لُب العمل القانوني

 

بقلم: الأستاذ/ حسام عبد الشافي – باحث قانوني

قام (أ) بتسليم (ب) بطاقته البنكية على أن يقوم بسحب 500 جنية من حسابه، قام (ب) بسحب مبلغ 10 آلاف جنية، ثم قام بتسليم 500 جنية إلى (أ) واستولى على المال المتبقي لنفسه.

فما هي الجريمة التي تنسب إلى (ب)؟

التكييف القانوني قد يكون مشكلة تواجه القاضي والمحامي على حد سواء، وهم بصدد وصف الفعل الذي ارتكبه المتهم لمعرفة ما إذا كان يعد من قبيل السرقة أو النصب أو خيانة الأمانة…….الخ.

ويمكن تعريف التكييف القانوني، بأنه تحديد الوصف القانوني الصحيح للوقائع القانونية، أو التصرف القانوني، مما له آثر كبير على التبعيات القانونية للوقائع والتصرفات كون التكييف هو الأساس الذي يحدد النص أو النصوص والقواعد القانونية واجبة التطبيق.

وهو عمل قانوني بحت، ومجهود ذهني شاق قوامه العقل والمنطق السليم، ويعتبر من اهم التحديات التي تواجه المحامي في التعامل مع القضايا التي توكل إليه، وقريب الشبه إلى حد كبير بالتشخيص في مجال الطب.

يتمتع التكييف القانوني في القانون الداخلي بأهمية كبيرة، سواءً كان ذلك في نطاق القانون الجزائي أم القانون المدني أم القانون التجاري أم القانون الإداري.

في القانون الجزائي:

التكييف في القانون الجزائي هو إعطاء الفعل المكون للجريمة وصفه القانوني الصحيح، ومن ثم تحديد طبيعته القانونية وفقاً لنص القانون، وبيان ما إذا كان يشكل جناية أو جنحة أو مخالفة.

ويطبق في نطاق القانون الجزائي، بالنسبة للتكييف، مبدأ جوهري هام مفاده أن الجهة القضائية المحال عليها الدعوى لا تتقيد بالوصف القانوني الذي أضفته على الفعل الجهة التي أحالت الدعوى عليها، وإنما تتقيد فقط بالأفعال المحالة عليها، واستناداً إلى ذلك لا يتقيد قاضي التحقيق بالوصف الذي أعطته النيابة العامة للفعل المحال عليه، وإنما يتوجب عليه قانوناً أن يتقصى الأسباب المشددة، والأعذار المحلة والمخففة، وذلك كي يعطي للفعل وصفه القانوني السليم.

في القانون المدني:

التكييف في نطاق القانون المدني هو إجراء أولي ضروري يترتب عليه تحديد القواعد القانونية التي تطبق على النزاع، فإذا سبب أحد الأشخاص ضرراً لشخص آخر، وطالب المضرور بالتعويض، يتوقف تحديد القواعد القانونية التي يُحكم بموجبها بالتعويض على تحديد طبيعة العلاقة التي تربط المضرور بمرتكب الضرر، فإذا كانت هذه العلاقة ذات طبيعة تعاقدية، تطبق أحكام المسؤولية التعاقدية، وإذا كان سبب الضرر فعل ضار، تطبق أحكام المسؤولية التقصيرية.

ويمتاز التكييف بأهمية خاصة في نطاق العقد، حيث تختلف القواعد القانونية التي تطبق على العقد تبعاً لماهيته، فالقواعد التي تطبق على عقد البيع تختلف عن تلك التي تطبق على عقد الإيجار، أو على الهبة، ولا يتقيد القاضي بالوصف الذي يطلقه المتعاقدان على العقد، وإنما عليه أن يعطيه الوصف القانوني السليم دون أن يغير من وقائع الدعوى.

وقد يحاول المتعاقدان، في بعض الأحيان، التحايل على أحكام هذا القانون، وذلك بإضفاء صفة على العقد لا تتفق مع موضوعه، فيتوجب هنا على القاضي أن يرد للعقد وصفه القانوني السليم، ومثال ذلك الصورية، كما لو أطلق المتعاقدان على الهبة وصف البيع، وذلك للتهرب من دفع الضرائب المرتفعة التي تفرض على الهبة.

في القانون التجاري:

تظهر أهمية التكييف القانوني في نطاق القانون التجاري، بصورة خاصة، بالنسبة للإثبات، حيث تختلف قواعد الإثبات تبعاً لاختلاف صفة الالتزام التعاقدي موضوع النزاع، فإذا كان الالتزام التعاقدي صفة تجارية، فإنه يخضع لقواعد إثبات مختلفة تمام الاختلاف عن تلك التي تطبق على الالتزام التعاقدي المدني، حيث يجوز الإثبات بالشهادة، من حيث المبدأ، في الالتزامات التجارية التعاقدية مهما كانت قيمتها.

في القانون الإداري:

تبدو أهمية التكييف القانوني في نطاق القانون الإداري، بشكل خاص، بالنسبة للعقود الإدارية، حيث يخضع العقد الإداري لنظام قانوني يختلف عن النظام الذي يخضع له العقد العادي الذي تطبق عليه قواعد القانون الخاص، وتخضع المنازعات المتعلقة به إلى القضاء العادي، في حين أن العقد الإداري تطبق عليه قواعد القانون العام، ويفصل في المنازعات المتعلقة به القضاء الإداري (مجلس الدولة) والقاضي الذي ينظر النزاع هو الذي يكيفه فيضفي عليه صفة العقد الإداري أو العقد العادي، ولا يتقيد القضاء المختص بالوصف الذي أعطاه المتعاقدان للعقد، وإنما يستطيع أن يعطي العقد التكييف القانوني السليم شريطة ألا يعدّل في الوقائع الداخلة في موضوع النزاع.

وللقاضي رفض التكييف وإعادة تكييف الوقائع، علة ذلك أن تقييده المطلق بتكييف محدد أو اتهام بعينه من شأنه التضييق عليه في إعمال الوصف القانوني الصحيح على الأفعال المعروضة عليه كلما كان الوصف المعطى من قبل النيابة العامة أو الخصوم في حالة الادعاء المباشر لا ينطبق على وقائع الدعوي حيث لا يكون بمقدوره و الحالة هذه سوى التصريح ببراءة المتهم سيما وأن حق المجتمع طبقا لقاعدة حجية الأحكام يسقط ولا يمكن إعادة محاكمته عن نفس الأفعال و لو اتصفت بوصف قانوني آخر.

وفي مثال عن رفض القضاء التكييف المقدم من المدعي ما صدر من محكمة التمييز الأردنية، حيث اعتبرت أن قيام المدعي بوظيفة موزع جرائد لدى إحدى الصحف واقعة قانونية تندرج تحت عقود المقاولة وان وصف المدعي الواقعة القانونية على أنها عمالية غير صحيح بالرغم من تحديد صاحب العمل زمان ومكان توزيع الجرائد إلا أن ذلك لا يعتبر تبعية قانونية تبرر وصف الواقعة القانونية على أنها عقد عمل فذلك من مقتضيات العمل وامر بديهي لا يفسر على انه يقع تحت معنى الإشراف والتبعية الخاص بعقود العمل عن غيرها.

وفي مثال أخر، لرفض المحكمة التكييف المسند من النيابة العامة في الأفعال الجرمية ما جاء في حكم لذات المحكمة سالفة الذكر، حيث أسندت النيابة العامة تهمة الاختلاس على واقعة تتلخص وقائعها في قيام المتهم ببيع كتب رسمية أثناء ممارسة وظيفته في وزارة التربية والتعليم والاحتفاظ بثمن هذه الكتب دون إيداعها لصالح وزارة التربية والتعليم، إلا أن المحكمة عند البحث في نية المتهم لم تجد ما يدل على وقوع الاختلاس، ورأت أن المتهم لم تتجه إرادته إلى تملك المال وعدم إرجاعه، ورأت أن الاحتفاظ بثمان الكتب الرسمية يعتبر من قبيل الإهمال الوظيفي، وبالتالي تحويل الوصف الجرمي عن الفعل من جناية الاختلاس إلى جنحة الإهمال الوظيفي.

وإن استقر العرف على أن صلاحية التكييف القانوني للوقائع حصرياً للقضاء بمعنى أن القاضي هو الفيصل المهيمن في التكييف السليم بغض النظر عن وجهة نظر المحامي، إلا انه من الضرورة بمكان أن يتأكد المحامي من سلامة التكييف حتى لا يجازف بحقوق الموكل، لان خطأ المحامي في تكييف دعوى موكله خطأ جسيماً غير مقبول من مؤهل، بحيث ينزل عليها أحكاماً لنصوص وقواعد قانونية لا تتعلق بها من قريب ولا بعيد، فيوقع نفسه في حرج شديد عندما يواجه الحكم القضائي، ويعرض سمعته المهنية للتشويه، ولو أنه بذل القدر المطلوب من البحث والتقصي لكان سلك طريقاً أقرب ولو قليلاً من هذا الطريق.

في الختام نقول بان التكييف هو طريق الوصول إلى حكم الواقعة، وهو المدخل الصحيح لاستجلاء الحكم الفقهي أو القانوني فيها، وأي خلل يقع في تكييف الواقعة يتبعه الخلل في الحكم عليها، لذلك ينبغي للناظر في الوقائع الفقهية أو القانونية بذل الجهد في التكييف الصحيح لها، حتى يسهل عليه إيجاد الحكم المناسب.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى