أهم (100) قاعدة وضابط في فن التفسير القانوني [2]

بقلم/ الدكتور محمد عبد الكريم أحمد الحسيني

أستاذ القانون المساعد بكلية الشريعة القانون IUM والمحامي.

لا زلنا نواصل السير إزاء تقرير أهم (100) قاعدة وضابط في “فن التفسير القانوني”؛ رغبةً في التيسير على رجال القانون العمليين والذين يضيق وقتهم عن تتبُّع التَّأْصيلات والتنظيرات، مع حاجتهم الماسَّة إلى التزوُّد -قدر المتاح- بأدوات التفسير العملية وآلياته التطبيقية وخاصة تلك الضوابط والإرشادات العملية المباشرة.

وجدير بنا أن نُذكِّرَ بما سلف إيراده من قواعد إذ إنها تتماسك فيما بينها موضوعيا ومنطقيا في نسقية واحدة فلاحقها يبنى على سابقها، وسابقها يعدُّ مقدِّمة مُتوجبَّةٌ للاحقها ، وجملةُ ما قد أوردناه إنما هو ثلاثُ قواعد :

القاعدة الأولى:

تتعدد النصوص التشريعية وتتنوع الأوراق القانونية ذات الحاجة إلى الفهم العميق والتفسير القانوني الدقيق.

القاعدة الثانية:

اتصال المفسر بالنص القانوني المراد تفسيره اتصالا صحيحا يؤدي إلى نتائج دلالية قانونية صحيحة.

القاعدة الثالثة:

اقرأ النص القانوني المراد تفسيره قراءة جيدة ومتعددة، فعلى قدر قراءتك وتمعنك تبسط نفوذك وتمكنك إلى جوهر النص.

أما عن القاعدة الجديدة في هذا المقال فهي القاعدة الرابعة ونصها :

القاعدة الرابعة :

يتكون النص القانوني –مثل أي نص آخر – من مفردات ومركبات وجمل وفقرات وعبارات، ومدلوله هو جملة مدلولاتها بروابطها وتفاعلها ومقتضياتها اللازمة.

وتدل القاعدة الموضوعية تلك على ما يلي من الضوابط:

الضابط الأول: تفسير النص القانوني إنما هو تفسير مركب لمجموع ألفاظه وتراكيبه وجمله وفقراته وعباراته.

الضابط الثاني: مؤدى تفسير الألفاظ والجمل والفقرات والعبارات إنما هو تفسير للنص القانوني في مجموعه.

ومن هذين الضابطين يمكن إيراد وفرة من الإرشادات ذات الصلة بالقاعدة السالفة وضوابطها من مثل الآتي:

الإرشاد الأول: يقوم تفسير النص القانوني على مجموع تفسير ألفاظه ومفرداته في دلالتها اللغوية وفي مدلولها القانوني الاصطلاحي.

الإرشاد الثاني: تنهض تراكيب النص باعتبارها ألفاظا مركبة على تفسير النص القانوني في مدلوليها اللغوي (الوصفي والإضافي) وفي مدلولها الاصطلاحي القانوني.

الإرشاد الثالث: يُعبِّرُ تفسير الجمل في النص القانوني عن تفسير ألفاظه وتراكيبه وروابطه .

الإرشاد الرابع: تفسير الفقرات القانونية يُعبِّرُ عن تفسير الجمل القانونية بمشمولاتها اللفظة والتركيبية وبكل محمولاتها من روابط .

الإرشاد الخامس: عبارات النص القانوني تدل على الصورة المكبرة لتفسير فقراته وجمله وألفاظه وتراكيبه وروابطه .

الإرشاد السادس : يتكامل تفسير الألفاظ مع المركبات مع الجمل والفقرات والعبارات ليمثل تفسير النص القانوني في نسق دلالي واحد.

وحتى لا نغمض على القانونيين بكثرة التقعيد.. يمكننا التمثيل على ما سبق من خلال القاعدة بل إن شئت فقل المبدأ القانوني العملي الآتي -وقد سبق أن أوردنا جزءا عنه في سابق مقالاتنا-:

نص المبدأ القانوني اللغوي العملي :

“يقومُ تفسيرُ النصَّ القانونيَّ في جميع التشريعات على ذات خصائص وسمات أبنية النصوص العربية والشرعية” .

وهي نفسها خصائص سمات اللسان العربي المبين، كما نص علي ذلك الدستور المصري 2014م على ذلك في المادة الثانية ” دين الدولة الإسلام ولغتها الرسمية هي اللغة العربية ” – وكذلك الحال في جل الدساتير العربية-

وبتحليل أي “نص قانوني” سوف نقف على أنه يتكون إجمالا من:

1- المفردات (الألفاظ والكلمات) القانونية والمقاربة للقانونية

وهي: الألفاظ وقد يقال لها الكلمات، وهي وحدة تكوين الجملة القانونية. ولا يخفى أن هذه المفردات تقع على ضربين :

أ- مفردات اصطلاحية.

ب-مفردات مناسبة للقانون.

2- المركبات: وتدخل في فئة الألفاظ، وأبرزها:

أ- المركب الإضافي. مثل قولنا “محكمة النقض”، “مجلس الدولة”.

ب- المركب الوصفي. مثل قولنا ” المحكمة الدستورية” ، “المحكمة الإدارية العليا”

3- الجمل، وهي تعبر عن الكلام المفيد ذي المعنى التام.، وهي وحدة تكوين العبارة.

4- العبارات : وهي مجموعة الجمل المترابطة والتي تعبر عن معنى معين من جميع جوانبه أو بعض جوانبه .

المهمة الثانية : تقوم دلالة الألفاظ والتراكيب للنص القانوني على أصلها الوضعي ابتداء.

بمعنى أن كل من يتصدى للتفسير القانوني ينبغي عليه معرفة أنه عند ورود لفظة ما مفردة أو مركبة فإنها تعني معناها الوضعي بلا مجاز ولا تأويل، بل الأصل أنها تجري على حقيقة ما وضعها عليه العرب، وعلى ما جرت به قواعد اللغة، وعلى سنن العرب في حديثها وإيرادها في كافة مخاطباتها.

وهذه إشارة إلى أهم الوضعيات التي ينبغي أن يأخذها مفسر النص القانوني في اعتباره :

الوضعية الأولى : الوضعية اللغوية للألفاظ القانونية

وهي الوضعية اللغوية الوضعية الأولى والأساس للفظ المفرد (لغويا) ولها عناصر مترابطة هي:

العنصر الأول : تعريف اللفظ القانوني وتنكيره.

العنصر الثاني: تذكير اللفظ القانوني وتأنيثه.

العنصر الثالث: إفراد اللفظ القانوني وجمعه .

العنصر الرابع: تجرد اللفظ القانوني وزيادته.

وهناك أمثلة عملية من نصوص الدستور والتشريعات العادية على جميع ما سبق، ولولا طول المقام لأوردتها كافة كما أوردتها في دراستي “النظرية العامة للغة القانونية” في قسمها البنائي، وسنأتي عليها لاحقا بإذن الله تعالى.

الوضعية الثانية: الوضعية الأصولية للألفاظ القانونية

وترتبط هذه الوضعية بمباحث “علم أصول الفقه” وخاصة “مبحث القواعد الأصولية اللغوية” ، فهو مبحث قذ وضعه الأصوليون لكي يضبطوا به فهم النصوص الشرعية وكيفيات تفسيرها وآليات استنباط الدلالة الشرعية منها، وهذه الوضعية مهمة كما سابقتها، ويمكن تسميتها بــ”الوضعية الأساسية”، لأنها الأكثر تخصصا.

أما عن أهم عناصر هذه الوضعية فهي :

العنصر الأول: الحقيقة والمجاز

وهذا (مبحث لفظي وعباري) تناوله الأصوليون بالتأصيل والتفصيل لضبط فهم النصوص وتفسيرها على الوجه الصواب ، وأهم عناوين هذا العنصر فهي:

أولا: الحقائق الثلاثة

أ-اللغوية

ب-الشرعية

ج- العرفية

ثانيا: المجاز

كل ما لم يستعمل فيما وضع له من الألفاظ والأساليب ( لغويا أو شرعيا أو عرفيا).

العنصر الثاني : الأمر والنهي

وأهم عناوينه التي ينبغي أن يحيط بها المفسر للنصوص القانونية قبل تجشم درب التفسير هي:

أولا: صيغ الأمر والنهي .

الصيغ الأولى صيغ الأمر ومقتضياتها.

الصيغ الثانية : صيغ النهي ومقتضياتها.

ثانيا: خروج صيغ الأمر والنهي عن معناها .

ثالثا: أحكام الأمر والنهي.

العنصر الثالث: العموم والخصوص

وأهم عناوينه:

1-العام

3- الخاص

4- المشترك

العنصر الرابع: الإطلاق والتقييد

1-الإطلاق .

2-التقييد .

العنصر الخامس : وضوح اللفظ وخفاؤه.

وهو ينتمي إلى ما سبقه مع اختلافه عنه، ويتعلق بدرجات وضوح اللفظ، وفيه يقف المفسر على مصطلحات الأصليين مثل “النص” والمجمل والمؤول… وغير ذلك من المصطلحات”

ترسية محكمة النقض لأهم المبادئ المتعلقة بتفسير النصوص القانونية

يمكننا أن نورد صدر حكم محكمة النقض في ذلك نظرا لتعلقه بالصورة العامة التي يجب أن يقف عليها مفسر النصوص التشريعية ونصه :

“باسم الشعب- محكمة النقض- دائرة الاربعاء تجاري – الطعن رقم ١٢٣٣٣ لسنة ٩١ قضائية جلسة الثلاثاء الموافق ١٦ من فبراير سنة ٢٠٢٢ – برئاسة السيد القاضي/ محمد أبو الليل” نائب رئيس المحكمة “وعضوية السادة القضاة / أمين محمد طموم، محمد إبراهيم الشباسي، سامح سمير عامر” نواب رئيس المحكمة “، و د / محمد عصام الترساوي

ــــــــــــــــــــــــــ

(١ – ٤) قانون ” تفسير القانون : التفسير القضائي : تطبيق القانون ” .

(١) تفسير القوانين : وفيه ترسي محكمة النقض ما يلي :” الأصل فيه الوصول إلى مرمى المشرع . لازمه . استطالة التفسير إلى كامل القانون الذى ورد به النص ..”

(٢) النص الواضح قاطع الدلالة على المراد منه . عدم جواز الخروج عليه أو تأويله .

(٣) تفسير النصوص القانونية . وجوب مراعاة التناسق فيما بينهما بعدم تفسير النص بمعزل عن الآخر .

(٤) تطبيق القانون على وجهه الصحيح . لا يحتاج إلى طلب من الخصوم . التزام القاضي باستظهار الحكم القانوني الصحيح المنطبق على الواقعة المطروحة عليه وإنزاله عليها أياً كان النص الذى استند إليه الخصوم في تأييد طلباتهم أو دفاعهم أو دفوعهم فيها.

لــــذلــك، رفضت المحكمة الطعن، وألزمت الشركة الطاعنة المصروفات، ومائتي جنية مقابل أتعاب المحاماة مع مصادرة الكفالة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى