ما مدى حجية الأحكام المدنية بالنسبة لأطرافها وللغير؟

بقلم: الأستاذ/ معتز فتحي المهدي

كثيرًا ما يُثار التساؤل عن حجية الحكم بين أطرافه ومدى امتداد هذا الحكم للغير، وسواء كان الحكم المقضي به قُرّر حقًّا عينيًّا أم شخصيًّا فقد نظمت (المادة ١٠١ من قانون الإثبات) هذا الأمر؛ حيث نصت علي أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، وتقضى المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها).
ومن هذه المادة يتضح لنا أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حُجةً فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولا تستطيع محكمة النقض بدورها – عند نظرها موضوع الدعوى- أن تسلك ما يتعارض مع تلك الحُجية أو تعيد النظر فيما استنفذت ولايتها بالفصل فيه؛ كما يتضح أن حجية الأحكام القضائية في المسائل المدنية لا تثبت إلا بالنسبة لطرفي الخصومة التي فُصل فيها الحكم إعمالاً لمبدأ نسبية الأحكام ولا يستطيع الشخص الذى صدر لمصلحته حكم سابق الاحتجاج به على من كان خارجاً عن الخصومة ولم يكن ممثلاً فيها.
وقد أوردت «محكمة النقض» أحكامها في هذا الأمر كالتالي:
– نص (المادة ١٠١ من قانون الإثبات)
يدلُّ على أن “حجية الأحكام القضائية في المسائل المدنية لا تقوم إلا بين من كان طرفاً في الخصومة حقيقةً أو حُكماً ، ولا يستطيع الشخص الذى صدر لمصلحته حكم سابق الاحتجاج به على من كان خارجاً عن الخصومة ولم يكن ممثلاً فيها وفقاً للقواعد القانونية المقررة في هذا الشأن، ويجوز لغير الخصوم في هذا الحكم التمسك بعدم الاعتداد به”.
( الطعن رقم ١٨٢١٥ لسنة ٨٨ ق جلسة ١٨/١/٢٠٢١)-
مفاده أن “الأصل في حجية الأحكام أنها نسبية لا يُضار ولا يتقيد بها غير الخصوم الحقيقيين بما لا يستطيع الشخص الذى صدر لمصلحته حكم سابق الاحتجاج به على من كان خارجاً عن الخصومة ولم يكن ممثلاً فيها وفقاً للقواعد القانونية المقررة في هذا الشأن، ويجوز لغير الخصوم في هذا الحكم التمسك بعدم الاعتداد به”.
( الطعن رقم ٦٨٣٠ لسنة ٨٨ق جلسة ٢٢/٦/٢٠١٩)-
مفاده أن “الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجةً فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلًا وسببًا، وتقضى المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها”.
(الطعن رقم ١٦٩٨ لسنة ٨٥ ق جلسة ٢٠٢٠/١٢/٢١)-
أما بالنسبة لحجية الأحكام فهي من النظام العام، ويمكن للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها إذا توافر أمامها ما يفيد وجود حكمٍ سابقٍ له حُجيته بين نفس الخصوم ولم تتغير مراكزهم القانونية، وهو ما جاء بأحكام «محكمة النقض» واستقرّت عليه؛ حيث جاء بها:
(أن حجية الأحكام من الأسباب التي تتعلق بالنظام العام، فيجوز للنيابة العامة إثارتها وللمحكمة أن تتصدى لها من تلقاء نفسها إعمالًا لحكم “المادة ٢٥٣ من قانون المرافعات”)))
( الطعن رقم ٣٤٣٥ لسنة ٨٤ق جلسة ٢٠٢١/١/١٨ )
إذ كان الثابت من حكم «محكمة النقض» الصادر بتاريخ .. / .. / … في الطعن رقم … سنة .. ق أنها نقضت الحكم الصادر من محكمة استئناف المنصورة والإحالة إلي ذات المحكمة التي أصدرته وهو ما ينطوي على قضاء ضمني باختصاص تلك المحكمة بالفصل في النزاع مما كان يتحتم معه على محكمة الاستئناف التي أحيلت إليها القضية أن تتبعه في هذه المسألة القانونية التي فصلت فيها المحكمة؛ لأنه وإن كان الاختصاص النوعي من النظام العام إلا أن حجية الأحكام تعلو وتسمو على النظام العام، وإذا خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما حجبه عن الفصل في موضوع الدعوى.
( الطعن رقم ٣٤٣٥ لسنة ٨٤ق جلسة ٢٠٢١/١/١٨)
مما سبق يتضح لنا أن مناط حجية الحكم المانعة من إعادة طرح النزاع في المسألة المقضي فيها بين الخصوم أنفسهم أن يكون هذا الحكم قد قطع بصفةٍ صريحةٍ أو ضمنيّةٍ في المنطوق أو في الأسباب المرتبطة بالمنطوق في مسألةٍ أساسية بعد أن تناقش فيها الطرفان واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقرارًا جامعًا مانعًا، فيمنع نفس الخصوم والمحكمة من العودة إلى مناقشة ذات المسألة التي فصل فيها ولو بأدلةٍ قانونيةٍ أو واقعيةٍ لم يسبق إثارتها أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها، كما يتضح لنا أيضًا أن حجية الأحكام من النظام العام يُلزم المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى