البلاغ الكاذب في قانون العقوبات المصري

بقلم: الأستاذ/ محمود عنتر

تتلقي النيابات والمحاكم الكثير من البلاغات والدعاوى يوميًا تضاعف العبء على أعضاء النيابة والقضاة، رغم أن كثيرًا منها كيدي أو كاذب، وهذه النوعية من البلاغات تصدي القانون المصري لها بشكل حاسم، حيث يترتب على ارتكاب جريمة البلاغ الكاذب تبعات كبيرة ويتم في حقيقة الأمر من خلالها اتهام الآخرين بجرم، قد يكون بعيدًا عن الحقيقة وملفق وبه افتراء لغرض في نفس المبلغ وقد يحبس إنسان بلا جريمة إلا نتيجة بلاغ به افتراء وكيدية.

وتعتبر جريمة البلاغ الكاذب تعمد إخبار إحدى السلطات العامة كذبا، ما يتضمن إسناد فعل معاقب عليه إلى شخص معين بنية الإضرار به وأيضا هي “أخبار بواقعة غير صحيحة تستوجب عقاب من تسند إليه موجه إلى أحد الحكام القضائيين أو الإداريين ومقترن بالقصد الجنائي”، وبذلك نصت المادة 305 من قانون العقوبات على (وأما من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة ولو لم يحصل منه إشاعة غير الإخبار المذكور ولم تقم دعوى بما أخبر به).

وفي الحقيقة أن المصلحة المحمية في هذه الجريمة هي مصلحة مزدوجة الأولى عقاب من تسول له نفسه استغلال حق الإبلاغ للسلطات العامة وإساءة استخدامه على نحو يجعله من ناحية التعرض للأفراد بالطعن في شرفهم واعتبارهم، والثانية حماية السلطات الإدارية والقضائية من شر التضليل وإقحامها في بلاغات كيدية وتعطيل سير العدالة.

ويجب التفرقة هنا في العقوبة الوارد بقانون العقوبات المنصوص عليها في المادة 303، بين البلاغ الكاذب الصادر في حق الشخص العادي أو في حق الموظف العام أو شخص ذي صفه نيابيه عامة أو مكلف بخدمة عامة ، فالأول الصادر بحق الشخص العادي عقوبتها هي: الحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن آلفين وخمسمائة جنيه ولا تزيد على سبعة آلاف وخمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، أما الثاني الشخص ذي الصفة وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة كانت العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين فقط.

ولم يشترط القانون في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون التبليغ بالكتابة بل كل ما يتطلبه هو أن يكون قد حصل من تلقاء نفس المبلغ، ويستوي في ذلك أن يكون قد تقدم خصيصا للإدلاء به أو أن يكون قد أدلي به أثناء التحقيق معه في أمر لا علاقة له بموضوع البلاغ.

ويلزم لحدوث جريمة البلاغ الكاذب توافر الركن المادي والركن المعنوي، ويتضمن الركن المادي ما يلي:

أ _ الإبلاغ عن واقعة

القانون لا يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون التبليغ بالكتابة بل كل ما يتطلبه هو أن يكون قد حصل من تلقاء نفس المبلغ، ويستوي في ذلك أن يكون قد تقدم خصيصا للإدلاء به أو أن يكون قد أدلي به أثناء التحقيق معه في أمر لا علاقة له بموضوع البلاغ.

فجريمة البلاغ الكاذب تتطلب أولا قيام شخص بالإبلاغ أو الإخبار وينبني على ذلك أن العقاب ليس مقصورًا على البلاغ الذي يقدمه شخص عن جريمة يدعي أنها وقعت على غيره بل تتناول الشكوى الذي يقدمها شخص عن جريمة يدعي أنها وقعت على غيره أو عليه ولو ادعى فيها بحق مدني حتى ولو كان واقعا من موظف عمومي في أثناء تأدية وظيفتهما يستوي أن يكون البلاغ على صورة خطاب أو عريضة أو مذكره مقدم للقضاء أو السلطات الإدارية ويستوي أن يكون شفاهه أو كتابيا.

ب_ أمر مستوجب لعقوبة فاعله:

لا يشترط للعقاب على البلاغ الكاذب أن يكون الأمر المبلغ عنه قد أسند إلى المبلغ ضده على سبيل التأكيد أو بناء على ما يعلمه المبلغ هو نفسه، بل يصح العقاب ولو كان الأمر المذكور قد أسند إلى المبلغ ضده في صيغة إشاعة أو عن طريق الرواية عن الغير.

ج_ حصول تقديم البلاغ إلى سلطة قضائية أو إدارية وذلك لأن جريمة البلاغ الكاذب المقدم لسلطة قضائية أو إدارية معاقب عليها بقطع النظر عن كون السلطة المقدم إليها البلاغ مختصة أو غير مختصة.

د_ كذب البلاغ: وهو أن يكون الجان عالمًا بكذب الوقائع التي بلغ عنها بل يجب أيضًا أن يكون قد أقدم على تقديم البلاغ قاصدًا الإضرار بمن بلغ في حقه.

ثانياً الركن المعنوي القصد الجنائي:

يجب لتوافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون المبلغ قد قدم على التبليغ بسوء قصد مع علمه بأن الوقائع التي بلغ عنها مكذوبة وأن الشخص المبلغ في حقه برئ مما نسب إليه وأن يكون ذلك بنية الإضرار بالمبلغ ضده، وأن الشخص المبلغ عنه برئ مما أسند إليه، وأن يكون ذلك بنية الإضرار بالمبلغ ضده.

ونرى أن هذه العقوبات الواردة بالقانون غير كافية وغير رادعة في الوقت الحالي، وأنه يجب على المشرع المصري تشديد العقوبات على هذه الجرائم لما لها من أثار سلبية من سرعة انتشار الأخبار الكاذبة وتشوية السمعة ويكون قد وصل لمئات بل لآلاف المواطنين وقد يتخذه البعض كوسيلة لابتزاز الأشخاص والضغط عليهم مادياً ومعنوياً ويصبح عمل مالا عمل له وقد يتطور الأمر لجرائم أخرى، لذا نقترح أن يقوم محرر البلاغ من بداية الأمر بإلزام مقدمي البلاغات بالتوقيع على إقرار يفيد صدق أقوالهم وبيان العقوبة التي تنتظرهم في حالة كون البلاغ كاذباً كوسيلة ردع.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى