من أعظم ما حرم الله ..

ومن صور تخبيب الأزواج ما يقع من الأهل، كتخبيب الأم لابنتها أو الأخت لأخيها، أو الوالد لولده، ومن امثلة ذلك، قيام الأم بتحريض ابنتها علي مطالبة زوجها بما لا يحق لها أو نشوزها والخروج عن طاعته، وجدير بالذكر أن هناك الكثير من الحالات التي اعترفت أن من أهم أسباب الطلاق هو الدور الغير مناسب الذي تقوم به الأم تجاه ابنتها، والذي لا يتطلب التدخل الدائم في الحياة الزوجية بينها وبين زوجها والتي قد تكون من أهم أسباب عدم التفاهم وزيادة المشكلات التي قد تؤدي إلى الطلاق في النهاية ..

وكذا قيام الأخت ببث الكراهية بين اخيها و زوجته بإيغار صدره بذكر مساوئها وسوء أخلاقها، أو ذم أهلها وتحريضه على فراقها لأسباب قد تختلف من حالة إلى أخرى، ..

و أمر الوالد ولده بطلاق زوجته من غير داع شرعى ..

واشتراط الزوجة طلاق ضرتها، سواء من ذلك عند إبرام العقد أم بعد زواجها، فيحرم على كلتا الزوجتين طلب فراق الأخرى لأنه من الظلم، وسوء ظن بالله، وضعف فى القضاء والقدر وقد نهى عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” لا تسأل المرأة طلاق أختها لتـكفأ ما فى إنآئها”رواه الشيخان.

ومن التخبيب أن يتعرف الزوج على امرأة تؤدي إلى طلاقه، أو رجل يقوم بتحريض أمراة على عصيان زوجها والخروج عن طاعته أو الطلاق منه على وعد بالزواج بها، وهذه الصورة موجودة وبكثرة في أيامنا ..

وإذا كان الإسلام يحرم الخطبة على خبطة المسلم، فإذا خطب امرأة فلا يجوز آخر أن يخطب تلك المرأة حتى يتركها الخاطب الأول أو يُردُّ خشية الإفساد، فكيف بمن يأخذ زوجًا من زوجه؟

ذهب المالكية إلى فساد عقده معاملة له بنقيض قصده، فإذا حصل الطلاق و تزوجها، فيحُرم ذلك ولو كان الزوج الأول ظالمًا لها.

ومن التخبيب تدخل أجنبي بين الزوجين وقت النزاع بينهما، والسعي في حصول الطلاق، سواء كان من قبل أهل الزوج أو الزوجة أو غيرهما، والواجب على من بلغه شيء من نزاع الزوجين ألا يتكلم فيما بينهم إلا بتحقق أمرين : الأول : أن يؤذن له ويرضى به حكمًا، الثاني: أن يسمع من كلا الطرفين حتى تتضح الصورة، وينكشف الحال ويتم العدل والأنصاف.

ومنَ التخبيب ومن إفساد البيوت مناداة المغرضين بخروج المرأة عن ولاية الرجل، وإقناعُها بأنها مهضومة الحقوق مسلوبة الحرية.

ومن صور التخبيب الحديثة بين الزوجين: تخبيب برامج التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك البرامج التي تنقل اليوميات، فترى الواحدة منهن تعرض أكلها وشربها ومسكنها وسفراتها وهداياها مما يوغر صدور الزوجات على أزواجهن فيطالبن بما يعجز عنه الزوج من النفقة الباهظة لأجل مماثلة تلك ومجاراة أخرى، فيقع بين الزوجين خصومة وجدال قد تؤدي إلى الطلاق أو النفرة، ولو أن كل امرأة ورجل احتفظ بخاصة أمره ولم ينشره لتوقفت مظاهر المفاخرة والتقليد الذي سبب ديونا ومشاكل أسرية، وعدم رضا بما قسم الله، وحسدًا لمن أنعم الله عليهم.

ولا يقتصر التخبيب بين الأزواج علي تلك الصور، بل تلك الصور من التخبيب هي المنتشرة وقد يحمل الزمن ألوانًا أخرى، مما يستجد ..

ولقد نهى الإسلام أن يقع إحدى هذه الصور بقصد الإفساد والوقيعة فكل ذلك لا يجوز، وهو من الكبائر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده. رواه أبو داود وصححه الألباني.

و يبقي السعي إلى التفريق بين الزوجين من أعظم صور التخبيب والمحرمات، بل هو فعل هاروت وماروت كما جاء في الآية الكريمة : “ بسم الله الرحمن الرحيم :- ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) صدق الله العظيم .( الآية ١٠٢ من سورة البقرة )

كيف يكون التخبيب ؟

من التخبيب ما يكون تحريشًا ظاهرًا مباشرًا، بأن يذكر علل من يريد إسقاطه تصريحًا وتحريضًا وسبًا، وهذا الأسلوب غالبًا ما يستخدمه العدو الظاهر في العداوة، والذي لا يستخفي في عداوته، ويسعى جهده في إلحاق الضرر بمن يريد إساءته ..

ومنه ما بكون بإلباس التخبيب ثوبَ النصيحة، وتظاهُر المخبِّبِ الشفقة على من يريد تخبيبه، وهو باب يتسلل منه إلى قلب من يريده، فالمفسد في هذه الحال لا يصرح بالتحريش، ولكن يلبس ثوب الناصح المشفق المتعاطف مع الضحية، بأن يقول له : أنت تستحق أكثر من هذا ومقامك أرفع، ولو كنت عندي لأعطيتك وأكرمتك، ويحتقر ما يقدَّم للضحية من خير، فيبدأ قلب المخبَّبِ وهو الضحية بالغليان، ثم الغيظ على صاحبه أو زوجه أو رئيسه في العمل، فينقلب عليه بغضًا وذمًا، بعدما كان يُكبره ويعظمه ويكن له الاحترام والتقدير ..

وهكذا ينجح شيطان الإنس في فك العلاقة بين الطرفين وزعزعتها، وإزالة خيوط الترابط والمحبة وسلامة الصدر، وتنتهي مهمته بعد ذلك إذ شحن قلب ضحيته ووسوس له، وقام بدور الشيطان من الجن، وبما يحبه إبليس الرجيم من عمل، فمن أجل الأعمال عند إبليس ذلكم الإفساد وخصوصا بين الزوجين، فقد ثبت في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ ).

ما هي عقوبة التخبيب شرعاً ؟

ورد في حكم التخبيب في الشرع أن على الشخص الذي قام بتخبيب امرأة على زوجها أن يردها إلى زوجها ثم يتوب عن فعلته، وذهب علماء الشريعة الإسلامية أيضا أنه يستحق الحبس ..

عقوبة زواج الرجل من المرأة التي خببها على زوجها :

 والمقصود هو أن يتزوج الرجل الذي تسبب في طلاق امرأة من زوجها بعد أن خببها عليه في حين كانت زوجته، فقد ذهب رأي الجمهور أن النكاح صحيح، ولا شائبه فيه، ولكن يكون الإثم هنا على الرجل، وهو إثم التخبيب، ولكن اختلف مذهب المالكية مع الجمهور، فقد رأوا أن الزواج باطل لأنه قام على قواعد، وأسس باطلة.

إثم الزوجة التي خضعت للتخبيب : وردت عقوبة المرأة المخبب لها في كتاب الله عز وجل على أنها آثمة إذا استجابت للتخبيب ، وذلك لعدة أسباب منها خيانتها لزوجها ، وسماحها لشخص أخر بالتحدث عليه بسوء ، سماحها لشخص أجنبي عنها بالتحدث معها وزرع أفكاره في رأسها ضد زوجها ، خيانته لميثاق الزواج الغليظ بينها وبين زوجها .

عقوبة صور التخبيب الأخرى : قد لا يكون التخبيب للزوجة من قبل رجل أخر فقط بل قد يكون من قبل امرأة أخرى فتقوم بقلبها على زوجها لسبب ما ، أو تخبيب الأهل ابنتهم على زوجها وتحريضها عليه وإفسادهم لزواجها، أو تخبيب الصديقة صديقتها على زوجها وتخبيبها على أهلها ، أو على شخص آخر مقرب لها ، وفي جميع الحالات يلحق المخبب إثم عظيم بفعلته هذه ، ويجب عليه التوبة سريعًا.

عقوبة التخبيب في القانون

فيما يخص قضايا التخبيب فلم يهتم بها القانون في معظم البلاد الإسلامية، والعربية عدا دول السعودية، الكويت و الاردن، فقد وضع قضية التخبيب ضمن المحرمات المؤقتة،

ففي المملكة العربية السعودية هناك دعوى تخبيب، من حق الزوج ان يرفعها على أي شخص يحرض عليه زوجته، مثل : أصدقائه، أصدقائها، أقربائه، أقربائها أو حتى شقيقتها، حيث  أن أي جملة أو عبارة تؤدي إلى التحريض “التخبيب” تُقام ضدّها دعوى، و يمكن للزوج إثبات دعوى التخبيب بأي وسيلة مثل رسائل الجوال أو مواقع التواصل الاجتماعي أو شهادة الشهود، والعقوبة سلطتها بيد القاضي إما بالسجن أو بالتعزير..

وفي دولة الكويت ووفقًا لما جاء في نص المادة ( 23 ) من قانون الأحوال الشخصية “أنه لا يجوز للرجل الذي خبب امرأة على زوجها أن يتزوجها إلا بشرط أن تعود إلى زوجها أولًا فيطلقها ، أو يموت عنها”..

وقد أوضحت دولة الكويت سبب هذا القانون فقالت أن التفريق بين المرأة وزوجها من أشر الأفعال، سواء كان بتخبيبها بالمال، أو الوعد بالزواج، أو غيرها من الأمور الخبيثة، حتى تضطر المرأة لتركها زوجها، والذهاب لشخص أخر، وكان الهدف من هذا القانون هو حماية الأسرة المسلمة وصيانتها ..

وقانون العقوبات الأردني أفرد نصًا لتلك الجريمة عاقب من خلاله كل من يحرض امرأة سواء أكان لها زوج أم لم يكن على ترك بيتها، لتلحق برجل غريب عنها أو أفسدها عن زوجها لإخلال الرابطة الزوجية بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.

أما قانون العقوبات المصري فلم يتعرض إلى مشكلة التخبيب، كغيره من التشريعات العربية الأخرى ..

وان كنا نتمني إضافة مادة لقانون العقوبات المصري يعالج من خلالها بنص صريح تلك المشكلة، بتجريم كل الأفعال التي ترتكب لإفساد الزوجات على أزواجهن، وعلى أعضاء مجلس النواب التدخل لإضافة مادة قانونية بيّنة ومحددة لقانون الجزاء، تعالج كل الأفعال التي ترتكب لإفساد الزوجات على أزواجهن والعكس، ويمنحهم صفة تحريك الدعوى الجنائية أو المدنية للضرر، فضلاً عن أنه يردع ويحفظ المجتمع من الانحدار الأخلاقي، فكم من العلاقات الزوجية انهار كيانها وقوامها وأصبحت بلا روح، وكم من العلاقات الزوجية التي انتهت بالطلاق، وكم من الأزواج مَنْ نشبت في قلوبهم مشاعر الكره والعداوة، وكم مَنْ عانى من مشاكل الغدر والخيانة، وكل ذلك بسبب إفساد المخبب على الأزواج وما ينطوي عليه هذا الفعل المشين من إثم عظيم وجرم كبير مجتمعياً في هدم الإسرة.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى