إعادة الاختصاص بدعوى التسليم إلى القواعد العامة

بقلم الدكتور/فرج محمد على المحامى بالنقض

أصدر المشرع القانون رقم76لسنة2007 بتعديل أحكام قانون المرافعات ،وبموجبه عهد للمحكمة الجزئية، بالفصل فى دعاوى تسليم العقارات متى رفعت بصفة أصلية، فإنها تعتبر دعوى غير قابلة للتقدير، وقد كانت قواعد الاختصاص القيمي توجب أسناد الاختصاص بهذه الدعوى للمحكمة الابتدائية، باعتبار انها المحكمة ذات الولاية العامة وانها تختص بالدعاوى الغير قابلة للتقدير.
غير أن المشرع بموجب القانون رقم 76 لسنة 2007 قد استثنى هذه الدعوى واسند الاختصاص بها للمحكمة الجزئية فتنص المادة 43 فقرة 6 بعد المضافة بموجب هذا القانون على انه تختص المحكمة الجزئية بالدعوى الاتية:-
6) دعاوى تسليم العقارات إذا رفعت بصفة أصلية، ويتعين على المدعى إخطار ذوى الشأن من الملاك والحائزين وأصحاب الحقوق بالدعوى وذلك بورقة من أوراق المحضرين، وفى حالة عدم الإستدلال على أشخاصهم بعد إجراء التحريات الكافية يتم الإخطار عن طريق الوحدة المحلية بطريق اللصق، فى مكان ظاهر بواجهة العقار وفى مقر نقطة الشرطة الواقع فى دائرتها العقار وفى مقر عمدة الناحية ولوحة الإعلانات فى مقر الوحدة المحلية المختصة بحسب الأحوال، ولا تحكم المحكمة فى الدعوى إلا بعد تمام الإخطار، وتقديم المدعى المستندات التى تسانده فى دعواه ولو سلم المدعى عليه بطلبات المدعى.
ونتناول تعريف دعوى تسليم العقارات والخصوم في هذه الدعوى، والمحكمة المختصة بها وإعلان الدعوى والأخطار بها والحكم الصادر فيها على النحو التالي:-
دعوى تسليم العقار شروط إنعقاد الاختصاص للمحكمة الجزئية:
1- يجب ان تكون هذه الدعوى دعوى اصلية فيجب ان تكون الدعوى المرفوعة من المدعي أمام المحكمة الجزئية ،هي دعوى اصلية يطلب فيها تسليم العقار، فيكون طلبه الاساسي في هذه الدعوى هو التسليم، سواء وجد مع هذا الطلب طلبات أخرى اصلية مستقلة ولو كانت مرتبطة بطلب التسليم فان ذلك لا ينفي عن طلب التسليم كونه طلبا اصليه، وكذلك اذا كان طلب التسليم هو الطلب الاصلي وطلب طلب آخر إضافي تابع لطلب التسليم فان ذلك كله لا ينفي عن طلب التسليم كونه طلبا اصليا
اما اذا كان طلب التسليم طلب تابع لطلب اخر مقدم من جانب المدعي؛ كما لو كان قد طلب الملكية والتسليم، او طلب صحة ونفاذ عقد البيع والتسليم، او طلب صحة ونفاذ عقد الايجار والتسليم… الخ ففي كافة هذه الحالات لا يعتبر طلب التسليم طلبا اصليا ولو قدم في ذات صحيفة الطلب الاصلي الذي افتتح به الخصومة
إذن فيجب التفرقة بين كون طلب التسليم طلبا اصليا ،وكونه احد الطلبات الواردة في صحيفة الدعوى التي افتتحت بها الخصومة أما إذا كان هو الطلب الوحيد في الدعوى، فلا شك ان طلب التسليم يكون طلبا اصليا ويكون هو الطلب المفتتح للخصومة.
وبتحليل النظر فى هذا النص المستحدث يتضح لنا منه الاتى:

1- المشرع أولى هذه الدعوى كثير من الاهتمام ،حيث تطلب من ناحية النطاق الشخصى للخصوم فيها، أن يتم أختصام بعض الاطراف ،بصورة أجبارية على المدعى فيها وبغير ذلك، يكون الجزاء بالطبع هو عدم القبول ،فقد أوجب أختصام الملاك والحائزين وأصحاب الحقوق بالدعوى، وهذا حتى يتصل علمهم بالدعوى وحتى لا يحدث تواطوء بين المدعى فيها واخرين أضرار بالحائزللعين والتحصل على حكم بالتسليم ضد أخر.

2- وأشترط القيام باجراء الاخطار باللصق لكل هولاء الخصوم ،وفى أماكن محددة ،حتى يتيسر العلم للكافة ،وفي مقر نقطة الشرطة الواقع في دائرتها العقار وفي مقر عمدة الناحية، ولوحة الإعلانات في مقر الوحدة المحلية المختصة بحسب الأحوال

3- بل وحتى بالنسبة للطعن فى هذه الاحكام نصت المادة 48 بعد التعديل على انه:”تختص محكمة الاستئناف بالحكم فى قضايا الاستئناف التى ترفع إليها عن الأحكام الصادرة ابتدائيًا من المحاكم الابتدائية، وكذلك عن الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية فى الدعاوى المنصوص عليها فى البند السادس من المادة 43 من هذا القانون.”

أى أنه وعلى الرغم من منهجه فى اعتبار الدعوى هامة، فانه قد عهد بنظرها الى المحكمة الجزئية، وعهد بالطعن لاعلى محكمة موضوع وهى الاستئناف العالى ونتسال هل بعد 15عاما من تطبيق هذ النص يمكن أن نقول ان هذا التعديل جاء بالثمرة المرجوة منه.

نعتقد أن الاجابة ستكون بالنفى، ومن واقع التطبيق العملى للنص على ارض الواقع فنجد الاتى:

1-عقد الاختصاص النوعى بدعوى هامة مثل دعوى التسليم للمحاكم الجزئية، والتى قد لاتنصب على عين واحدة شقة او حانوت،بل قد تنصب على عقار كامل ، ومكون من ادوار عدة، بل وقد تنصب على أرض زراعية أو فضاء تتعدى مائة الالوف وقد تقارب الملايين أذا كانت فى موقع جيد ومساحتها شاسعة، فكان الواقع العملى أن تعاملت معها المحاكم الجزئية كدعوى صحة التوقيع ،قليلة القيمة.

2- بعض المحاكم الجزئية فى الدعوي قد اعتبرتها،دعوى عقارية فاشترطت أن يكون سند المدعى مسجلا، وهو شرط لم يستحدثه المشرع ولم يفرضه،بل والفقه والقضاء مستقر على أن الالتزام بالتسليم شخصى، حتى ولو كان بيد صاحبه عقد بيع ابتدائى، لأن التسجيل يتعلق بنقل الملكية وليس تنفيذ الالتزام بالتسليم.

حيث قرر الفقه بأنه(البيع غير المسجل ينشيء جميع الالتزمات الآخرى في جانب البائع وفي جانب المشتري والي جانب الالتزام بنقل الملكية ينشيء البيع غير المسجل جميع الالتزمات الاخري في جانب كل من البائع والمشتري،فينشىء في جانب البائع التزاما بتسليم المبيع وبضمان التعرض والاستحقاق وبضمان العيوب الخفية،فيلتزم البائع بموجب عقد البيع غير المسجل بتسليم المبيع الي المشتري، ويجوز للمشتري أن يجبره علي تسليم المبيع حتي قبل تسجيل عقد البيع)
(الدكتورعبد الراق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الرابع
العقود التي تقع علي الملكية البيع والمقايضة، تنقيح المستشار/أحمد مدحت
المراغي،طبعة منشاة المعارف بالاسكندرية2004م،ص417)
وقضت محكمة النقض بان(من المقرر إن عقد البيع ولو لم يكن مشهرا ينقل الي المشتري فيما عدا نقل الملكية،جميع الحقوق المتعلقة بالبيع والدعاوي المرتبطة بما في ذلك طلب تسليم العين المبيعة وطرد الغاصب منها)
(نقض جلسة11/12/1990م،الطعن رقم447لسنة58ق)
(نقض جلسة 24/4/1984م،الطعن رقم912لسنة50ق)

3-بعض المحاكم فى حالة عدم الاعلان لترك المدعى عليه محل اقامته، قضت بايقاف الدعوى جزائيا ،رغم طلب التحرى عن محل اقامته تمهيدا للاعلان فى مواجهة النيابة، وأوقعت جزاء على خصم غير مقصر نهائيا.

4-والبعض ورغم القيام باخطار اللصق طبقا لنص القانون ووجوده داخل ملف الدعوى ،خالفت المحكمة فى حكمها الثابت بالاوراق واعتبرته غير موجود بالملف.

5-والابعد من ذلك نجد واقعة أن أحد المدعين فى دعوى التسليم تحصل على حكم جنائي بحبس البائع لقيامه بالبيع مرة ثانية ولكن المحكمة اعتدت بوضع الحائز للعين وهو مشترى ثان،بالمخالفة لحجية هذا الحكم واعتبرت وجوده مانعا للتنفيذ العينى، رغم أنه يحق لها إصدار الحكم بطرده، ولم يتم الإعتداد بحجية الحكم الجنائى الصادر لصالح المدعى وخسر دعواه امام اول درجة.

6-وكما يرى استاذنا الأنصاري فإن المشرع قد جانبه الصواب في ذلك لأن المدعي يستطيع الهروب من هذا النظام إذا قدم طلب تسليم العقار باعتباره طلبا تابعا فيمكنه مثلا أن يطلب طرد الغاصب من العين وتسليمها او انهاء عقد الايجار المبرم بينها والتسليم وقد يكون الامر في النهاية مجرد خصومة صورية مفتعلة بينهما إذ أن عقد الإيجار أو عقد البيع المبرم بينهما هو عقد إيجار أو بيع صوري.
-وهو ما نخلص معه انه من الأفضل إعادة الاختصاص بهذه الدعاوى إلى القواعد العامة بحيث تنظر كلا منها أمام القاضى المختص، بكل دعوى طبقا لقيمتها.

-ونقررختاماً باننا أوصينا فى رسالتنا، بأن يتم تسليم المدعى خطابا موجها إلى وحدة
مباحث القسم؛ للتحرى عن الموجود بالعين عند رفع الدعوى ليتم اختصامه فى أول جلسة بدلا مما يحدث ،من رفع الدعوى وتداولها وإرسالها إلى مصلحة الخبراء ثم تكون المفاجأة بوجود شاغل للعين، وهو غير مختصم فتوقف مأمورية الخبير، وتعود الدعوى بمذكرة إلى المحكمة لإدخال خصم جديد، وهو إجراء يتبع فى دعاوى الأحوال الشخصية فمن باب اولى يتبع فى القضايا الاهم وهى دعوى التسليم.
اللهم انفعنا بما علمنا وانفع الناس بنا وارحم من تعلمنا منهم ومتع استاذتنا بالصحة والعافية.

 

عبدالعال فتحي

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى