الأحكام الغيابية وحق المعارضة

بقلم: أشرف مصطفى الزهوي المحامي

لم تنجح التعديلات التشريعية المتعاقبة في القضاء على ظاهرة بطء التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة، والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى الكم الهائل من الأحكام الغيابية التي تصدرها محاكم الجنح، والتي قد يتغيب فيها المتهم عن الحضور لعدم علمه بموعد الجلسة؛ نظرا لعدم إتمام الإعلان وفقا لصحيح القانون و التي يتم إخطار المتهم بها لأنها غالبا ماتكون مجرد إجراء روتيني وتحصيل حاصل لايلقي الاهتمام اللازم ولايتصل بها علم المتهم، وقد يتعمد المتهم عدم الحضور للاستفادة من حق المعارضة واطالة أمد المحاكمة أو أنه يدرك أن العقوبة تكون غرامة بسيطة لاتستأهل الحضور أو توكيل محام ويسدد الغرامة بعد ذلك.
والحكمة التي يتوخاها المشرع من تقرير حق المعارضة هو تأكيد علم المتهم بالاتهام وتمكينه من تحقيق حقه في الدفاع عن نفسه بشأن الاتهام الموجه إليه. ولمزيد من الحرص على كفالة حق الدفاع منح القانون حق المعارضة حتى في الأحكام التي تصدرها محاكم الجنح المستأنف.
ولذلك فإنه يتعين على المشرع المصري إلغاء الحق في المعارضة بضوابط تحقيق العلم اليقيني للمتهم بموعد الجلسة وهو مايمكن تحقيقه الآن في ظل وسائل التواصل الحديثة والمتعددة، الا يكفي تحقيق التواصل وإعلان المتهم عبر البريد الإليكتروني أو الرسائل أو الواتس آب أو الماسنجر أو الفاكس أو الهاتف أو بجزء من هذه الوسائل السريعة ومنح مدة مناسبة للمتهم لتحضير مستندات وتحقيق دفاعه، الا يمكن إلزام كل مواطن بتسجيل وسائل الاتصال التي تناسبه وتكون ملزمه له. وقد تلاحظ لي عند تحرير محاضر جمع الاستدلال يتم في أغلب الأحوال تكليف الشاكي لتحديد وسيلة الاتصال به ويتم تسجيلها في المحضر. ويمكن بالاضافه لما سبق توجيه خطاب بريدي وتسليم صوره لمندوب الإدارة. ويمكن للمتهم مع ذلك أن يثبت أمام المحكمة أنه لم يتصل علمه بموعد جلسة المحاكمة وسيصبح ذلك استثناء إذا ماصح، يلزم محكمة الجنح المستأنف بإعادة الجنحة لمحكمة اول درجة لنظرها كحكم غيابي.
وفي ضوء ماسبق، فإن إلغاء نظام المعارضة في الأحكام سيحقق العدالة الناجزة وسيخفف العبئ عن كاهل الشرطة واقلام المحضرين والنيابة العامة ومحاكم الجنح. وسيضمن تحقيق الردع ووصول الحق إلى المجني عليهم إذا كان مستحقا، والأهم من ذلك هو حماية المتهم من إجراءات القبض عليه لتمكينه من التقرير بالمعارضة والحفاظ على مكانته وكرامته من مداهمات الشرطة لمنزله ومايمثله ذلك من الحط من كرامته أمام عائلته وأهل الحي الذي يقطنه. وإلغاء حق المعارضه سيضمن ثبات مدة انقضاء الدعوى الجنائية بخمس سنوات حال كون الأحكام التي تصدر ستكون حضوريه. انها دعوة للسلطة التشريعية لإلغاء حق المعارضة في الأحكام الجنائية بعد توصيل خدمة الانترنت لكل المواطنين فهي لاتقل أهمية عن خدمة توصيل الغاز الطبيعى والمياة والكهرباء للمنازل ويحقق الأمل في التحول الرقمي والإنتقال بالمجتمع إلى مزيد من الارتقاء والتقدم التكنولوجي.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى