الأسود يليق بكم

بقلم: الأستاذ/ عمر محمود عبد الصمد

أصحاب الرداء الأسود: الأسود يليق بكم ويليق بمعانتكم، يليق بحالكم، يليق بحداد على من ظُلموا أمام أعينكم، يليق حدادا على مرافعات ضاق عليها الوقت في المحاكم أو بالأحرى ضاق الصدر ولم يتسع لاستيعابها.

وقد عبر الأستاذ إبراهيم الهلباوى المحامي عن سر ارتداء المحامين الأسود حينما وقف يقول للمحكمة: “لقد أمضيت خمسًا وعشرين عامًا فى المحاماة دون أن أسائل نفسى لماذا اختير للمحامى رداء أسود, بينما اختير للقاضى شعارٌ أخضر يزين به صدره. والآن فقط أدركت هذا السر، أدركته والقلق يعذبنى بسبب هذه القضية، أدركته وأنا أشعر بما يشعر به المتهم نفسه، وأحس بما تحس به أمه وأخته من الفزع والاضطراب، وهما فى الواقع فى حالة حداد، الحداد الذى يتمثل فى هذا الرداء الذى ارتديه بين أيديكم”.

بالرداء الأسود يتشح المحامون في المحاكم وياليتهم عند إزالة هذا الرداء يخلعون عن أنفسهم ويزيلون عن أكتافهم الهموم والمظالم التي حملهم بها موكليهم، فلا تؤرقهم ليلا وتزعج فكرهم وتهتز مشاعرهم فرحا وحزنا على موقف موكليهم ويكون شغلهم الشاغل ليست وفقط حياتهم الشخصية بل يشغلهم حيوات كثيرة متشعبة.

أما وأن يصل الحال بأن أحدا ألقى بنفسه إلى التهلكة لمصلحة ابتغاها لموكله!! فكيف انتهى به فكره إلى ذلك!! فإن كانت رسالتي فيها من اللوم والرفض الشديد لفعلته، ففيها من الحزن والشفقة على حاله. أ إلى ذلك الحد تعرض لقهر أصابه في سلامة تصرفاته، أ إلى ذلك الحد ضاع أمله في أن تستجيب المحكمة لطلب يراه عادلا لموكله، أ إلى هذا الحد تعرض لضغط أدى إلى أن ضاق عقله وفقد ثقته في نفسه وفي الأدوات القانونية المتاحة لديه، وغاب عنه معنى رسالة المحاماة وأن ما علينا هو بذل العناية الكافية ولا شأن لنا بتحقيق نتيجة، فقد ظلمت نفسك وظلمت المحاماة بأن رغبت في دخول عالمها دون أن تمتلك من الثبات والاستقرار النفسي أن تتحمل مآسيها.

ومعنى رسالة المحاماة الحقيقية أن تبذل كل ما في وسعك أن تبذله وتستخدم كل الأدوات المشروعة قانونا لتحقق لموكلك العدل وتحافظ له على حقوقه، وتعلم أن النتيجة النهائية لا تكتبها بيديك، فإن لم تكن النتيجة مناسبة لما قدمت فلا حيلة لك بعد ذلك لأنك لا تملك إلا كلمتك، وقلة الحيلة لا تنال من عزم وشرف الرجال.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى