إعلان المسجونين.. في ظل قضاء المحكمة الدستورية العليا مؤخرا

كتبه: أحمد أمين عيد المحامي

نصت المادة 13 فقرة 7 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968، على أنه : ( فيما عدا ما نص عليه في القوانين الخاصة تسلم صورة الإعلان على الوجه الآتي :
..
7- ما يتعلق بالمسجونين يسلم لمأمور السجن ) .
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص البند 7 من المادة 13 من قانون المرافعات المدنية و التجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968, وكذا نص قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون, فيما تضمنه من وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون نفسه.
وذلك بالقضية رقم 49 لسنة 30 ق دستورية , جلسة 3 / 3 / 2018 . والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 13 مارس 2018 .
وقد جاء منطوق حكم المحكمة الدستورية كالآتي:
أولا: بعدم دستورية نص البند (٧) من المادة (١٣) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ١٣ لسنة ١٩٦٨، ونص المادة (٨١) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٣٩٦ لسنة ١٩٥٦ في شأن تنظيم السجون؛ فيما لم يتضمناه من وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون نفسه.
ثانيا: بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم تاريخا لإعمال أثره، دون إخلال باستفادة المدعى منه.
ثالثا: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ولكن ما هي أسباب الحكم بعدم دستورية نص الفقرة السابعة من المادة 13 من قانون المرافعات , وماذا يترتب على ذلك من آثار ؟

أولا : أسباب الحكم بإختصار :
حيث نصت المادة 10 من قانون المرافعات على أنه : ( تسلم الأوراق المطلوب إعلانها إلى الشخص نفسه أو في موطنه .. ) .
كما نصت المادة 11 من ذات القانون على أنه : ( إذا لم يجد المحضر من يصح تسليم الورقة إليه طبقا للمادة السابقة أو امتنع من وجده من المذكورين فيها عن التوقيع على الأصل بالاستلام, وجب عليه أن يسلمها في اليوم ذاته إلى مأمور القسم أو المركز ..
وعلى المحضر خلال أربع وعشرين ساعة أن يوجه إلى المعلن إليه في موطنه الأصلي أو المختار كتابا مسجلا, مرفقا به صورة أخرى من الورقة , يخبره فيه أن الصورة سلمت إلى جهة الإدارة .. )
ثم جاءت نص المادة ( 13 ) من ذات القانون أيضا لتستثني بعض الأشخاص مما سبق من طرق الإعلان وسيما بحق ما جاء بالمسجونين من الإكتفاء بتسليم الإعلان لمأمور السجن .. دون أن توجب المادة إعلام المسجون نفسه بالإعلان .
كما تنص المادة (٨١) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٣٩٦ لسنة ١٩٥٦ في شأن تنظيم السجون على أن: “يكون إعلان المسجونين إلى مدير السجن أو مأموره أو من يقوم مقامه، ويجب عليه أن يتخذ جميع الوسائل الكفيلة باطلاع كل مسجون في أقرب وقت على صورة أي حكم أو ورقة تعلن إليه في السجن وتفهيمه ما تضمنته، وإذا أبدى المسجون رغبة في إرسال صورة الإعلان إلى شخص معين وجب إرسالها إليه بكتاب موصى عليه وإثبات هذه الإجراءات في سجل خاص”.
ولما كانت هذه النصوص مخالفة لنصوص المواد (٤٠ و٦٨ و٦٩) من دستور سنة ١٩٧١( الدستور الذي ينطبق على الواقعة وقت إبداء الدفع بعدم الدستورية لا وقت الحكم عام 2018 ) على سند من أنه إذ لم يتضمن وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون نفسه؛ اكتفاء – لترتيب أثره – بتسليم صورة الإعلان لمأمور السجن، فإنه يكون قد حرمه من العلم بوجود الخصومة القضائية، ومن ثم المثول أمام قاضي النزاع وإبداء دفاعه، وما يترتب على ذلك من عدم انعقاد الخصومة في الدعوى.
وتبعا لذلك؛ يكون النص المطعون فيه قد مايز بين المدعي وسائر المتقاضين – غير المسجونين – بالرغم من تكافؤ مركزهم القانوني معه في شأن وجوب كفالة وسائل التحقق من علمهم بالنزاع القائم، وبذلك يقيم النص المطعون فيه تمييزا تحكميا غير مبرر، وكان أولئك المتقاضون من الفئتين المشار إليهما في مركز قانوني واحد بالنظر إلى وحدة توافر صفة المعلن إليه بأوراق الدعوى في كل منهما؛ مما مؤداه وجوب خضوع التنظيم القانوني لإثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها لقواعد إجرائية وموضوعية وفقا لمقاييس موحدة، سواء في مجال اقتضاء الحق أو التداعي بشأنه، أو في مجال الحق في سلوك طرق الطعن في الأحكام الصادرة في المنازعات المطروحة أمام القضاء.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان هذا التمييز بين فئتي المتقاضين على النحو المتقدم يعد تمييزا تحكميا غير مبرر؛ إذ لم يستند إلى أسس موضوعية تقتضيها طبيعة المنازعة، دون أن يقدح في ذلك قالة استناد هذا التمييز إلى كون المعلن إليه مسجونا مما يقتضيه ذلك من تنظيم إعلانه وفقا للنظام القائم في السجون، ودون أن يؤثر في قيام هذا التمييز التحكمي غير المبرر ما يتضمنه نص المادة (٨١) من قانون تنظيم السجون المشار إليه من وجوب أن يتخذ مدير السجن أو مأموره أو من يقوم مقامه جميع الوسائل الكفيلة باطلاع كل مسجون في أقرب وقت على صورة أي حكم أو ورقة تعلن إليه في السجن وتفهيمه ما تضمنته، إذ لا يؤدي ذلك في ذاته إلى ضمان ثبوت علم المسجون المعلن إليه بمضمون الأوراق محل الإعلان، ومن ثم فلا يغني الواجب المشار إليه عن إثبات واقعة تسليم المسجون المعلن إليه نفسه تلك الأوراق؛ توطئة لعلمه بمضمونها، ومن ثم يكون النصان المطعون فيهما قد اختصا الفئة الثانية من فئتي المتقاضين المشار إليهما – وتشمل هذه الفئة المدعي في الدعوى المعروضة – بمعاملة استثنائية تفتقر إلى الأسس الموضوعية التي تسوغها، بأن حرمتهم من ضمان تسليمهم الأوراق المراد إعلانها؛ توطئة لإحاطتهم بمضمونها، وكانت هذه المعاملة الاستثنائية لمجرد كونهم مسجونين، مع أن مساواتهم بأقرانهم أوجب وأولى لكونهم مقيدي الحرية من ناحية، ولوجودهم في مكان معين معلوم وهو السجن من ناحية أخرى؛ مما مؤداه انعدام المانع أو الحائل المادي من تسليم الأوراق المطلوب إعلانها إلى أشخاصهم، وتبعا لذلك؛ يكون هذان النصان قد سلبا المدعي، على خلاف أقرانه من أفراد الفئة الأولى، حقه في النفاذ إلى القضاء وحرماه من ضمانة الدفاع، بعد أن أضحى عاجزا عن بلوغها بانتفاء علمه بالإجراءات المقامة ضده، جراء عدم تسلمه أوراقها، والاكتفاء بتسليم صورة إعلانها إلى القائم على سجنه، وغدا بذلك مسلوبا من أسلحته في الدفاع وعرض وجهة نظره في الواقعة محل التداعي في مواجهة خصومه الذين تتعارض مصالحهم معه بشأنها؛ بالرغم من وجوب تماثلهم جميعا في تلك الضمانات، وبذلك يكون النصان المطعون فيهما قد أخلا بمبدأ المساواة، وقيدا حق التقاضي، وأهدرا حق الدفاع؛ بما يتعين معه القضاء بعدم دستوريتهما.

ثانيا: الآثار المترتبة على الحكم بعدم دستورية نص الفقرة 7 من المادة 13 من قانون المرافعات سالفة البيان، وكذا المادة 81 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون :
ج – هو ما جاء بمنطوق الحكم ذاته من:
أولا : وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون نفسه وإلا كان الإعلان باطلا , وبالتالي تبطل صحف الدعاوى أو الإنذارات أو أية أوراق قضائية معلنة إلى أي مسجون لا يثبت فيها أنه قد تسلمها بشخصه، إن تمسك بهذا الدفع الشكلي طبقا لنص المادة 108 من قانون المرافعات.
ثانيا : تحديد اليوم التالي ( أي بدءا من يوم 14 مارس 2018 ) لإعمال ذلك الأثر المترتب عليه بأولا ( من وجوب إثبات تسليم إعلان المسجون نفسه الأوراق المطلوب إعلانها إليه ) من تاريخ نشر الحكم بالجريدة الرسمية ( وهو يوم 13 مارس 2018 ) .
مع عدم الإخلال باستفادة مقيم الدعوى الدستورية بهذا الأثر بالدعوى الموضوعية الموقوفة على حكم المحكمة الدستورية تلك .

وقد ثار خلاف فقهي مؤخرا، بالنسبة للمحبوسين إحتياطيا من حيث إعلانهم إعلانا صحيحا قانونا.. هل يقاس مركزهم القانوني على المسجونين بأحكام قضائية نهائية أم على غيرهم من الأشخاص الطبيعين من غير المسجونين فيعلنون على محل إقامتهم قانونا بحسب الأصل ؟ سيما مع تزايد أعداد المحبوسين إحتياطيا وطول فترات الحبس ..

– وإزاء عدم وجود نص قانوني حاسم في تلك المسألة، فأرى من وجهة نظري الشخصية أن المحبوس إحتياطيا من حيث كيفية إعلانه بالأوراق القضائية، يقاس من قبيل الإستحسان على ذات الطريقة والضمانة التي حددتها المحكمة الدستورية العليا بالحكم المشار إليه أعلاه؛ وذلك لما قررته المحكمة ذاتها في أسباب حكمها من علة ذلك القضاء من كونهم مقيدي الحرية من ناحية، ولوجودهم في مكان معين معلوم وهو السجن من ناحية أخرى؛ مما مؤداه انعدام المانع أو الحائل المادي من تسليم الأوراق المطلوب إعلانها إلى أشخاصهم.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى