صناعة التشريع بين الواقع والمأمول.. صياغة مواد الإحالة

بقلم:الدكتور/ أحمد عبد الظاهر ـ أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة،المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي

يحدث أحياناً أن يحيل المشرع أو يورد إشارة في قانون ما إلى أحد القوانين الأخرى السارية في الدولة. وفي صياغة مثل هذه النصوص، قد يلجأ المشرع إلى الإحالة العامة، بحيث يشير إلى موضوع القانون الآخر وفحواه، دون أن يتطرق إلى ذكر رقم القانون وسنة صدوره. وقد يلجأ إلى ذكر رقم القانون المشار أو المحال إليه. وقد يلجأ المشرع إلى الإحالة إلى أحكام بعينها من قانون آخر. وقد يلجأ أخيراً إلى ذكر مواد بعينها في قانون آخر.

وبمناسبة إعداد مشروع قانون اتحادي جديد للإجراءات الجزائية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وعند قيامي بمراجعة مواد هذا المشروع، ارتأيت من المناسب إلقاء الضوء على طرق الإحالة والإشارة إلى قانون آخر، والتي ورد النص عليها في القانون الساري حالياً، وهو قانون الإجراءات الجزائية الصادر بالقانون الاتحادي رقم (35) لسنة 1992م، والإشكاليات التي ثارت بسبب مواد الإحالة أو الإشارة الواردة فيه، تلافياً لتكرار حدوثها في مشروع القانون الذي تجري مراجعته حالياً.

الإحالة العامة إلى موضوع القانون وفحواه
وفقاً للمادة التاسعة عشرة البند الأول من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي رقم (35) لسنة 1992م، «مع مراعاة أحكام قانون المحاماة، إذا وقعت جنحة أو مخالفة في الجلسة فللمحكمة أن تقيم الدعوى في الحال على المتهم وتحكم فيها بعد سماع أقوال النيابة العامة ويكون الحكم نافذاً ولو حصل استئنافه، وإذا كانت الجريمة جناية أو جنحة شهادة زور تأمر المحكمة بتوقيف المتهم وتحيله للنيابة العامة».

وطبقاً للمادة (106) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (35) لسنة 1992م، «مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها في قانون الأحداث الجانحين والمشردين، يجوز لعضو النيابة العامة بعد استجواب المتهم أن يصدر أمراً بحبسه احتياطياً إذا كانت الدلائل كافية وكانت الواقعة جناية أو جنحة معاقباً عليها بغير الغرامة».

وعلى المنوال ذاته، تنص المادة (152) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (35) لسنة 1992م على أن «تتبع المحاكم الجزائية في المسائل غير الجزائية التي تفصل فيها تبعاً للدعوى الجزائية طرق الإثبات المقررة في القانون الخاص بتلك المسائل».

كذلك، وفي الإطار ذاته، وطبقاً للمادة (163) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (35) لسنة 1992م، «ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها، ومع مراعاة أحكام قانون المحاماة، يكون له في سبيل ذلك أن يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها، فإذا لم يمتثل وتمادى كان للمحكمة أن تحكم على الفور بحبسه أربعاً وعشرين ساعة أو بغرامة مائة درهم، ويكون حكمها بذلك نهائياً. وللمحكمة إلى ما قبل انتهاء الجلسة أن ترجع عن الحكم أو القرار الذي أصدرته بناء على الفقرة السابقة».

وفي الإطار ذاته، تجدر الإشارة إلى المادة (205) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (35) لسنة 1992م، بنصها على أن «يتبع في شأن صلاحية القاضي لنظر الدعوى ورده وتنحيه الأحكام والإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات أمام المحاكم المدنية، …». وبدورها، تنص المادة (207) من القانون ذاته على أن «للخصوم رد القضاة عن الحكم في الحالات الواردة في المادة السابقة، وفي سائر حالات الرد المبينة في قانون الإجراءات أمام المحاكم المدنية. ولا يجوز رد أعضاء النيابة العامة ولا مأموري الضبط القضائي».

وتنص المادة (302) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (35) لسنة 1992م على أن «يجوز الإفراج تحت شرط عن كل محكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية إذا توافرت في حقه الشروط المنصوص عليها في قانون المنشآت العقابية. ويخضع المفرج عنه تحت شرط خلال باقي المدة المحكوم بها عليه للشروط المبينة في القانون المشار إليه. ويجوز بناء على طلب النيابة العامة إلغاء الإفراج تحت شرط إذا أخل المفرج عنه بالقيود المشار إليها في الفقرة السابقة».

ووفقاً للمادة (318) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (35) لسنة 1992م، «تتبع الأحكام المقررة لمضي المدة في قانون المعاملات المدنية فيما يختص بالتعويضات وما يجب رده والمصاريف المحكوم بها ومع ذلك فلا يجوز التنفيذ بطريق الإكراه البدني بعد مضي المدة المقررة لسقوط العقوبة».

الإحالة إلى قانون معين برقمه وسنة صدوره
بقراءة نصوص قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (35) لسنة 1992م، نجد أن المادة (105) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي تنص على أنه «مع مراعاة أحكام القانون الاتحادي رقم (11) لسنة 1973م في شأن تنظيم العلاقات القضائية بين الإمارات الأعضاء في الاتحاد، إذا قبض على المتهم خارج دائرة المحكمة التي يجري التحقيق فيها، يرسل إلى النيابة العامة بالجهة التي قبض عليه فيها فوراً وعليها أن تتحقق من جميع البيانات الخاصة بشخصه، ثم تحيله إلى النيابة العامة بدائرة المحكمة التي يجري التحقيق فيها عن طريق السلطات العامة التي يتعين عليها إيصاله بأسرع وقت. فإذا اعترض المتهم على نقله أو كانت حالته لا تسمح بالنقل، يخطر عضو النيابة العامة المحقق بذلك، وعليه أن يصدر أمره فوراً بما يتبع».

كذلك، تنص المادة (124) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي رقم (35) لسنة 1992م على أنه «مع مراعاة أحكام القانون الاتحادي رقم (11) لسنة 1973م في شأن تنظيم العلاقات القضائية بين الإمارات الأعضاء في الاتحاد، إذا اشتمل التحقيق أكثر من جريمة واحدة من اختصاص محاكم من درجة واحدة وكانت مرتبطة، تحال جميعاً بأمر إحالة واحد إلى المحكمة المختصة مكاناً بإحدى الجرائم فإذا كانت الجرائم من اختصاص محاكم من درجات مختلفة، تحال إلى المحكمة الأعلى درجة».

والواقع أن القانون الاتحادي رقم (11) لسنة 1973م في شأن تنظيم العلاقات القضائية بين الإمارات الأعضاء في الاتحاد، قد ألغي بموجب المادة الثانية والعشرين من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة 2019 بتنظيم العلاقات القضائية بين السلطات القضائية الاتحادية والمحلية، وبحيث حل هذا القانون الأخير محل القانون الملغي. ومن ثم، يثور التساؤل عن مصير الإشارة الواردة في قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي إلى القانون الاتحادي رقم (11) لسنة 1973م في شأن تنظيم العلاقات القضائية بين الإمارات الأعضاء في الاتحاد.

وفي هذا الشأن، وباستقراء خطة التشريعات المقارنة في هذا الشأن، يجدر بالذكر أن المادة العاشرة البند الأول من قانون التفسيرات والنصوص العامة العماني رقم 3/ 73 تنص على أنه «عندما يلغي قانون قانونا آخر أو أي حكم من أحكامه ويعيد تشريعه من جديد بتعديل أو بدون تعديل، فإن الإشارة في أي قانون آخر للقانون الملغى أو الحكم الملغى تعني الإشارة إلى القانون الجديد اللاغي ما لم يتضح قصد مغاير لذلك».

الإحالة إلى أحكام بعينها من قانون آخر
بالاطلاع على المادة (273) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (35) لسنة 1992م، نجدها تنص على أنه «مع مراعاة الأحكام الواردة في الكتاب الأول من قانون العقوبات رقم (3) لسنة 1987م، لا يجوز استبدال العقوبات أو التدابير المنصوص عليها فيه أو في أي قوانين أخرى أو إدخال تغيير عليها عند الحكم بها أو عند تنفيذها. ويجري تطبيقها على النحو المبين في هذا القانون».

والواقع أن قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987م، قد ألغي وحل محله قانون الجرائم والعقوبات، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (31) لسنة 2021م. ومن ثم، فإن الإشارة إلى الأحكام الواردة في الكتاب الأول من قانون العقوبات رقم (3) لسنة 1987م ينبغي أن تفهم في معنى الإشارة إلى الكتاب الأول من قانون الجرائم والعقوبات رقم (31) لسنة 2021م.

الإحالة إلى مواد بعينها من قانون آخر
قد يتم الإشارة أو الإحالة في قانون معين إلى مواد بعينها في قانون آخر. فعلى سبيل المثال، وطبقاً للمادة (20) مكرراً من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، «للمجني عليه أو وكيله الخاص في الجنح المنصوص عليها في المواد أرقام (339) و(394) و(395) و(403) و(404) و(405) من قانون العقوبات وفي الأحوال الأخرى التي نص عليها القانون أن يطلب إلى النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال إثبات صلحه مع المتهم، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجزائية». والمواد المشار إليها في هذا النص تتعلق بجريمة الاعتداء على سلامة جسم الغير (المادة 339)، وجريمة استعمال سيارة أو دراجة بخارية أو ما في حكمها بغير إذن أو موافقة مالكها أو صاحب الحق في استعمالها (المادة 394)، وجريمة الامتناع عن دفع ثمن تناول الطعام أو الشراب في محل معد لذلك، أو مقابل شغل غرفة أو أكثر من فندق أو نحوه، ومقابل استئجار مركبة أو مقطورة معدة للإيجار (المادة 395)، وجريمة الشيك بدون رصيد (المواد 401 إلى 403) وجريمة خيانة الأمانة (المادة 404) وجريمة الاستيلاء بنية التملك على مال ضائع مملوك للغير أو على مال وقع في حيازة الشخص بطريق الخطأ أو بقوة قاهرة مع العلم بذلك (المادة 405).

ويثور التساؤل في هذا الصدد عما إذا كان من الملائم ذكر مسمى الجريمة، دون تحديد رقمها في القانون المشار إليه، وذلك على غرار ما فعل المشرع في المادة العاشرة الفقرة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي رقم (35) لسنة 1992م، بنصها على أن «لا يجوز أن ترفع الدعوى الجزائية في الجرائم التالية إلا بناء على شكوى خطية أو شفوية من المجني عليه أو ممن يقوم مقامه قانوناً: 1- السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة وإخفاء الأشياء المتحصلة منها إذا كان المجني عليه زوجاً للجاني أو كان أحد أصوله أو فروعه ولم تكن هذه الأشياء محجوزاً عليها قضائياً أو إدارياً أو مثقلة بحق لشخص آخر. 2- عدم تسليم الصغير إلى من له الحق في طلبه ونزعه من سلطة من يتولاه أو يكفله. 3- الامتناع عن أداء النفقة أو أجرة الحضانة أو الرضاعة أو المسكن المحكوم بها. 4- سب الأشخاص وقذفهم. 5- الجرائم الأخرى التي ينص عليها القانون».

كذلك، تبنى المشرع نهج الإشارة إلى مسمى الجريمة، دون تحديد رقم المادة التي نصت عليها في قانون العقوبات، وذلك في المادة الخامسة والأربعين من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (35) لسنة 1992م، بنصها على أن «لمأمور الضبط القضائي أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على ارتكابه جريمة في أي من الأحوال الآتية: … رابعاً: في جنح السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة والتعدي الشديد ومقاومة أفراد السلطة العامة بالقوة وانتهاك حرمة الآداب العامة والجنح المتعلقة بالأسلحة والذخائر والمسكرات والعقاقير الخطرة».

وكما سبق أن قلنا، فإن قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987م، قد ألغي وحل محله قانون الجرائم والعقوبات، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (31) لسنة 2021م. ومن ثم، نرى من الأنسب اتباع نهج ذكر مسمى الجريمة، دون الإشارة إلى رقم المادة المقررة لها والقانون المتضمن لها.

عبدالعال فتحي

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى