أثر التدليس على بطلان العقد

بقلم/ هاني حلمي عبدالعال

كثيراً ما يشوب العلاقة التعاقدية أموراً لو علمها أحد المتعاقدين لما أقدم علي أبرام التعاقد، وقد تكون تلك الأمور بعلم المتعاقد الاخر، كما قد يلجأ المتعاقد الأخر إلي حيل لإيقاع المتعاقد؛ وحمله على إبرام التعاقد وهو ما يعرف بالتدليس، لذلك تدخل القانون في تلك الحالة ومنح المتعاقد حق إبطال العقد للتدليس وهو ما نصت عليه المادة 125 من القانون المدني :

” 1- یجوز إبطال العقد للتدلیس إذا كانت الحیل التي لجأ إلیها أحد المتعاقدین أو نائب عنه، من الجسامة بحیث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد .

2- ویعتبر تدلیساً السكوت عمداً عن واقعة أو ملابسة، إذا ثبت أن المدلس علیه ما كان لیبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة . ”

وقد قضت محكمة النقض في حكم لها :

” تقدير ثبوت أو عدم ثبوت التدليس الذي يجيز إبطال العقد هو من المسائل التى تستقل بها محكمة الموضوع ”

( الطعن رقم 301 لسنة 29 ق جلسة 20/2/1964 مكتب فني 15 ص 263 )

  وفي حكم أخر :

” إثبات علم المدلس عليه أو عدم علمه – بوقائع التدليس – من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع .”

( الطعن رقم 202 لسنة 72 ق ـ جلسة 5/5/2001 ـ مكتب فني 17 ـ ص 1019 )

كما قد يصدر التدليس من الغير ، وهو ما تصدت له المادة 126 من القانون المدني حين نصت علي :

” إذا صدر التدلیس من غیر المتعاقدین ، فلیس للمتعاقد المدلس علیه أن یطلب إبطال العقد ، ما لم یثبت أن المتعاقد الآخر كان یعلم أو كان من المفروض حتماً أن یعلم بهذا التدلیس ”

إذن هنا يثور التساؤل عن ماهية التدليس وهل هو عيب من عيوب الرضا ، ولتكن البداية بتعريف التدليس ، فالتدليس هو استعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله علي التعاقد ، وطبقاً للفقه الاسلامي فإن التدليس يعتبر عيباً من عيوب الرضا ، وهو ما يتفق مع رأينا ، إلا أن التشريع المدني المصري لم يجعل التدليس عيباً مستقلاً من عيوب الرضا ، وإنما جعله أثر لعيب أخر وهو الغلط ، لذلك فإن التدليس لا يجعل العقد قابلاً للأبطال إلا للغط الذي يحدثه في نفس المتعادق الأخر ،  وقد احتفظ القانون المدني بالتدليس كعيب مستقل عن عيب الغلط لاعتبارين عمليين :

الأول هو سهولة إثبات التدليس الذي تسنده في العادة وقائع مادية يسهل التدليل عليها عن إثبات الغلط وهو حالة نفسية صعبة الاثبات .

أما الأعتبار الثاني أن التدليس يخول المدلس عليه حق مطالبة المدلس بالتعويض بجانب إبطال العقد .

أما الحيل المستخدمة في التدليس وجب أن تكون غير مشروعة ، لأنها لو كانت مشروعة لما اعتبر استخدامها تدليساً ، والحيل غير المشروعة التي يتحقق بها التدليس في التعاقد إما أن تكون إيجابية باستعمال طرق احتيالية ، أو أن تكون سلبية بكتمان أمر عن المتعاقد الآخر ، متي كان هذا الأمر يبلغ حداً من الجسامة بحيث لو علمه الأخير لما أقدم علي التعاقد ،  وفي ذلك قضت محكمة النقض في حكم لها :

” إذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما أورده بمدوناته ( وحيث إنه عما أثاره المستأنف من أن توقيعه قد أخذ منه بطريق الغش والتدليس وكان من المقرر أنه يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التى لجأ إليها أحد المتعاقدين من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثانى العقد – متى كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن المستأنف عليهما أقاما الدعوى رقم … لسنة ١٩٩٤ م . ك شبين الكوم ضد المستأنف بطلب طرده من مساحة ١٨ ط للغصب الأمر الذى حمله إلى قبول التعاقد معهما بما فيه من إقراره بمديونيته لهما بمبلغ ٥١٠٠ جنيه كريع لمساحة ١٨ ط عن سنة ١٩٧٠ حتى ١٩٩٤ على الرغم من أنه قد ثبت من تقرير الخبيرين أن المستأنف لم يضع يده على مساحة ال ١٨ ط المباعة للمستأنف عليهما بموجب عقد البيع المؤرخ ٩ / ٧ / ١٩٧٠ وإنما يضع اليد عليها منذ سنة ١٩٧٠ حتى ١٩٩٤ آخرون غير ممثلين مما يبين منه أن ما قام به المستأنف عليهما من إقامتهما دعوى طرد للغصب ضد المستأنف ينطوى على احتيال منهما لتضليله وهذا بذاته كاف لخلق صورة في ذهنه غير صحيحة بأنه يضع يده على المساحة المباعة للمستأنف عليهما بموجب عقد البيع المؤرخ ٩ / ٧ / ١٩٧٠ الأمر الذى دفعه إلى التوجه إليهما وقبول التعاقد معهما والتوقيع على الإقرار المذيل بعقد الإيجار المؤرخ ٣٠ / ٩ / ١٩٩٤ والذى يتضمن تداينه لهما بمبلغ ٥١٠٠ جنيه كريع ومن ثم فإن توقيعه على الإقرار تم نتيجة تدليس وبالتالى المحكمة تطرح هذا الإقرار ولا تأخذ به لمخالفته لحقيقة الواقع . ) وإذ كان هذا الذى استخلصه الحكم سائغاً وله أصله الثابت بالأوراق ويتضمن الرد المسقط لما أثاره الطاعنان من دفاع على خلافه ومؤدياً إلى النتيجة التى انتهى إليها بما يكفى لحمل قضائه ومن ثم فإن النعى عليه بهذه الأسباب لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره مما لا تجوز إثارته أمام هذه المحكمة ويضحى النعى عليه بهذه الأسباب على غير أساس . ”

(الطعن رقم 2783 لسنة 69 ق ـ جلسة 5/3/2013 )

وأخيراً : هل يعد الكذب احتيالاً كافياً للتدليس ؟

يجيب الفقيه السنهوري علي هذا التساؤل في كتابة الوسيط في شرح القانون المدني ” وإذ كان الأصل أن الكذب وحده لا يكفي لتكوين عنصر الحيلة في التدليس إلا أن الكذب – ولو مجرداً عن الطرق الاحتيالية – يعتبر تدليساً إذا تناول واقعة لها أهميتها عند التعاقد ، بحيث ما كان ليتعاقد لولا التأكيدات التي صدرت في هذا الشأن . ومن أمثلة ذلك إعطاء شخص بيانات كاذبة لشركة تأمين بقصد إخفاء حقيقة الإخطار التي يتعرض لها والتي تثقل في ذات الوقت من تبعة الشركة . وأداء شخص بيانات كاذبة عن كفايته وخبرته السابقة لقصد الحصول علي وظيفة .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى